العدد 1041 - الثلثاء 12 يوليو 2005م الموافق 05 جمادى الآخرة 1426هـ

ألمانيا تعيد نقاشاتها الداخلية بعد تفجيرات لندن

ليس هناك شيء اسمه أمن 100%

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

بعد وقوع هجوم 11 سبتمبر/ أيلول 2001 على الولايات المتحدة، تساءل المعلقون في ألمانيا عما إذا هناك احتمال وقوع هجوم مشابه على ألمانيا. وتكرر هذا الطرح بعد تفجيرات مدريد في مارس/ آذار من العام الماضي. والآن، بعد تفجيرات لندن تجري في ألمانيا مناقشات جديدة يلعب فيها من يوصفون بخبراء الشرق الأوسط والإسلام والسياسات الأمنية دورا بارزا في نشر رسالة إلى الرأي العام الألماني مفادها: "حذار من المسلمين"!

وكانت خطوة مهمة قام بها المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا الذي ينضوي تحت مظلته أكثر من 17 اتحادا وتنظيما إسلاميا، ويرأسه الطبيب الألماني من أصل سعودي نديم عطا إلياس بإصدار بيان يدين تفجيرات لندن وهكذا كانت كلمة مسلمي ألمانيا واضحة وسريعة. لكن كالعادة لم تكن هذه الخطوة كافية بالنسبة إلى وسائل الإعلام التي لا تستطيع إخفاء معاداتها للعرب والمسلمين، وفتحت صفحاتها على الملأ للذين اعتاد المرء منهم الإدلاء بآراء تسيء لسمعة الإسلام والمسلمين. كما كانت هذه الوسائل الإعلامية الواسعة الانتشار وسيلة سهلة للاستخبارات الإسرائيلية التي استغلت تفجيرات لندن لممارسة هوايتها المفضلة في الترويج لمعلومات مغرضة لتبرير جرائم "إسرائيل" ضد الفلسطينيين ومواصلة تبرير احتلال العراق. فقد اتهم خبير النزاعات الألماني، شنيكر، في مقابلة نشرتها صحيفة "تاجيس تسايتونغ" الصادرة في برلين من يسمون بخبراء الشرق الأوسط والإسلام بصب الزيت على النار، وخلق أجواء التوتر والتسبب في اتساع الهوة بين المواطنين الألمان والعرب والمسلمين من خلال تهويل الأمور. لكن هذا لا يقتصر فقط على من يوصفون بالخبراء والمستشرقين في مقدمتهم بيتر شول لاتور الذي تلقى تعاليمه عن الإسلام على يد مسيحي ماروني في لبنان. كما اعتاد المرء في ألمانيا على صدور تصريحات قوية على لسان وزير الداخلية أوتو شيلي، الملقب بـ "الشريف الأسود"، الذي قال بعد تفجيرات لندن: "ينبغي الآن على الجالية المسلمة في ألمانيا عزل الإسلاميين المتطرفين".

وكان التقرير السنوي لحماية الدستور الذي قدمه شيلي للصحافة قبل شهرين قد ذكر أن في ألمانيا ما يزيد عن 30 ألف إسلامي متطرف، لكن التقرير أكد في الوقت نفسه أن غالبية المسلمين في هذا البلد يحترمون القانون الأساسي "الدستور" والقوانين الألمانية.

ووفقا لتقارير نشرتها الصحف الألمانية أصيب أربعة ألمان بجروح في تفجيرات لندن، العاصمة الأوروبية المحبوبة جدا بالنسبة إلى السياح الألمان. غير أن توقيت التفجيرات ساعد في انفجار مناقشات جديدة بشأن الإسلاميين في ألمانيا، ونشر مخاوف من أن تكون مدن ألمانية كبيرة مثل برلين أو فرانكفورت على قائمة الذين يقفون وراء تفجيرات لندن. كاي هيرشمان وأود أولفكوته ورولف توبهوفن إضافة إلى بيتر شول لاتور من الذين تصفهم وسائل الإعلام الألمان بخبراء الأمن والإرهاب والشرق الأوسط على رغم أن غالبية ما يشيعونه لا يختلف عما تكون قد ذكرته الصحف المحلية. كما أنهم يستقون الكثير من معلوماتهم من مصادر إسرائيلية.

ولأن الإرهاب أصبح بضاعة رائجة بعد هجوم 11 سبتمبر، فقد أنشأ توبهوفن مؤسسة بحوث الإرهاب بالتعاون مع هيرشمان، الذي أبلغ صحيفة "نويي بريسه" الصادرة في مدينة هانوفر: "أنا متأكد أنه لو توافرت للمعتدين فرصة لقاموا باعتداءات مماثلة في فرانكفورت أو برلين لأن ألمانيا بلد عدو للإرهابيين الإسلاميين. وبالنسبة إلى بعض المعلقين في ألمانيا فإن امتناع المستشار شرودر عن المشاركة في حرب العراق وتحديه الرئيس الأميركي بوش حين حذره من عواقب غزو العراق، ساعد باعتقاد المعلقين هنا في عدم وقوع تفجيرات في الأراضي الألمانية حتى اليوم".

لكن القائمين على الأمن يؤكدون أن الإجراءات الاحترازية التي قامت بها ألمانيا بعد هجوم 11 سبتمبر وشددتها بعد تفجيرات مدريد هي التي حالت دون وقوع مثل هذه العمليات، وتم تعطيل محاولات أبرزها اعتقال مجموعة من العراقيين كانوا بصدد اغتيال رئيس الوزراء العراقي السابق إياد علاوي حين زيارته برلين في ديسمبر/ كانون الأول الماضي.

وقبل ذلك، بدأت في دوسلدورف محاكمة مجموعة من الأشخاص ينتمون لتنظيم "التوحيد"، كانوا يخططون للقيام بأعمال تفجير ضد أهداف إسرائيلية ويهودية وأميركية وبريطانية في ألمانيا. كما اعتقلت أجهزة الأمن الألمانية قبل وقت قصير عددا من العراقيين في مختلف المناطق الألمانية كانوا بصدد تجنيد شبان عرب للسفر إلى العراق والمشاركة في محاربة الأميركيين.

أما أود أولفكوته فقد أبلغ الصحيفة المذكورة أنه واثق من أن تفجيرات لندن لن تكون الأخيرة في أوروبا، وأن الإسلاميين يخططون لاعتداءات جديدة داخل أوروبا وإذا أمكن لهم داخل الولايات المتحدة أيضا. وقال أولفكوته: "من السذاجة لو ظننا أن الإسلاميين يعطفون على ألمانيا، فهناك مبررات كافية ليضعوها في قائمة البلدان التي يستهدفونها. فألمانيا تشارك في الحرب المناهضة للإرهاب المستمرة في أفغانستان وحيث تعمل قوة عسكرية خاصة تحمل اسم KSK في تعقب فلول "الطالبان" و"القاعدة" في المناطق الحدودية بين أفغانستان وباكستان، إلى جانب قوات خاصة تابعة لبريطانيا والولايات المتحدة، كما يعمل الجنود الألمان الذين يشكلون أكبر قوة عسكرية أجنبية في الهندكوش في مكافحة زراعة وتجارة الأفيون".

وعلى صعيد العراق، على رغم معارضتها غزو هذا البلد، فإنها تدرب وحدات أمنية وعسكرية عراقية في دولة الإمارات العربية المتحدة. كما انطلقت طائرات حربية أميركية من ألمانيا للمشاركة في غزو العراق. ويشير أولفكوته إلى أن أسامة بن لادن ضم اسم ألمانيا إلى جانب أسماء البلدان الأخرى التي وجه لها تهديدات في رسالته الأخيرة. وأوضح أولفكوته: "قد لا يتم تنفيذ هذه التهديدات على وجه السرعة ولكن مجرد ذكر اسم البلد يكشف أنه في مرصد الإسلاميين. وفقا لبياناته إن في ألمانيا 150 متطرفا من الذين يوصفون بالخطرين، وأن بوسعهم في أي وقت القيام باعتداءات كالتي هزت لندن".

وعبرت صحيفة "بيلد" الشعبية الواسعة الانتشار عن مخاوف المواطنين الألمان من احتمال تعرض ألمانيا في القريب لاعتداءات مماثلة على رغم تطمينات وزير الداخلية الاتحادي بأنه على رغم التوتر الذي يسود أوروبا بعد تفجيرات لندن ليس هناك ما يشير إلى احتمال وقوع اعتداءات في ألمانيا. وكانت السلطات الألمانية بعد تفجيرات مدريد قد عاينت أطر السلامة الخاصة بالمواصلات العامة وخصوصا القطارات، كما تم تشديد الرقابة في المطارات لكن هناك مبدأ كان يردده الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات: ليس هناك شيء اسمه أمن 100 في المئة. في ألمانيا وحدها يستخدم 27 مليون شخص المواصلات العامة مثل القطار والحافلات.

المخاوف الألمانية في محلها مع قرب موعد مناسبتين مهمتين، الأولى "يوم شباب العالم" في مدينة كولونيا خلال شهر أغسطس/ آب المقبل، الذي سيتوجه للقاء البابا بنيديكت السادس عشر بالشباب الكاثوليكي لتبادل الآراء معهم بشأن موضوعات الساعة، والثاني استضافة ألمانيا بطولة كأس العالم لكرة القدم في صيف العام المقبل. وتحتل مسألة الأمن البند الأول فيما يتعلق بهاتين المناسبتين.

وقال وزير الداخلية الألماني: "دلت تفجيرات لندن على الخطأ الذي وقع فيه أولئك الأشخاص الذين اعتقدوا بعد مرور عام على تفجيرات مدريد أن الخطر قد زال". إلى جانب هاتين المناسبتين قرب موعد الانتخابات العامة المبكرة في ألمانيا والمحتمل أن تجري بتاريخ 18 سبتمبر المقبل، غير أن الخبراء لا يعتقدون أن تفجيرات لندن ستؤثر على الحملة الانتخابية في ألمانيا. وقال مدير مؤسسة "إمنيد" المختصة باستطلاع الرأي، كلاوس بيتر شوبنر أن مدينة لندن بعيدة بحيث لا يمكن للحوادث التي حصلت فيها أن تؤثر على المواقف السياسية. لكن زميله مدير مؤسسة "فورسا" مانفريد غولنر حذر السياسيين الألمان من استخدام تفجيرات لندن كورقة في الحملة الانتخابية، وقال إن المواطنين يتوقعون اتفاق كل الأحزاب على موقف مناهض واضح في مواجهة الإرهابيين. وكان الاتحاد المسيحي المعارض الذي ترجحه عمليات استطلاع الرأي لاستعادة السلطة قد طلب من حكومة الائتلاف الاشتراكي الأخضر العمل على سد الثغرات الأمنية وتشديد الإجراءات الاحترازية في خطوة كشفت عن عزم المحافظين استخدام تفجيرات لندن ورقة انتخابية. وأبلغ بيتر شول لاتور مجلة "فوكوس" أنه يتعين على أوروبا ترقب ضربات جديدة لأنها أقرب وأسهل للإرهابيين من الولايات المتحدة، كما ان فيها جالية مسلمة كبيرة يحتمي المتطرفون في كنفها. وطالب لاتور الحكومات الأوروبية بالاتفاق على برنامج دفاعي مشترك لمواجهة اعتداءات بأسلحة كيماوية وجرثومية.

وذكر تقرير عاجل عن مؤسسة السياسة الدولية لمكافحة الإرهاب ICT التي يقع مقرها في هرتزليا وغالبية العاملين فيها كانوا قد شغلوا مناصب في المخابرات الإسرائيلية "موساد" أنه من المحتمل أن يكون ثلاثة من مؤيدي أبوحمزة المصري المشرف على جامع فلينسبوري بارك قد وزعوا أنفسهم على ثلاثة قطارات وقعت في التفجيرات. لكن هذه رواية من الروايات التي لا تتوقف هذه الأيام وتزيد حياة المسلمين في أوروبا هما وغما

العدد 1041 - الثلثاء 12 يوليو 2005م الموافق 05 جمادى الآخرة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً