كم هو قوي نفوذ الحزب القومي الألماني "ان بي دي"؟ ليس هناك إجابة سهلة على هذا السؤال. لكن بالتأكيد لا يلعب عدد أعضاء الحزب اليميني المتطرف دورا مهما في إبراز قوة الحزب. وقد دلت العمليات الانتخابية التي تحقق الفوز له فيها على أنه يعتمد بصورة رئيسية على نقمة الناخبين واستيائهم من عمل الحكومة والأحزاب التقليدية الكبيرة.
في الستينات فاجأ هذا الحزب الذي يعتبر نفسه خليفة الحزب النازي العالم ونجح بدخول البرلمان الاتحادي "بوندستاج"، لكن هذا كان آخر انتصار تحقق له في انتخابات عامة. وفي مطلع التسعينات برزت أحزاب يمينية متطرفة أخرى كان أبرزها الحزب الجمهوري الذي كان أول حزب يميني متطرف يحقق انتصارا مهما بدخوله برلمان ولاية برلين الغربية، وكان هذا في نهاية عقد الثمانينات. تبعه فوز آخر للحزب الجمهوري في انتخابات البرلمان المحلي لولاية بادن فورتمبيرج وكذلك فوز اتحاد الشعب الألماني بانتخابات البرلمان المحلي لولاية شليزفيج هولشتاين.
بعد توحيد ألمانيا عززت الأحزاب اليمينية المتطرفة نفوذها في الولايات الخمس الجديدة التي تشكلت على أرض ألمانيا الشرقية السابقة واستفادت بصورة خاصة من نقمة الألمان الشرقيين حيث معدلات البطالة في مناطقهم تبلغ ضعف ما عليه في الشطر الغربي، ونتيجة شعورهم بأن الوحدة تمت على حسابهم. ففي ظل النظام الاشتراكي السابق لم تكن هناك بطالة ولا معدلات عالية للجريمة، كما لم يكن هناك فرصة قوية لنشر إيديولوجية النازية كما حصل بعد الوحدة حين سعى النازيون الجدد إلى فتح مكاتب لهم في مختلف مناطق الشطر الشرقي.
وحصل الحزب القومي الألماني "ان بي دي" في العام الماضي على تأييد واسع في انتخابات البرلمانيين المحليين في ولايتي سكسونيا وبراندنبورج في الشطر الشرقي. كان هذا الفوز حافزا كبيرا له كي يستعد بعزم كبير مع حليفه اتحاد الشعب الألماني "دي فاو أو" لدخول الحملة الانتخابية لهدف الحصول على مقاعد في البرلمان الاتحادي. وكان اتحاد الشعب الألماني الذي يتزعمه الناشر البافاري الثري غيرهارد فراي قد اتفق على استراتيجية مع الحزب القومي الألماني تقضي بعدم مشاركة الحزبين في معركة انتخابية واحدة، وأن يلتزم كل طرف بدعم الآخر في الحملة الانتخابية التي يخوضها. ونتيجة هذا التحالف نشأ ائتلاف للنازيين الجدد في ألمانيا.
في العام 2004 كان يقدر عدد أعضاء الحزب القومي الألماني بنحو ثلاثمئة، لكن بعد عام حصلت زيادة صاروخية إذ يبلغ عدد الأعضاء اليوم .5300 في انتخابات ولاية شليزفيج هولشتاين التي جرت قبل شهرين حصل النازيون الجدد على نسبة 1,9 من أصوات الناخبين، وفي انتخابات ولاية شمال الراين وستفاليا حصلوا على نسبة 0,9 من الأصوات، ما يشير إلى أن عدد الذين منحوا أصواتهم للنازيين الجدد بلغ 70 ألف ناخب، وكان عددهم في العام 2000 قد اقتصر على 2300 ناخب.
السعي للبرلمان الاتحادي
هذه النتائج لا تطفئ ظمأ النازيين الجدد الذين لا يريدون الاكتفاء باحتلال مقاعد في البرلمانات المحلية ومجالس البلدية. ومع اقتراب موعد الانتخابات العامة المبكرة يسعى الحزب القومي الألماني إلى الحصول على ثلاثة مقاعد في حال حصوله على نسبة خمسة في المئة، وهي النسبة المطلوبة لدخول البرلمان الاتحادي. ويعتقد الاستراتيجيون في الحزب القومي الألماني واتحاد الشعب الألماني أنه سيجري اختراق مجلس البوندستاج هذا العام، وفي هذه الحال سيكون ذلك المرة الثانية التي يعود فيها النازيون الجدد إلى البرلمان الاتحادي. بيد أن هذا الهدف ليس سهلا، غير أنه ليس هناك ما يمنع النازيين الجدد من المحاولة ويعتمدون في تفاؤلهم على حملة جديدة لاجتذاب الناخبين الشباب وخصوصا الناقمين ورفع شعارات سياسية جدية عوضا عن الشعارات السابقة التي تحرض على الأجانب بصورة خاصة.
وراء التغيير الاستراتيجي نشوة النصر بالإنجازات الأخيرة التي حققها الحزب القومي النازي الفشل الذي منيت به حكومة المستشار شرودر في الحصول على موافقة محكمة الدستور أكبر مرجع قضائي في ألمانيا لحظر نشاطاته بوصفه معاديا للدستور. لكن المشكلة التي تعترض طريق النازيين الجدد إلى البرلمان الاتحادي هي عدم توافر قاعدة انتخابية صلبة تساعده في بلوغ هدفه. لذلك، فإنه يستهدف الناخبين الشباب في الشطر الشرقي، وخصوصا الذين لا يثقون بقدرة الأحزاب التقليدية الكبيرة على توفير فرص العمل لهم في المستقبل.
العضو في الحكومة المحلية في ولاية سكسونيا أوفه لايشزنرينج صرح قائلا: "نحن بصدد إقناع الناخبين الشباب أن الحزب القومي الألماني بيت سياسي لهم فيه فرص جذابة بشأن مستقبلهم". وأضاف لايشزنرينج الذي ينتمي إلى الحزب القومي الألماني قائلا: "نحن في طريقنا كي نصبح حزبا شعبيا، فقد أنشأنا فرقا رياضية وفرقا للموسيقى والغناء، ونقوم بجمع الأولاد من الشوارع وإشغالهم بموضوعات السياسة وهوايات أوقات الفراغ ونعمل في تمويل هذه البرامج لأننا نعتقد أننا نعيد تربية النشء الجديد".
كما يسعى الحزب القومي الألماني إلى اجتذاب الناقمين على الأوضاع السياسية والاقتصادية في بلدهم وسط الطبقة العاملة، وخصوصا في المناطق التي تتفشى فيها البطالة من خلال طرح حلول سهلة لقضايا معقدة مثل توفير فرص العمل من خلال قطع الطريق على الأجانب وخصوصا من دول أوروبا الشرقية الجديدة في الاتحاد الأوروبي ومن خلال الاهتمام بالقضايا التي تتجاهلها الأحزاب الكبيرة مثل النقمة من اليورو "العملة الأوروبية الموحدة" وانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي على رغم أن الحزب القومي الألماني يعارض عملية توحيد أوروبا بحجة أن الهوية الألمانية ستختفي مثلما اختفى المارك "العملة الألمانية السابقة".
وأشار عضو مجلس الأجانب في مدينة دريزدن بالشطر الشرقي نبيل يعقوب إلى أن هذا الحزب اليميني المتطرف يعمل بطريقة متطورة على أساس بث الذعر في نفوس الناس للحصول على تأييدهم لتحقيق أهدافه، وليس هدفه الأساسي حل المشكلات. وأضاف "أن الحزب القومي الألماني يستخدم شعارات سهلة ويستغل الأوضاع الحالية ونقمة الناس من ارتفاع الأسعار واستفحال البطالة وازدياد المشكلات بسبب الإصلاحات الاجتماعية". وأشار يعقوب إلى أن اللغة التي يستخدمها الحزب القومي الألماني في المناطق الريفية أشد قسوة من اللغة التي يستخدمها في المدن. في المناطق الريفية يشعر الناس أن الحكومة تجاهلتهم وأن الحزب القومي يدير لهم آذانا صاغية.
وكشف يعقوب عن قلقه الشديد حيال نفوذ النازيين الجدد في المدارس بقوله: "لقد صعقنا حين لمسنا مدى تأثير اليمين المتطرف على طلبة المدارس في الأرياف على رغم أننا حاولنا القيام بمشروعات اجتماعية. كما وردتنا شكاوى من بعض المعلمين والمعلمات الذين قالوا بصريح العبارة إنهم يخشون خسارة وظائفهم إذا تفوهوا بكلام سيئ عن النازيين الجدد".
التخويف من مستعمرات تركية
وعلى رغم أن عدد الأجانب في ولاية سكسونيا قليل جدا، فإن النازيين الجدد يثيرون الخوف في نفوس الناخبين من هيمنة الأجانب ويقولون إنهم لا يريدون مناطقهم أن تتحول إلى مستعمرات تركية. راعي الكنيسة اللوثرية في كونيجشتاين باريش شتيفان زيجموند والتي هي معقل مهم للحزب القومي الألماني، قال: "إن هذا الحزب ليس لديه أكثر من حلول سهلة لمشكلات معقدة". وأضاف "في الماضي حين كنا نعيش في ظل العهد الاشتراكي، وكان الألمان الشرقيون يشعرون بغيظ حيال الأجانب من الطلبة والموظفين الذين كانوا يحظون بامتيازات لم تكن متوافرة للمواطنين المحليين وكانت النتيجة ظهور نزعة لديهم ضد الأجانب".
معاداة الأجانب جزء من إيديولوجية النازيين الجدد الذين لا يظهرون اليوم بملابس رثة وإنما بسترات أنيقة. لهذا يرفض الحزب القومي الألماني الدستور الأوروبي الذي وافقت عليه الحكومة الألمانية، ويدعو إلى انسحاب ألمانيا من الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، وأن تصبح ألمانيا دولة محايدة لها عملتها المستقلة، وحصول الشعب على حق أكبر في تقرير مصير بلده عبر استفتاءات شعبية مثل جيرانهم في سويسرا
العدد 1046 - الأحد 17 يوليو 2005م الموافق 10 جمادى الآخرة 1426هـ