لا شك في أن تشكيل رئاسة الجمهورية والدستور الجديدين في السودان يعتبران خطوة الى الأمام لكن لاتزال هناك الكثير من العوائق التي يجب التغلب عليها لإرساء الديمقراطية الوليدة. فاتفاق السلام بين الحركة الشعبية "المتمردة سابقا" بزعامة جون قرنق والمؤتمر الوطني"الحزب الحاكم" بقيادة عمر البشير يتيح تقاسم السلطة والثروة بين الشمال والجنوب وتشكيل حكومة ائتلافية جديدة وإجراء استفتاء خلال ست سنوات على انفصال الجنوب عن الشمال. لكن النسب التي وزعت السلطة على أساسها لم تكن ممثلة للقوى السياسية التقليدية بشكل مناسب. كما أن الدستور يضع ضوابط وشروط للممارسة الأحزاب نشاطها.

ومع ذلك يعتبر الدستور الجديد أفضل من سابقه من ناحية أنه ينص على أن جميع حقوق الإنسان في المواثيق الدولية جزء لا يتجزأ منه. ومن فوائد الوضع الجديد أنه سيكون لبنة لحلحلة المشكلات في بقية الأقاليم مثل غرب وشرق البلاد وغيرها. فعندما ينادي أهالي أي إقليم بأية مطالب في السلطة أو الثروة المكتسبة من منطقتهم سيجدون إجابة شافية في اتفاق "نيفاشا" الذي أنهى حرب الجنوب كأطول حرب في افريقيا. وسيعطي تقلد عميد المتمردين في القارة السمراء جون قرنق منصب النائب الأول للرئيس دفعة من بسط الحرية من شأنها إصلاح موازين الديمقراطية في النظام السوداني. وأسدل تنصيبه أيضا الستار بشأن التهميش كما أنهى احتكار السلطة في يد الشماليين من دون غيرهم منذ الاستقلال في العام .1956 لان الرجل لا يشغل الآن منصبا شرفيا كما هو الحال مع أسلافه الجنوبيين الذي تعاقبوا على شغل هذا الموقع. فهو نائب أول للبشير ورئيس وزراء حكومة جنوب السودان "ثلاثة أقاليم بحجم مساحة فرنسا وألمانيا وبريطانيا" ولا يمكن لرئيس الجمهورية ان يصدر قرارا من دون استشارته.

بيد ان العيب في صلاحيات قرنق هو أنه النائب الوحيد الذي يملك صلاحيات واسعة تفوق صلاحيات كل النواب في العالم،اذ لا يوجد في العالم نائب رئيس يملك جيشا منفصلا عن جيش الدولة وهذا يمثل خطرا حقيقيا، لكن كما يقول المثل السوداني: "العافية درجات"... والسلام وإن كان هشا خير من الحرب