تصاعدت على نحو واضح في الأسابيع القليلة الماضية أزمة حركة على الحدود السورية - اللبنانية، وكانت تعبيراتها متبادلة على جانبي الحدود، لكن أكثرها قسوة في تعبيراته، كان على الجانب السوري، إذ ترافقت إجراءات المراقبة الامنية المشددة مع التفتيش الجمركي المتشدد من جهة أخرى، وهي اجراءات قابلها على الجانب اللبناني قليل من إجراءات المراقبة الامنية والجمركية.
ومما ساهم في اعطاء هذا الوضع صورة شديدة السلبية، أمران، الاول منهما، ان زمنا طويلا مضى منذ ان توقفت مثل هذه الاجراءات على جانب الحدود السورية، وهي اجراءات قلما كان يجري تطبيقها على الجانب اللبناني، والامر الثاني، انها تأتي في ظل حساسيات خاصة في العلاقات السورية - اللبنانية نتجت عن الانسحاب السوري وما سبقه ورافقه من كلام يتصل بالوجود والدور السوري في لبنان.
غير انه وباستثناء الظروف التي رافقت الأزمة الحالية على الحدود السورية - اللبنانية، فان في الذاكرة السورية - اللبنانية مخزونا له تأثيرات سلبية عن أزمات مماثلة اقترنت بخلافات شديدة بين سورية ولبنان، منذ استقلال البلدين أواسط أربعينات القرن الماضي، وكان من أهمها قيام سورية بإغلاق حدودها مع لبنان في العام 1973 بهدف الضغط على الحكومة اللبنانية لتعديل موقفها بصورة ايجابية حيال الوجود الفلسطيني في لبنان ونشاطاته السياسية والعسكرية.
وعلى رغم ان استدعاء الحيثيات السابقة، أمر ممكن لتفسير الازمة الحالية على الحدود السورية - اللبنانية، فان من الظلم حصر الازمة بمضمون تلك الحيثيات، وما يمكن ان يتصل بها. ذلك ان ثمة معطيات راهنة، يمكن ان تفسر ظروف الازمة، ولعل الاهم في المعطيات، استشعار سوري بأخطار أمنية يمكن أن تتسرب من لبنان، أو تمر عبر سورية الى الدول المجاورة ولاسيما الى العراق الذي يتهم سورية بأنها تساعد، أو لا تضبط مرور المسلحين إليه لمقاتلة القوات الاميركية هناك.
والأساس في الاستشعار السوري، ان لبنان بلد مفتوح، وانه يمكن ان يكون ميدانا لانشطة دول وقوى معادية، تنهض سياستها على الاخلال بالأمن السوري، وأمر كهذا صارت إمكاناته أكبر في التقديرات السورية بعد ان انسحبت قواتها وأجهزة استخباراتها من لبنان، الامر الذي يتطلب وجود حاجز أمني قوي وفعال على الحدود مع لبنان يحفظ الأمن السوري، ويزيد آلية تأمين الطرق الى الجوار وخصوصا الى العراق.
وبحسب الرؤية الرسمية السورية في عمقها الأمني، فان أهمية الحاجز الأمني القوي والفعال على الحدود مع لبنان تتضاعف في ظل ما كشفت عنه تطورات الشهر الماضي من حوادث في سورية، إذ تجددت في ثلاث مرات صدامات أجهزة الأمن مع جماعات التبس التعريف السوري بصددها، جرى ربطها غالبا بـ "الإرهاب" وهو أمر سياسي، وبـ "السطو" وهو بعض من الاعمال الاجرامية، أو بالاثنين معا، وكان واحد من تلك الصدامات على الجانب السوري من الحدود مع لبنان، إذ ضبطت الاجهزة السورية محاولة تسلل غير مشروع لـ "أصوليين" عرب الى الاراضي اللبنانية.
ولاشك في ان السبب السوري، يكفي من أجل تطبيق سياسة حاجز حماية أمنية قوي على الحدود مع لبنان، غير انه وبالمقدار نفسه، فان على سياسة الحاجز، ان تأخذ في الاعتبار الظروف الاخرى، أو ما يمكن ان يفرزه الواقع من تأثيرات سلبية على السياسة السورية وعلى علاقات دمشق مع جوارها واضرار بالمصالح المشتركة وخصوصا مع لبنان، ذلك ان نتائج هذه التأثيرات ربما تماثل الاخطار الامنية في نتائجها.
إن الهدف الرئيسي للسياسة السورية - كما هو معلن - اضافة الى حماية الداخل من خطر "الارهاب" و "الاعمال الجنائية" او كليهما، هو تحسين علاقات سورية مع جوارها وخصوصا في لبنان والعراق، وهي علاقات فيها كثير من التوتر والحساسية، الامر الذي يتطلب صوغا جديدا لسياسة الحاجز الأمني على الحدود، وخصوصا ان من حق عابري الحدود السورية من المواطنين السوريين وغيرهم في حركتهم الى لبنان ومنه، ان يتم عبورهم، ومرور ما يرافقهم من سلع وبضائع ومركبات بأيسر الطرق وأسرعها وأكثرها تبسيطا، وكلها أمور ممكنة التحقق إذا كان الهدف مجرد إجراءات أمنية، واجراءات جمركية احترازية، وعندها يمكن زيادة مسارب المرور، وتحديث آليات ومعدات المراقبة، وربما زيادة عدد أفراد التفتيش. ومن شأن ذلك، أن يتجاوز أزمة الحدود الراهنة، وان يعيد الحركة النشطة والحيوية الى مراكز الحدود السورية - اللبنانية، ويخفف من احتمالات الخطر الماثلة في الوقت ذاته
العدد 1043 - الخميس 14 يوليو 2005م الموافق 07 جمادى الآخرة 1426هـ