عندما تزدحم الأجندة السياسية لمجتمع ما بالكثير من الملفات، يعمد الخطاب السياسي إلى اللعب بالأوراق المحرمة، إلا أن ثمة سقوفا عليا لمثل هذه الألاعيب، إذ تبقى الأوراق ثابتة في دائرتها الوطنية، وهي لا تتخالف إلا في تداخلها لذات الدائرة. والإعلام في خضم هذا التزاحم السياسي هو الجهاز الحامل والمنظم لمجمل هذه التفاعلات.
الإعلام لا يدخل في السياسة إلا ناقلا، فهو سلطة رمزية لا تخضع لحسابات الوصول للسلطة ومركز القرار. والإعلامي قد يكون سياسيا في خضم تزاحم أوراقه، لكنه ما إن يفقد الإدراك أو القدرة على معرفة ساعة الصفر في رجوعه لمركزه القار "الإعلام" فإنه ببساطة رجل "سياسة"، لا رجل إعلام أو صحافة.
إشكالية الدائرة الوطنية تتصف بالتعقيد، ولأنها كذلك، كانت فيزيائيات التفكيك لدى "آينشتاين" والذي من المفترض أن يكون أحد محللي النظم الإعلامية في هذه الدائرة أشبه بتدخل سياسي مصاب بلوثة الترويج الإعلامي لأفكار كانت ومازالت سبة تاريخية لكل عربي آمن بها.
فضاءات الغريب
الغريب، هو أن تتمادى بالغريب مفردات التطفل في ما لا يعنيه، حتى يصف المجتمع الذي حمل/ تحمل حماقاته التاريخية، بأنه مجتمع "مريض" بالطائفية والتوحش والولاء للخارج، لم يكن توصيفه "اللا أدبي" مقتصرا على الزعم بمعرفة الحقائق النهائية بأبناء مجتمعنا، بل كان متماديا في توصيف "ملابسهم" بأنه كائنات خارجية متطفلة. إن أشرس الأدبيات اليهودية لم تذهب الى وصف "ملابس" الفلسطينين كما وصف العبقري "آينشتاين" ملابس أبناء هذا الوطن.
حين تختزل مجمل الصراعات الوطنية لمجتمع له تاريخ موغل بالتفاعلات الوطنية في أنه مرهون بولاءات الخارج في طهران أو غيرها، فإنه لا يمكننا، إلا أن نضيف هذه "الحماقة" إلى سلسلة حماقات التوحد الطبقي الذي نما حديثا ليكون ليبرالية جديدة، هذه الليبرالية المستترة بالتنوير، نعرفها جيدا من أساتذتها، ولا نعلق عليها سوى بأنها مدعاة للشماتة أكثر منها للرد أو الاهتمام.
مبدعنا "إينشتاين" قضى عمره في الشقيقة الكبرى "السعودية" وهو يوزع منشورات الدعوة لاتباع تاريخه الموغل في التخلف والخيالية المريضة بالشك والزعم الساذج، كان رائد توزيع منشورات الدعوة للشيوعية الروسية في أرض الحرمين، في مشهد قد يكون حسب تسلسل لوغاريثمات آينشتاين نفسه معبرا عن "ولائي لماركس" ورفاقه الأشاوس، على وزن تهمه المجانية لأبناء الوطن الذي تبناه بأنهم مصابون بوهم "ولائي للخمنائي".
لا يمكن لنا القبول بخطاب يتصف بأكثر الحالات المرضية خطورة على المجتمع، خصوصا إذا ما كان هذا الخطاب بالدرجة الأولى "إعلاميا"، فتهميش هذا التجاوز الإعلامي قد يأتي بعواقب سياسية كبرى، وبهذا تكون الصحافة "لصة على السياسة"، او مصنعا ملفقا، ينتج سلعات سياسية ملوثة.
هذه الحال يمكن ان نصفها بأنها ذلك الخلط والتلفيق "الساذج" بين المكونات الرئيسية لأي مجتمع من المجتمعات، لتشكيل نتائج كارثية، أبسط ما قد تأتي به هو تقويض وهدم وتقويض أهم بنى المجتمع المدني لمجتمع بالكاد قد بدأ التحول نحو المدنية والتحديث.
هوس التنوير
كنا قد ذهبنا في سلسلة نقدنا لليبرالية الجديدة في الخليج إلى تقويض تلك الدعاوى التنويرية "الهشة"، بما يعطي اكتفاء ذاتيا بإقفال هذا الملف المتسخ بالمال والرشا والتملق للسلطة، إلا أن التسلق/ التشدق المريض عبر مصطلحات ومفاهيم الليبرالية والتمدين والتحديث والتنوير قد وصل حد "التخمة" لدى البعض، فلم تعد تلك المفردات المستهلكة فاقدة لمعانيها ودلالاتها الحقيقية فقط، بل أصبحت "سلعة" الغرباء، يتغنون بها ويتمادون في خلخلة أكبر حقائق الإنسان "حبه وولاؤه لأرضه".
عندما تكون دعوات التنوير والتحديث منساقة أمام اختزال سياسي شعاراتي بليد، مرتبط بمصالح الطبقة المريضة من الإعلاميين الهرمين والساسة محروقي الأوراق، تصبح هذه المفاهيم ذاتها أداة التخلف والرجعية والمشي للوراء المظلم.
مجمل مطارق "آينشتاين" الهرمة في فيزياء أوهامه، هي بمثابة تقديمه الشكر لأبناء هذا الوطن، وذلك عبر دروسه المجانية في تعليم أبناء هذا الوطن معنى "الوطنية" الحقة؟ ودروسه الوطنية عبارة عن اتهامات "برجوازية" يطلقها توصيفا المساكين الذين وقعوا ضحية الإعلام بتكتيكاته "المدبرة" كما يذهب الفرنسي بيير بورديو.
لا تكتفي صحافتنا في الخليج بأن تحيد عن موقعها الصحيح، وهو أن تكون بنت الشارع، بل هي تتمادى الى توريط المجتمع، فتتحول حماقات بعض الصحافيين، وقلة وعيهم بحرفة العمل الصحافي ليتحولوا من أداة ضبط ورقابة اجتماعية، إلى أدوات تفعيل للصراع المجتمعي في صورة لا تحتمل كثيرا من التأويل، لنصفها ببساطة بأنها "هلوسات ساسة فاشلين".
شهادة على العصر
في شهادة "آينشتاين" على بطولاته الخرافية في روايته التاريخية - على ما يعتقد - سطر أوهام ضحالته المعرفية والفكرية والسياسية، فكان يعتقد أن ترهلات الحزب الشيوعي في السعودية كانت بطولات تستحق أن تقرأ، أو أن يهتم بها الناس.
ساقت امتدادات الوهم بالبطولة "آينشتاين" إلى استكمال مسيرته البطولية عبر تجريده أبناء هذه الأرض من وطنيتهم وولائهم لها، فكانت المراهنات الجديدة لبطولاته تقتضي أن يمارس هذا الدور الهزلي المفضوح. كانت لوغارثمات فيزيائياته توزع تحت أبواب منازل نجد. واليوم توزع في صناديق الصحف اعلى الأبواب. مازالت معادلات أينشتاين جاثمة عند الباب لكنها لا تعرف الدخول!
الحقيقة أن الرجل لا يستطيع أن ينفك عن ماضيه، على رغم التصاقه بمن يطلقون على أنفسهم "ليبراليين جدد". إلا أن خزعبلات قلمه المهووس بالتنقيط، مازالت مشاءة نحو التصلد والتكلس، بما يحيل الى ضرورة استحمامه في سائل حمضي قوي. قبل شهر أو يزيد شن "آينشتاين" هجومه على سعاد الصباح، ثم على الغنوشي، وأيامنا البائسة جرته إلى اعتبار المجتمع الذي يحتمي به "مجموعة من الحمقى الطائفيين".
الغريب، أن الغريب دائما ما يهاجم الأشياء الجميلة، ويدعي أنه "رجل تنويري"، والحقيقة أن الخفافيش لا ترى الجمال، فأبناء هذه الأرض والشاعرة الكويية سعاد الصباح ورجل الإصلاح الديني التونسي الغنوشي كلهم تمثلات للجمال والعذوبة، إلا أن "اينشتاين/ الخفاش" لا يرى إلا وهم تنويريته المختزلة بالأوهام، وطهرنته للألوان والأشياء والإنسان! أما نتائج هذه الصعلكة الإعلامية فهي لا تزيد على أدبيات مدرسه الأول "ماركس" حين قال "إن طريق الجنة تنتشر على جانبيه الكثير من الجثث!"
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1041 - الثلثاء 12 يوليو 2005م الموافق 05 جمادى الآخرة 1426هـ