العدد 1045 - السبت 16 يوليو 2005م الموافق 09 جمادى الآخرة 1426هـ

السودان والتحول الديمقراطي السلمي

ابراهيم خالد ibrahim.khalid [at] alwasatnews.com

كان من حسن حظي هذا العام ان صادفت اجازتي السنوية مع الاهل في السودان التحولات نحو النظام الديمقراطي التعددي في ظل أجواء السلام التي ترفرف على البلاد. وصلت الخرطوم قبل أيام من وصول زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان جون قرنق، إذ تقلد منصب النائب الأول للرئيس وأدى اليمين الدستورية في ظل احتفال مهيب حضره الكثير من القادة الافارقة والقيادات العربية والدولية. وبعد أيام سيشهد السودان قيام حكومة انتقالية تشارك فيها كل القوى السياسية تقريبا، ما يعني دخول البلاد في ظل مناخ سياسي منفتح وحر. لكن كيف ينظر المواطن السوداني العادي لهذا التحول السلمي نحو الديمقراطية الذي لم يألفه منذ حقب، إذ تعود على تعاقب الحكم العسكري بعد فشل حكومات ديمقراطية تأتي عقب ثورات شعبية تسقط أنظمة شمولية؟

لقد توجس الكثير من السودانيين في الخرطوم خصوصا من وصول قرنق والاستقبال الشعبي الذي حظي به، وكان هناك من يعتقد ان بعض المشكلات الامنية قد تقع من بعض أبناء الجنوب الذين يرون في قدوم قرنق نصرا لهم. لكن الاجهزة الامنية كانت حريصة على مرور هذه المناسبة بالصورة التي تليق بها، وتعاملت بانضباط شديد مع بعض الحوادث البسيطة التي وقعت من بعض الغوغاء الذين استغلوا الحدث لإحداث بعض التخريب الذي طال بعض الممتلكات الخاصة والعامة لكن بصورة غير ملحوظة ولم تؤثر على النظام العام.

واليوم يتخوف البعض خصوصا مع رفع قوانين الطوارئ من البلاد باستثناء غرب وشرق البلاد بسبب الانفلات الامني، ويعتقدون ان هناك تحديا أمنيا ستواجهه الأجهزة الأمنية التى يجب أن تتعامل في مناخ سريان القوانين العادية وهو أمر لم يحدث منذ سنوات خلت إذ كانت يدهم مبسوطة للآخر، لوضع حد لأي خلل أمني بالحسم الفوري. وهناك من يعتقد أن عودة الأحزاب المعارضة للعمل السياسي الحر سيعيد البلاد لأجواء ما قبل انقلاب الانقاذ.

وفي المقابل هناك من هم متفائلون بانتقال البلاد إلى مناخ من الانفتاح السياسي والاقتصادي الذي سيجعل الكل يستمتع ويتمتع بحقوق المواطنة الكاملة، وسيجد فرص عمل متاحة دون قيد أو شرط أو محاباة لزيد من الناس كما كان يحدث منذ سنوات.

بعد أيام وبعد إجازة الدستور الانتقالي وحل المجلس الوطني "البرلمان" الحالي وحل الحكومة الحالية سيتقلد مقاليد الحكم في البلاد وولاياتها المختلفة في الجنوب والشمال حكومات جديدة تضم عناصر من الحليفين الحكومة السابقة والحركة الشعبية والاحزاب المعارضة التي كانت تنضوي في ظل التجمع الوطني المعارض. وسيقف في جانب المعارضة المؤتمر الشعبي بزعامة حسن الترابي وحزب الامة القومي بزعامة الصادق المهدي.

السلطات الجديدة في البلاد ستواجه بتحديات كبيرة في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والقانونية والاجتماعية، ويترقب كل أبناء الوطن الواحد ليروا ماذا ستحمل لهم سنوات الحكم الانتقالي من تغيير ظلوا يحلمون به منذ سنوات، وفي مقدمة ذلك تحسن الأوضاع الاقتصادية وحماية المنتجين من جرثومة الضرائب التى كانت تمتص منهم كل ما يجنونه بعد عام من البذل والجهد، خصوصا في المجال الزراعي الذي يفترض انه عماد الاقتصلاد السوداني. كما ينتظر الكثير من الخريجين الجامعيين الذين ملوا من العطالة ان يجدوا فرص عمل تمنح لهم وفق معيار الكفاءة وحاجة البلاد لهم دون تدخل حسيب أو نسيب.

في المجال السياسي يتمني الكل ان تتعلم الاحزاب من الدرس، وأن تخلق مناخ ممارسة سياسية ديمقراطية حقة في ظل دولة مؤسسات بعيدا عن الطائفية والفئوية، وأن تراجع حساباتها وقواعدها، وأن تنتخب قيادات تواكب تطلعات المرحلة. وتتطلع الصحافة لمنحها المزيد من الحريات، وأن تعود كوادرها المهاجرة إلى حضن الوطن لتساهم بدورها في تمتين مناخ الحريات والديمقراطية بعيدا عن المهاترات والمكايدات.

وتحتاج كل مجالات الخدمات والتعليم والصحة للتطوير والتحديث بعد الاهمال الذي عانت منه، ويتمنى المواطن العادي أن يرى نتاج الضرائب التى يدفعها تعود نفعا عليه، وبصورة عامة على المجتمع الذي يعيش فيه حتي تنتفي كل السلبيات السابقة التي أجبرت البعض على انتهاج أساليب غير مشروعة لكسب العيش.

هذه بعض الانطباعات التى تولدت لدي خلال أسبوعين تقريبا، ومن الصعب على من غاب عن البلاد سنوات كثيرة أن يسبر غور كل مناحي التحول الديمقراطي السلمي الذي تشهده وستشهده البلاد خلال الأيام والشهور المقبلة. والكل يتمنى ويدعو الرب عز وجل أن تكلل جهود المخلصين خيرا، وأن تشهد البلاد قفزات كبيرة وعريضة نحو التقدم والرقي

إقرأ أيضا لـ "ابراهيم خالد"

العدد 1045 - السبت 16 يوليو 2005م الموافق 09 جمادى الآخرة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً