تعقيبا على ما ورد في عمود السيد ضياء الموسوي المنشور في عدد "الوسط" رقم "1041"، الأربعاء 13 يوليو/ تموز ،2005 تحت عنوان "هل عقمت الأرحام أن تلد عباقرة وأكفاء؟" والمتعلق بموضوع البطالة، نورد التعليق الآتي: إننا نتفق تماما مع ما ذهب إليه كاتب المقال من القول بأن "التعميم مرفوض"، لكننا في الوقت ذاته نتمنى على الكاتب أن يتبنى هذا الشعار عمليا لا أن يستخدمه لمجرد تزويق الكلام وتجميله، وهو بكل أسف ما يلجأ إليه الكاتب من أسلوب عند انتقاداته المتكررة للوزارة والتي لا يرى وهو يبحث فيها - على ما يبدو لنا - أية إيجابيات تذكر في عمل الوزارة. فالوزارة في نظر الكاتب ما هي إلا كومة من عديمي الفائدة والنفع الذين يتوجهون للوزارة صباحا ويعودون لبيوتهم مع نهاية الدوام الرسمي، من دون أن يبذلوا أدنى جهد بين الحضور والانصراف، على رغم كون هؤلاء جميعهم من البحرينيين، والبحرينيين فقط، والذين تغنى الكاتب بهم في عموده ولكن فقط على الطرف الآخر. لذلك فإنه "لا يجب على الوزارة أن تعمم" في عرف الكاتب، وإنما يجوز له هو أن يعمم الاتهام للوزارة وموظفيها. فهلا انتهى كاتب المقال عن فعل ينهى عنه الآخرين!
أما الأمر الآخر والمهم جدا فهو أن الوزارة لا تتبنى التعميم كما أراد أن يظهره الكاتب، ولا ترى في التعميم سلوكا صحيحا، فلم تقل الوزارة أن جميع العاطلين مسيسون، وإنما قالت ولاتزال تكرر أن ملف البطالة ملف مسيس. ومع ذلك فإن الوزارة لا ترى مشكلة في الاستخدام السياسي لملف البطالة، إذ إن تسييس هذا الملف وغيره من الملفات هو أمر طبيعي في جميع الدول لاسيما تلك التي تتبنى الأنظمة الديمقراطية. بيد أن ما تؤمن به الوزارة من خلال ما تقف عليه من وقائع ومشاهدات يومية وأرقام وإحصاءات في سجلاتها هو أن هذا التسييس قد خرج من إطاره الطبيعي ليتجاوز حدود التسييس من أجل حل المشكلة ويدخل في حدود الاستغراق والمبالغة في التسييس، الذي أصبح بكل أسف سمة قائمة يدلل عليها عرض أكثر من 2400 وظيفة في الوزارة لا يتقدم لها أحد على رغم وجود العاطلين. قد يكون الرد المألوف الذي سيتبناه الكاتب هو "ما نوعية تلك الوظائف؟ وما مستوى أجورها؟" ونستبق هذا السؤال بالقول إن الأجور المعروضة كما أعلنت الوزارة في آخر قائمة أرسلتها لجميع الصحف المحلية التي لا تألو جهدا في نشر الانتقادات لأداء الوزارة في ملف البطالة سواء بالخبر أو المقال، في الوقت الذي لم تكلف نفسها عناء تحمل مسئوليتها المجتمعية بعرض قائمة تلك الوظائف على صفحاتها، ليراها العاطلون عن العمل ومن لا يرغب من الكتاب في زيارة مبنى الوزارة للاطلاع على قائمة تلك الوظائف.
ان تلك الوظائف ليست جميعها وظائف دنيا كما هو الزعم المتكرر، وليست جميعها وظائف مجهدة أو لا تتناسب مع مؤهلات العاطلين، وإنما تتفاوت بصورة طبيعية تبعا للتفاوت القائم في سوق الاقتصاد "أي سوق اقتصادي وليس السوق البحريني فقط". فالمؤسسة - أية مؤسسة كانت - لا يمكن أن تكون كلها مديرون ورؤساء وإنما تحتاج للفني والاختصاصي ورئيس القسم والفراش والمراسل والسائق والكاتب... وغير ذلك من الوظائف التي فقط بتنوعها يكون العمل والإنتاج. هذا التفاوت هو التفاوت الموجود في تلك القائمة التي راح البعض يعمل جاهدا على تحليلها في أرقام استخدمها في عمود هنا أو مقال هناك، ظنا منه أن هذا الاستخدام السلبي للرقم سيعزز أطروحاته السلبية. لقد احتوت تلك القائمة على وظائف فنية وتقنية وهندسية وإدارية وكتابية كما احتوت على وظائف من قبيل منظف أو عامل أو غير ذلك، فماذا عسى الوزارة أن توظف من اختار لنفسه التسرب من التعليم أو اكتفى بشهادة الثانوية العامة في وضع يتنامى فيه واقع سوق العمل وتخطو فيه الاقتصادات خطوات متسارعة نحو الأمام! وأنى للوزارة أن توجد لمتسرب من التعليم وظيفة بدوام واحد وعقد عمل مؤبد براتب لا يقل عن 350 دينارا؟!
لقد تسبب الاستغراق في تسييس ملف البطالة في ظهور الكثير من المزايدين على قضية البطالة من كتاب أو خطباء أو مثقفين أو غيرهم، ولسنا هنا نتهم كل من تحدث في البطالة بالمزايدة، وإنما نتحدث عن واقع منتشر بكل أسف. هذا الظهور لهذا الكم الكبير من المزايدين يتسبب في كل يوم في تنفير العاطل الفعلي الذي هو في أمس الحاجة، من فرص العمل المتاحة مرة بحجة ساعات الدوام وأخرى بظروف العمل وثالثة بالعمل في الجيش والأمن. لو تكبد الكاتب عناء الزيارة للوزارة قبيل كتابته للموضوع لأمكن اطلاعه على الأقل على نموذج واحد من بين عدة نماذج، وقع فيه ثمانية من العاطلين عن العمل من حملة الثانوية العامة عقود عمل مع واحدة من الشركات ذات السمعة المرموقة والكبيرة في البحرين برواتب تتراوح بين 200 و 300 دينار كراتب أساسي ترفعه العلاوات إلى 250 - 370 دينارا، غير أنهم جميعا لم يحضروا للعمل في التاريخ المحدد في العقد، فذو راتب المئتين يطالب بمئتين وخمسين كشرط للحضور للعمل، وذو الثلاثمئة يطالب بثلاثمئة وخمسين وهكذا... أفبعد كل ذلك يستطيع أحد أن ينكر واقع الاستغراق في التسييس؟! نموذج آخر لاثنين من العاطلين رشحتهما الوزارة لوظائف لا تقل رواتبها عن المئتي دينار، وهم من حملة الثانوية العامة ولم يحضرا المقابلة، وعند سؤالهما من قبل وزير العمل عن سبب عدم حضور المقابلة وهم يتبنون حسب ما هو ظاهر قضية العاطلين عن العمل والدعوة للاعتصامات والتظاهرات، كانت الإجابة بمنتهى الثقة "كنا مشاركين في الاعتصام أمام الديوان الملكي"! وغير ذلك من النماذج الكثيرة.
الكاتب طرح بعض ما أسماه حقوق العاطلين كان من بينها "من حقه أن يحلم بوظيفة حكومية..."! ونتساءل هنا: كم يستطيع القطاع العام أن يستوعب من العاطلين سنويا؟ وفي أي مستوى أكاديمي أو مهني؟ وهل سيظل الباقون يعيشون هذا "الحلم"؟ ومن يتحمل تبعات هذا الانتظار؟ أليس اقتصاد البلد في حاجة لتلك السواعد للبناء والتعمير؟ ألن تتسبب تلك الحال في إقبال الأجنبي على العمل الذي هجره المواطن، وفي انجذاب صاحب العمل للأجنبي لأنه بطبيعة الحال لا يمكن أن يوقف أعماله ويغلق منشآته مصنعا كانت أو مكتبا أو غير ذلك لأن البحريني يحلم بوظيفة في الحكومة ولا يريد العمل في القطاع الخاص.
إننا ندعو الجميع لاسيما المثقفين وكتاب المقالات والأعمدة لأن يكونوا واقعيين في طرحهم وأن يبتعدوا عن دغدغة المشاعر والعواطف بكلمات وشعارات غير واقعية، وأن يسهموا بشكل جدي في توجيه العاطلين وإرشادهم بدل تنفيرهم من العمل في القطاع الخاص الذي على رغم كل ما يحاول البعض أن يلصق به من صفات السوء إلا أن الواقع يثبت أن فيه عشرات الآلاف من البحرينيين مازالوا يعملون منذ سنين وقد حققوا مراتب متقدمة بعد أن دخلوا تلك السوق في وظائف بسيطة أو متوسطة، غير أن الجد والاجتهاد هو ما أوصلهم لما هم فيه فأصبحت تلك المؤسسات لا تستغني عن وجودهم فيها.
إن الوزارة لا تزعم أن سوق العمل مثالية وأن لا خلل فيها أو في ظروف العمل، لذلك فإنها تعول بشكل كبير على الحملات التفتيشية والأعمال الرقابية التي يقوم بها مختصون في الوزارة، وتسعى إلى تطبيق قانون العمل في القطاع الأهلي بكل ما أوتيت من أدوات قانونية، ولم تستثن في ذلك التطبيق من أحد. إلا أننا في الوقت نفسه نشهد من خلال ما نعايشه من واقع يومي أن القول بأن جميع الشركات غير ملتزمة بتوفير ظروف عمل سليمة أو صحية قول غير دقيق ولا يمت للواقع بصلة. فإذا كان العاطل ينفر من تلك الشركات ذات الظروف السيئة، فلماذا ينفر من الشركات الأخرى؟
وختاما، تجدد الوزارة دعوتها إلى جميع العاطلين عن العمل الراغبين فعلا في العمل لمراجعة الوزارة والاستفادة مما تعرضه من وظائف أو برامج تدريب ليبدأوا العمل تحقيقا للعيش الكريم والكسب الحلال. كما تجدد دعوتها للكتاب والصحافيين والمثقفين وخطباء المنابر والجمعة والجماعة لتبني العمل الإيجابي في توجيه وإرشاد العاطلين بدل الشحن السياسي الذي لن يفضي في جميع الأحوال إلى نتائج محمودة. ونسأل المولى العلي القدير أن يوفقنا لما فيه خير هذا البلد الكريم وأهله الكرام
إقرأ أيضا لـ "وزارة العمل"العدد 1042 - الأربعاء 13 يوليو 2005م الموافق 06 جمادى الآخرة 1426هـ