انتشر استخدام مصطلح العولمة في كتابات سياسية واقتصادية كثيرة "بعيدة عن الإنتاج الفكري العلمي الأكاديمي في البداية" في العقد الأخير، وذلك قبل أن يكتسب المصطلح دلالات استراتيجية وثقافية مهمة من خلال تطورات واقعية كثيرة في العالم منذ مطلع التسعينات.
ويستخدم عمرو عبدالكريم الباحث في العلوم السياسية مصطلح العولمة في وصف كل العمليات التي بها تكتسب العلاقات الاجتماعية نوعا من عدم الفصل "سقوط الحدود" وتلاشي المسافة؛ إذ تجري الحياة في العالم كمكان واحد - قرية واحدة صغيرة - ومن ثم فالعلاقات الاجتماعية التي لا تحصى عددا أصبحت أكثر اتصالا وأكثر تنظيما على أساس تزايد سرعة ومعدل تفاعل البشر وتأثرهم ببعضهم بعضا. وفي الواقع يعبر مصطلح العولمة عن تطورين مهمين هما: التحديث والاعتماد المتبادل.
ويرتكز مفهوم العولمة على التقدم الهائل في التكنولوجيا والمعلوماتية، بالإضافة إلى الروابط المتزايدة على جميع الأصعدة على الساحة الدولية المعاصرة. وبناء على ذلك، فالمفهوم يحتوي على مساحة من التناقض بين وجهة النظر الليبرالية الداعية للاحتفال بالاعتماد المتبادل بين الدول، مقابل وجهة النظر الراديكالية التي لا ترى في ذلك إلا مزيدا من السيطرة العالمية للرأسمالية والنظام الاقتصادي المرتكز على حرية السوق.
وتاريخيا، فإن مفهوم العولمة لا يتجزأ عن التطور العام للنظام الرأسمالي، حيث تعد العولمة حلقة من حلقات تطوره التي بدأت مع ظهور الدولة القومية في القرن الثامن عشر، وهيمنة القوى الأوروبية على أنحاء كثيرة من العالم مع المد الاستعماري.
ويقول عبدالكريم إنه برزت في الآونة الأخيرة ثلاثة عوامل ساهمت في الاهتمام بمفهوم العولمة في الفكر والنظرية، وفي الخطاب السياسي الدولي أولها عولمة رأس المال أي تزايد الترابط والاتصال بين الأسواق المختلفة حتى وصلت إلى حالة أقرب إلى السوق العالمية الكبيرة، وخصوصا مع نمو البورصات العالمية والتطور الهائل في تكنولوجيا الاتصال والانتقال والذي قلل - إلى حد كبير - من أثر المسافة. وثانيا انتشار أدوات جديدة للتواصل بين أعداد أكبر من الناس كما في شبكة الإنترنت. وثالثا التطور الهائل في تكنولوجيا الاتصال والانتقال والذي قلل - إلى حد كبير - من أثر المسافة، وانتشار أدوات جديدة للتواصل بين أعداد أكبر من الناس كما في شبكة الإنترنت. مثل: الحفاظ على البيئة، أو في المجالات غير القانونية كتنظيف الأموال والمافيا الدولية للسلاح.
وفي الواقع، فإنه على رغم ترحيب دعاة العولمة بزوال الحدود القومية ودعوتهم لإنهاء الدولة القومية، والحد من الإغراق في الخصوصية الثقافية والمحلية، ولكن الواقع الحالي يثبت وجود قوتين متعارضتين: التوحد والتجزؤ. فبينما يتجه الاقتصاد إلى مزيد من الوحدة على الصعيد الدولي، تخطو السياسة نحو المزيد من التفتت مع نمو الوعي العرقي والنزاعات الإثنية، في حين تتراوح الثقافة بين انتشار الثقافات الغربية في الحياة اليومية وبين إحياء الثقافات والتراث في أنحاء المعمورة. وعلى رغم عولمة رأس المال فإن الهوية تتجه نحو المحلية، أي الى التشبث بالذات في مقابل الاغتراب العولمي إذا صح التعبير
إقرأ أيضا لـ "علياء علي"العدد 1046 - الأحد 17 يوليو 2005م الموافق 10 جمادى الآخرة 1426هـ