العدد 1046 - الأحد 17 يوليو 2005م الموافق 10 جمادى الآخرة 1426هـ

عراد... قرية لم تنصفها المشروعات الإسكانية بعد!

محمد حسن العرادي comments [at] alwasatnews.com

قبل أكثر من 30 سنة بدأت المشروعات الإسكانية في جزيرة المحرق، وكان أن وقع الاختيار على قرية عراد لتنفيذ مشروع إسكاني كبير، حينها هلل أهالي عراد فرحا وأعدوا العدة لاستقبال الأمير الراحل طيب الله ثراه.

ولايزال المشهد ماثلا أمام العين حين تجمع عدد من أبناء عراد عند مدخل القرية وذبحوا الذبائح ترحيبا بمقدم سموه رحمه الله، كانت تلك لحظات من الأمل عايشها أبناء القرية الصغيرة الكثيرة الأحلام، وكان مجرد التفكير في إقامة احتفال شعبي للترحيب بأمير البلاد دليلا على الثقة الكبيرة التي شعر بها المواطنون في هذه القرية.

لقد تطلب توفير ذلك المبلغ جهدا كبيرا من قبل الأهالي إذ شكل لهم ثروة بمقاييس الحياة المعيشية المتواضعة التي كان يعيشها سكان عراد في تلك الفترة، ولم يكتف المحتفلون بذلك بل شاركوا في تقديم الأشعار والتبريكات والسلام على أمير البلاد الراحل، والاحتفاء به في مشهد لن يغيب عن الذاكرة أبدا، حين نصب ديوان كبير للاحتفال بوضع حجر الأساس لما سمي يومها "إسكان عراد".

ومرت الأيام وعيون المواطنين تتابع بلهفة وشوق أعمال البناء تتواصل، وعقد كثير من الشباب الأمل على أنهم سيحصلون أخيرا على فرصتهم في مسكن يليق بهم، لكن غالبية هذه الآمال ذهبت أدراج الرياح، فمع اكتمال المشروع الإسكاني اتضحت الصورة، ليس هناك من أبناء عراد إلا النزر اليسير.

عندها استفز بعض شباب القرية وقاموا باتصالات عدة ومحاولات كبيرة للحصول على زيادة في عدد البيوت المخصصة لأهالي عراد، لكن القطار قد فات ولم يتجاوز عدد من حصلوا على بيوت من أهالي عراد 20 شخصا بأي حال من الأحوال، والغريب أن المشرع الإسكاني كان يتحدث عن أكثر من 500 وحدة سكنية.

ولمزيد من التوضيح فإن حصول هذا العدد من أبناء عراد لم يأت نتيجة لاعتبارات خاصة بل لعبت المصادفة وقدم الطلبات التي قدمها أبناء عراد دورها الرئيسي في حصولهم على هذه النسبة التي لم تتجاوز 4 في المئة فقط من عدد البيوت المشيدة.

ومرت الأيام والسنوات وأخذ المشروع الإسكاني في محيط قرية عراد يطبق على القرية الصغيرة من كل جانب، حتى لم يعد لعراد أي منفذ أو مدخل إلا عبر بوابات المشروعات الإسكانية التي جعلت عراد عاصمة للمحرق بكل ما تعنيه الكلمة.

عراد اليوم تضم حوالي 20 في المئة من سكان محافظة المحرق "حوالي 20 ألف من أصل 100 ألف هم سكان المحرق"، وبها أكبر دائرة انتخابية "حوالي 10 آلاف ناخب في الدائرة 7 من أصل 45 ألف ناخب في المحرق"، وبها أكبر عدد من المجمعات الإسكانية وبها جميع الخدمات الحياتية والتجارية، لكن أهالي هذه القرية يعيشون الغربة داخل وطنهم.

لقد أصبح أهالي قرية عراد أقلية في منطقتهم، ولم يعد من الممكن لهم التوسع العمراني داخل حدود قريتهم إلا عن طريق واحد هو تحويل البساتين والمزارع إلى مخططات سكنية تجعل من الممكن لهم الحفاظ على هوية القرية، والمحافظة على العلاقات والروابط الاجتماعية بين أهلها.

لكن هذا الخيار كان مكلفا جدا، فعلى مدى العشر سنوات الماضية قام أكثر من 200 شاب من أبناء القرية برهن مستقبلهم لدى المصارف عن طريق القروض العقارية الكبيرة التي أجبروا على اللجوء إليها حتى لا يتم طردهم من قريتهم الجميلة.

لقد كانت أعينهم ومسامعه مليئة بالشعور بالغبن والصرخات المكبوتة التي يعايشونها مع عدد من إخوانهم الذين هجروا قسرا إلى مشروعات إسكانية خارج منطقة عراد وتفرقوا في طول البلاد وعرضها، من إسكان عالي إلى إسكان مدينة عيسى وسند ومن مدينة حمد إلى كرباباد، خصوصا حين يعودون إلى القرية في كل مناسبة وموسم اجتماعي فرحا كان أو حزنا.

لقد رهنوا حياتهم للمصارف من أجل التشبث بالأرض، وأستطيع القول ان أبناء عراد قد استثمروا ما لا يقل عن 4 ملايين دينار فقط من أجل شراء الأراضي "200 قسيمة بمتوسط 20 ألف دينار للقسيمة الواحدة"، ومن دون شك فإنهم احتاجوا ما لا يقل عن 6 ملايين دينار من أجل بناء مسكن مناسب فوق هذه الأراضي التي اشتروها "200 منزل بمتوسط 30 ألف دينار للبناء".

أي أن هذه القرية قد صرفت على مدى الأعوام الماضية أكثر من 10 ملايين دينار على السكن فقط "بمتوسط مليون دينار سنويا، وهو ما يعادل 166 دينارا ديونا على كل فرد من أفراد القرية البالغ تعدادها 6000 نسمة تقريبا"، فماذا بقي لأبنائها للصرف على أمورهم المعيشية العادية؟ لقد أدى ذلك إلى أن معظم الاحتياجات الأخرى والكماليات أصبحت مؤجلة حتى إشعار آخر؟

وحين يتفكر المرء في القضية الإسكانية التي يعيشها جميع المواطنين في مختلف أرجاء البلاد يجد أن هناك ظلما كبيرا قد لحق بأبناء عراد بالذات، وخصوصا حين يتم استعراض ما يجري في حدود محافظة المحرق، التي تمتلئ بالمشروعات الإسكانية في كل مكان.

حين انطلق مشروع الإسكان في مدينة الحد، تم تخصيصه لأهالي الحد فقط، وحين انطلق مشروع الإسكان في البسيتين تم تخصيصه لأهالي المحرق فقط وعلى رأسهم سكان البسيتين أنفسهم، حين انطلق مشروع الإسكان لحالة النعيم وحالة السلطة تم تخصيص هذا المشروع لأهالي الحالتين فقط.

وحين انطلق مشروع الإسكان في منطقة قلالي تم تخصيص القسم الأكبر منه لصالح أهالي قلالي فقط، وحين حددت مساحة كبيرة للتوسعة العمرانية لمنطقة الدير وسماهيج تم تخصيصها لأهالي الدير وسماهيج فقط، وعندما تم إقرار المشروع الإسكاني الأخير في منطقة البسيتين غرب المطار تم تخصيصه لأهالي المحرق فقط، وعندما تم إقرار التمدد العمراني في منطقة قلالي حديثا خصص لهم النصيب الأكبر.

ما الذي يجري حولنا، ولماذا يكون أهالي هذه القرية الصغيرة الاستثناء الوحيد في منطقة المحرق الذين لا ينالون الأولوية في المشروعات الإسكانية في قريتهم؟ سؤال يحتاج إلى إجابة من قبل المسئولين في وزارة الإسكان؟

لكن الجواب الذي ينتظره أهالي قرية عراد، ليس على شاكلة التطمينات والمسكنات، فنحن نعرف أن الوزارة بصدد إقامة مشروع إسكاني كبير في منطقة عراد حسب ما صرح به النائب عثمان شريف ومدير إدارة تطوير القرى بوزارة الإسكان أيمن الخضر خلال لقاء جمعهم بأهالي عراد في مأتم الحاج عباس العرادي الثلثاء الماضي "12 / 7". ونعرف بأن هذا المشروع يضم ما لا يقل عن 400 قسيمة سكنية، وحوالي 300 وحدة سكنية، وأن هذا المشروع سينفذ على مراحل، وهو يقام في محيط القرية من الجهة الجنوبية، لذلك فإننا نطالب بأن يكون هذا المشروع حصريا على أهالي قرية عراد، أسوة بالتعامل في سائر مناطق محافظة المحرق.

إن الحديث عن رصد اكثر من 17 مليون دينار لاستملاك الأراضي المقترحة للمشروع، ورصد أكثر من 9 ملايين لمشروعات البناء والإعمار، لا ينسينا المبالغ الطائلة التي دفعها أبناؤنا على مدى السنوات الماضية، ولا يجعلنا في وارد السكوت والقبول بتجدد وقوع الظلم على هذه القرية الصابرة.

لذلك فإننا في الوقت الذي نشكر فيه النائب عثمان شريف الذي عمل جاهدا على إقرار المشروع الإسكاني الجديد في عراد، نطالبه بالعمل على أن يكون هذا المشروع خالصا لأهالي قرية عراد، وليس في ذلك انتقاصا لحقوق الآخرين، لكننا نريد لهذه القرية أن تأخذ حقها الطبيعي في التمدد والنمو العمراني مثل جميع المناطق الأخرى في البحرين.

لقد تم استحداث سياسة امتدادات القرى، ونحن نعتقد بأن من المهم الحفاظ على خصوصية قرية عراد من خلال حماية حدودها المكونة حاليا من المجمعات ،241 242 وما يتصل بهما من المشروع الإسكاني الجديد، ونطالب جديا بأن يكون هذا المشروع نوعا من رد الحق إلى أصحابه .

إن من المهم الشعور بعدالة المعاملة والإنصاف في التعامل من قبل الدولة بشأن المشروعات الإسكانية، فها نحن نرى المشروعات الإسكانية تقام حولنا كل يوم وتخصص لأهالي المناطق التي تقام بها، فلماذا نستثنى نحن من هذه المعاملة.

وفي هذا الوقت بالذات هناك مشروع إسكاني هو الثالث من نوعه يقام لأهالي الحالات الملاصقة لعراد تماما ويخصص لأهل الحالات من دون غيرهم، فإذا كان إخواننا في الحالتين يستحقون ما حصلوا عليه، فما الذي يمنع من أن يحصل إخوانهم أهالي عراد على معاملة بالمثل.

نريد من الجميع أن يتفهم عدالة مطالبنا، كما نريد من جلالة الملك أن يولي هذه القرية اهتماما خاصا فيصدر توجيهاته الكريمة للجهات المسئولة بإنصاف أهالي قرية عراد الذين ينامون على أحلامهم منذ أكثر من 30 سنة، وأن يتم تخصيص هذا المشروع لأهالي عراد فقط، فإذا كان سكان هذه القرية اليوم يتجاوز 6000 نسمة فإن مشروعا لا تزيد عدد وحداته عن 300 وحدة سكنية، ولا تزيد قسائمه السكنية عن 400 قسيمة لا يغطي أكثر من 10 في المئة من نسبة السكان، وهي نسبة نمو طبيعية لأي مجتمع.

لذلك نريد هذا المشروع خالصا لقرية عراد، ونرغب في أن نرى فيه حدائق تعوضنا المزارع والبساتين التي تم إزالتها، وملاعب ومنشآت رياضية لأبنائنا الذين حرموا هذا الحق من دون غيرهم زمنا طويلا ومدارس تتناسب مع النمو السكاني المتزايد في المنطقة.

ومن دون ريب فإن تشكيل لجنة أهلية لمتابعة هذا المشروع من قبل أهالي عراد، والتواصل مع جميع الجهات المسئولة من أجل تحقيق الحلم المنشود، سيساعد على تحقيق وحدة المطلب وهذا ما نحن بحاجة إليه في هذا الوقت بالذات قبل أن يطير المشروع، فلا ينفع الندم وخصوصا أن هذه هي الفرصة الأخيرة للتمدد العمراني لقرية عراد

إقرأ أيضا لـ "محمد حسن العرادي"

العدد 1046 - الأحد 17 يوليو 2005م الموافق 10 جمادى الآخرة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً