ثلاث ليالي متواصلة جلست فيها مع المفكر الإسلامي السيدهاني فحص، صباحا وظهرا وليلا ورحت أناقشه في بعض القراءات التي يحملها تجاه غالبية الثنائيات ذات الجدل الفكري. .. الحداثة والتراث، الدولة الدينية والدولة المدنية، حقوق المرأة والرجل، العولمة والخصوصية، الحداثة وما بعد الحداثة، الحوزة والجامعة، وقضايا أخرى مثل: الفن والموسيقى، المرأة والحقوق والسياسة، المسلمون والغرب ونحن والآخر، الخطاب الإسلامي من النرجسية إلى الشراكة... وقد كنت أستفز السيد في بعض الأسئلة الفكرية والثقافية وحتى التاريخية، ولا أخفي عليكم ان الترسانة الثقافية والمعرفية التي يحملها السيد تثير إعجابي وتستفز أسئلتي كشخص لا أحب الخروج من المنزل كثيرا، لكن عندما ألتقي هاني فحص يخرجني من العزلة ومن شرنقة غربة الحال وفهم الخطاب. السيدهاني مشروع ثقافي يتحرك على الأرض ورؤية نقدية منفتحة على الواقع، يحمل متانة الفقه وعمق التجربة ورحابة في رؤية المستقبل. عندما تجلس معه تقترب كثيرا من قراءة تاريخ ثقافي وأدبي وسياسي حديث. يحدثك عن تجربته في النجف وكيف انفتح على الحوزة... يحدثك عن تجربة السياسة في لبنان وإيران والعراق... وتجربته في الحوار الإسلامي الإسلامي والحوار الإسلامي المسيحي. كتب عن العراق ويتلمس مفاصله عن قرب وقبل كل ذلك هو أديب جلست أسمع منه رؤاه النقدية في الشعر فوجدته معجبا بشعر أدونيس والسياب وصلاح عبدالصبور والغريب انه يحفظ بعض شعر أدونيس عن ظهر قلب ومولع بالمتنبي وقبل عام كتب مقالا نشر في "النهار" اللبنانية عن السيدة مريم، فنال إعجاب المسيحيين وكتب مقالات في جورج حاوي والغريب في هذا المفكر انه قريب جدا في قراءاته إلى التجربة الفلسطينية بدقائقها وتفاصيلها وهو أقرب إلى فهم الوضع العراقي. عندما أجلس معه أشعر اني جالس مع عالم انثروبولوجي... فهم في قراءة التاريخ، مطلع على مفكري الغرب، يحلل لك الحوادث بعيدا عن التأدلج أو التمذهب، وسطي إلى حد النخاع يفهم البرغماتية عن قرب، يتفهم الواقع بعيدا عن الخيال والشعارات الجاهزة، ومما يميزه انه قد يختلف معك في الرأي لكنه لا يتأزم ضد فكرتك، وهذه صفة تكاد لا توجد الا عند واسعي الأفق، فالثقافة المنفتحة ذات النزعة الإنسانية تفتح أفق الإنسان وتزيل عقده تجاه أي آخر. تجولت مع الرجل فكانت محطات الحديث هي العراق ولبنان وإيران والغرب.
رجل لا يعرف الاستقرار، بالأمس في لندن ثم إلى مصر ثم تجده في الأردن ثم الإمارات وهكذا. يحمل روحا انفتاحية، منفتح على الجميع، يجلس مع اليسار وله أصدقاء كثر، يجلس مع الليبراليين فيعمل على تأسيس عمل مشترك قائما على المواطنة بعيدا عن التمذهب وشرنقات التأدلج. له بحوث ومقالات أتمنى من شبابنا الانفتاح عليها من قبيل: 1- ديمقراطية الاستبداد. 2- الاندماج أو التلاشي. 3- الوحدة والتنمية لنهضة الأمة... الخ من أفكار السيدهاني فحص، فهو منفعل بالتعددية وحتمية الدولة المدنية وان المستقبل ليس للتطرف بل للاعتدال.
لقد جالست مفكرين من الإسلاميين وخصوصا من الشيعة، لكني أجد أفق السيدهاني قد يزاحم إذا لم يكن يغالب الكثير منهم. وأقول ذلك ليس انفعالا بل لأني إذا جئت أناقش الرجل في أطروحاته والجدليات الفكرية العالقة في حقول الثقافة والمعرفة أجد السيدهاني الأقرب في تفكيكها وتحليلها وعلاجها ولاشك أن ما وراء ذلك هو العقل والمعرفة والتميز والإبداع بعيدا عن التسطيح والأحكام الجاهزة والمسبقة.
سيدهاني أتمنى أن تعيش بيننا علنا نخرج من شرنقة البيوت إلى حيث من يفهم ويتفهم مثل هذا الخطاب
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 1042 - الأربعاء 13 يوليو 2005م الموافق 06 جمادى الآخرة 1426هـ