مازال البحث في الأسباب التي تدفع بعض القوى السياسية للتفاعل ولعدم التفاعل مع المشروع الإصلاحي الذي تم تدشينه بعد تصويت شعب البحرين على ميثاق العمل الوطني مهما، وذلك للوقوف على أوجه الخلل وتحديد أبرز الإشكالات التي يواجهها النظام السياسي البحريني وهو يمر بمرحلة مهمة من مراحل التحول الديمقراطي.
من خلال رصد وتحليل تفاعلات النظام السياسي طوال الفترة اللاحقة لفبراير/ شباط 2001 يمكن الانتباه إلى وجود ثلاثة أشكال من الصورة النمطية للمشروع الإصلاحي لدى القوى السياسية المختلفة:
الشكل الأول: عبارة عن قوى سياسية كانت لها طموحات تاريخية كبيرة ومازالت، وهي قائمة على فكر مازال له حضوره في الفكر السياسي المعاصر، كما أنها قدمت الكثير من أجل أن ترى طموحاتها على أرض الواقع، وعندما حانت فرصة الإصلاح في البلاد علقت آمالا كبيرة على إمكان تحقيق طموحاتها الخاصة من خلال هذا المشروع، ولكنها للأسف لم تنل منه ما تريد. فأصبحت تحاول التحرك في ضوء الحريات المتاحة للتنظيم والتعبير عن الرأي بهدف تحقيق أكبر قدر ممكن من مطالبها الخاصة. ومن أبرز ما يميز هذه القوى أنها تحاول فرض أجندتها السياسية وفق معايير إقصائية صرفة بعد أن رفضت المشاركة في مخرجات النظام السياسي بعد التحول التاريخي الذي طرأ في العام 2001 لأسباب متعددة، ولكن معظمها يتعلق بأن هذه المخرجات تحول دون تحقيق أية طموحات تاريخية ومستقبلية. من نماذج هذه القوى السياسية كل من جمعية الوفاق الوطني الإسلامية وجمعية العمل الإسلامية.
الشكل الثاني: عبارة عن قوى سياسية تتجانس مع الشكل السابق في وجود طموحات تاريخية وتضحيات كبيرة، إلا أنها تختلف معها في أن الفكر الذي كانت تتبناه أصبح اليوم ضمن الفكر السياسي القديم، وهو غير صالح البتة للأوضاع الراهنة سواء في البلاد أو خارجها. ولذلك واجهت هذه القوى صعوبات في استيعاب المشروع الإصلاحي البحريني بآلياتها وتكتيكاتها القديمة، ودفعتها هذه الظروف إلى تبني تحالفات مؤقتة مع القوى السياسية من الشكل الأول لتخسر الكثير في ضوء الفرص المتاحة ضمن المشروع الإصلاحي. وهذه القوى لم تتمكن حتى الآن من فرض أجندتها السياسية على تفاعلات النظام لأنها بحاجة إلى إعادة بلورة. ومن أمثلة هذا الشكل من القوى جمعية العمل الوطني الديمقراطي، والتجمع القومي الديمقراطي.
الشكل الثالث: عبارة عن مجموعة من القوى متفاوتة الحضور، بعضها له امتدادات وطموحات تاريخية، والآخر له مشروعات مستقبلية، والبعض ظهر كنتاج للمشروع الإصلاحي نفسه. وما يميز هذه القوى أن لديها رؤية للاستفادة من عملية الإصلاح السياسي والاقتصادي التي يشهدها النظام، وإن كانت هذه الرؤية أحيانا مؤقتة ومرتبطة بظروف معينة. ولكن بشكل عام هذا النوع من القوى السياسية هو أكبر الفاعلين السياسيين استفادة من تفاعلات النظام، وأبرز أوجه الاستفادة تراكم الخبرات السياسية والتنظيمية بخلاف تلك القوى في الشكلين السابقين لأن خبراتها المتراكمة ستستمر امتدادا للعمل التنظيمي الذي اتسمت به طوال الفترة التاريخية الماضية لنشأتها. ومن أمثلة هذه القوى جمعية المنبر التقدمي الديمقراطي، وجمعية المنبر الوطني الإسلامي.
خلاصة القول، في النهاية: إن المشروع الإصلاحي كما جاء في ميثاق العمل الوطني ودستور مملكة البحرين أصبح وسيلة لدى بعض القوى السياسية لتحقيق "مشروعات إصلاحية" أخرى قائمة على تحقيق أجندة ذاتية، أو مصالح فئوية أصبحت واضحة أكثر من أي وقت مضى. وهذا ما يتطلب تفعيل أدوار مقابلة للقوى السياسية الأخرى بهدف دعم المشروع الإصلاحي الذي أطلقه جلالة الملك نفسه
العدد 1041 - الثلثاء 12 يوليو 2005م الموافق 05 جمادى الآخرة 1426هـ