العدد 1045 - السبت 16 يوليو 2005م الموافق 09 جمادى الآخرة 1426هـ

حاضن عربي احتياطا من الكارثة

من لندن إلى فلسطين إلى بغداد إلى بيروت

هاني فحص comments [at] alwasatnews.com

عضو في المجلس الشيعي الإسلامي الأعلى في بيروت

إذا كنا نشعر بالتعب جراء ما اضطررنا إليه وكان ينبغي أن نأخذ احتياطنا ضده، أعني التطرف الديني، الإسلامي، والإسلامي الإسلامي، والمسيحي، والمسيحي المسيحي، الذي يعمل وكأنه موظف من موظفي التوراة في السياق اليهودي المتطرف في شكله الصهيوني العالمي الذي يستولي تدريجيا وبقوة على المسيحية هذه المرة، بعدما استولى على قطاع واسع من المسيحيين الغربيين دولا وجماعات دينية "المسيحية المتصهينة مثالا".

إذا ما كنا نشعر بالتعب فلا ينبغي أن يكون تعبنا مدعاة أو مظهرا لليأس من تصحيح المسار وتعديل المؤشر، لأن اليأس سيدخلنا في صمت يشبه الرضا، ما يمكن أن يسهم في تفاقم الأمور ويجعل قوى التطرف تستشعر الانتصار فترص صفوفها وتخترق صفوف الاعتدال لتصل ونصل معها إلى الكارثة الكبرى، أي اجتياح الماضي للمستقبل، وإعادة انتاج الحروب الدينية العشوائية والمتنقلة والدائمة، ما يعدنا أو يتوعدنا بأن نعيد بشكل مشوه حروبنا الداخلية الدينية والمذهبية، أي حروب أهل المذهب لا حروب المذاهب والأديان المبرأة، وإلا فاننا ظالمون منحرفون ومحرفون إن ظهر منا أي اقتناع بأن الخلافات الدينية، أو المذهبية هي ناتج فعلي مطابق للاختلاف في العقيدة أو الفقه أو معرفة أهل المذاهب بدينهم أو مذاهبهم عموما، كما نعيد أو نستعيد بشكل مشوه وغير ملائم للتحديات والأسئلة التي تهجم علينا وتنتظرنا عند مفارق السنوات المقبلة الحافلة كل يوم من أيامها بجديد في العلم وعلاقات البشر بعضهم ببعض وأنظمة مصالحهم المحكومة بفضاء العولمة الواسع والجامع، الذي إذا لم نكتشف شروطه ونذعن لها فسيكون خيارنا الوحيد هو الإذعان له والوقوع ثانية في دورة ومدى الاستحواذ الشامل هذه المرة... نعيد أو نستعيد كما قلت وبشكل مشوه وقاس ومدمر تاريخ الحروب الدينية في أوروبا، والذي استمر 500 سنة، كان يمكن تفاديها وأن تتحقق لأوروبا بالتقدم العلمي والفكري الحواري والأخلاقي في مستويات أعلى وأعمق من الحضارة والمدنية، التي نحن، عربا ومسلمين لم نقترب حتى الان من حدودها ولم ندخل في دورتها الحالية التي كان يمكن أن تكون أرقى وأكش إنسانية لولا تلك الحروب... إلا أن أوروبا استدركت وقطعت مع هذا التاريخ. نشعر بالتعب، بحيث اننا لو أردنا القول في الذي حدث في لندن لما وجدنا كلاما لأننا قلنا الكثير ولم نفعل حتى القليل من أجل تفادي ما يحصل، والأنكى والأوجع أننا لم ننتبه إلى قانون تاريخي مضمونه أن التطرف والاعتدال عندما يستحكمان بشعب أو أمة أو ديانة، إنما يتم ذلك من خلال البنية الداخلية وتواصلها مع الآخر.

فأن تعدل أو تعتدل أو تحاور في بلدك يعني أن تعدل وتعتدل وتحاور الخارج، لأن الاعتدال نهج شامل وكذلك التطرف ان لم ينهض الاعتدال مشروعا حضاريا للوقاية منه أو علاجه... من هنا أقرأ ما يحدث في فلسطين، وأرجو ألا يتمادى، من صراع داخلي كنا ولانزال على خوف شديد منه، ونعتقد أن انفجاره يحقق الأهداف الكبرى للصهاينة ويدفن الانتفاضة والوحدة الفلسطينية في لحد من نار وحديد... وهنا لا ننسى العراق الذي قرأنا في تكوينه السياسي والاجتماعي والتاريخي والديني لائحة لمضادات حيوية ضد الحرب الأهلية، أي الحرب ضد كل أهل العراق والعرب والمسلمين في المحصلة، لم نكن مخطئين عندما نجاهر بطمأنينتنا، غير أننا لم نحضن هذه الطمأنينة بما يحفظها ويثمرها ويمنع الأعداء من العدوان عليها، بالتحريض المباشر وغير المباشر للأطراف العراقية، ومن تحويلها من عامل استقرار الى عامل قلق ورعب من المستقبل... ليتبين أن الطمأنينة المفرطة وغير المحصنة هي أخطر الأخطار، لقد نادى الكثير منذ حدوث المفصل الصعب في العراق بضرورة تشكيل حاضن عربي إسلامي فكري وعلمي استشاري لحال العراق تأكيدا للمشاركة وإعادة للمشاركة إلى الداخل العراقي الذي لا يمكن لطرف عراقي واحد مهما كان قويا أن ينجزه وحده... وثانية وقبل فوات الأوان، اننا مطالبون عربا ومسلمين معا، وعربا خصوصا، دولا وطبقات سياسية وجماعات أهلية ودينية وأحزابا وعلماء ومفكرين ومثقفين ووجهاء أن نعجل بتشكيل الحاضن العربي للعراق قبل فوات الأوان لا خوفا على العراق فقط، بل خوفا على أنفسنا أيضا، على دولنا وكياناتنا ثانيا ووحدتنا الوطنية واقتصادنا ومساجدنا والمصلين فيها. إن حجم العراق في آثاره المباشرة، قد يفوق مستقبلا حجم فلسطين وقد يلغي فلسطين من خريطة همومنا لأنه أخطر منها.

وأود أن أختم هذا الكلام بسؤال لبناني له معادله العربي والإسلامي سؤال موجع يأتي من أن بريطانيا استطاعت أن تكشف الجريمة ومرتكبيها والعقل المدبر لها في أقل من أسبوع وذلك أن حوادث لندن تهدد الاستقرار والمستقبل البريطاني المشغول بدقة وحساسية عالية تجعله، على قوته، قابلا للتأثير العميق في بنيته الأساسية، فهل ما حدث في لبنان من محاولة اغتيال الوزير مروان حمادة إلى اغتيال رئيس وزراء لبنان الممتاز والاستثنائي المرحوم الشهيد رفيق الحريري، وسمير قصير وجورج حاوي ووزير الدفاع الياس المر، وهم كبار جدا ولهم دلالات عميقة، ويعادلون في حجمهم على الأقل محطات المترو في لندن.

ومع ذلك فإننا لا يراودنا أمل كبير في كشف المجرمين أو معاقبتهم، كأن المطلوب هو معاقبتنا فقط!

ولو كنا كشفنا جرائم واغتيالات سابقة، سوى عدد ضئيل انكشف بطريقة الصدفة ونتيجة تواطؤات وتوجهات ملتبسة "قتل الرئيس كرامي ودوري شمعون مثلا" لو كان حصل ذلك سابقا مع أسماء كبيرة في لبنان من المرحوم المفتي الشيخ حسن خالد إلى غيره، لما كنا على خوف شديد من أن لا ينكشف شيء، ما يعني أن هنك تواطؤا على ألا يستقر لبنان، وإذا ما عاد لبنان إلى انقسامه وحربه الداخلية، فهل بإمكاننا أن نحصر الحرب في حدود لبنان؟

أنا أوافق مرغما على التضحية بلبنان أو العراق إذا كان ذلك يعني أن الباقي يسلم... فهل يسلم الباقي أم أن اي بلد عربي يؤتى من البلد الآخر؟

هذا ولا يفوتني أن أتمنى أن تكون "إسرائيل" هي التي ارتكبت كل الجرائم في لبنان، وخصوصا الجرائم الأخيرة، لأن ذلك يوحدنا أكثر وأعمق، أما أن نتهم "إسرائيل" المتهمة فعلا، ولا نكشف وننتظر فريق التحقيق الدولي الذي إذا كشف فلن يكاشف وسيضع النتائج في ارشيف الابتزاز والفواتير السياسية والاقتصادية التي تتطلب ابقاء السر سرا تسهيلا لاستخدامه في الوقت المناسب كما تقتضي مصلحة المرجعيات الدولية المعنية... إذا، فأن نتهم "إسرائيل" فهذا حل سياسي أمني يعني فسح المجال أمام التفاقم والخراب تحت اللافتة العريضة لفكرة المؤامرة، التي لا ننفيها ولكننا لا نكتفي بها، لأن ذلك يعني أننا شركاء فيها... والمسألة في النهاية ليست أمنا بالمعنى الحرفي، وإنما هي سياسية أمنية، أي سياسية ذات شق أمني يخدم أهدافا أبعد وأخطر

إقرأ أيضا لـ "هاني فحص"

العدد 1045 - السبت 16 يوليو 2005م الموافق 09 جمادى الآخرة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً