يحفل المشهد السوداني هذه الأيام بالكثير من الصور النادرة التي لم ترد بمخيلة البعض على الأقل طيلة ربع قرن من "انتظار ولادة طفل إفريقيا الجديد"، إذ إنه وبعد "مخاض عسير" من مفاوضات إنهاء الحرب الأهلية في الجنوب - توقع البعض خلاله "موت الجنين"، إلا أن "القابلة" كينيا سعت لحدوث العكس - أنجبت القارة الإفريقية "مولودة" أسمتها "السودان الجديد". فبعد أن وطأت قدما زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان جون قرنق أرض الخرطوم ونصب نائبا أول للرئيس عمر البشير، كما تم التوقيع على الدستور الانتقالي وبدأت المشاورات لتشكيل حكومة "الوحدة الوطنية"، دخل البلد حقبة السلام.
وإذا كانت مرحلة السلام والمصالحة الوطنية حانت، وظهر شعار "السودان الجديد" ليشكل عزاء للسودان وأبنائه عن سنوات طويلة من المعاناة، ولنا نحن العرب معهم في ظل واقع مشحون بالأزمات التي باتت مزمنة، فإن ثمة تحديات تتعدى المشاهد الاحتفالية التي عاشتها الخرطوم خلال الأيام الماضية.
والتحدي الأول أمام القيادات القديمة في "السودان الجديد" هي أن تثبت قدرتها على تطبيق معنى السلام على أرض الواقع، كما سبق وأثبتت قدرتها على خوض أبشع الحروب. وثمة تحد واختبار آخر يتمثل في إثبات قدرتها على التعامل مع قوى المعارضة السودانية الأخرى التي يسكنها هاجس استبعادها. ما نتمناه فعلا أن يكون "السودان الجديد" استجابة لحاجة داخلية وليس نتيجة لضغوط أميركية،لأن مختلف الشواهد تدل على أن الانصياع لرغبات الدول الكبرى هو الخطوة الأولى على طريق الندامة. كما أننا لا نريد أن نحكي لأطفالنا قصة السودان بدل قصة "الملك والرداء الخفي".
ففي القصة أن أحد المحتالين ذهب إلى ملك ما، وأقنعه أن يصنع له رداء لا مثيل له في الجمال والفخامة، لدرجة انه لا يرى بالعين المجردة للأغبياء. صدق الملك هذه الحيلة. ويا له "من يوم عظيم"، إذ ألبس المحتال الملك "رداء الوهم" وخرج الأخير في موكب مهيب ليري الناس "ثوبه الجديد". فلنكتفي بهذا فجميعكم يعرف "نهاية الرداء الجديد"
إقرأ أيضا لـ "ايمان عباس"العدد 1041 - الثلثاء 12 يوليو 2005م الموافق 05 جمادى الآخرة 1426هـ