بعد نحو عام ونصف العام من بدء النشاط الرياضي في "حلبة البحرين الدولية" التي احتضنت سباق الفورمولا 1 للسيارات، بدأت أخيرا العجلة الاقتصادية بالتحرك. فبالإضافة إلى جائزة البحرين الكبرى "الفورمولا 1" فإن الحلبة بدأت تفتح أبوابها لمعارض مختلفة طوال العام، بما في ذلك مركز لشركة "بي. إم. دبليو" للتأدية المتقدمة، وسباق السرعة العالمي الذي سيعقده الاتحاد الدولي للسيارات في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، وأيضا بطولة البحرين للسيارات في أكتوبر المقبل والجولة الأخيرة لبطولة "جي. تي" في نوفمبر / تشرين الثاني المقبل، ونهائي بطولة فورمولا بي. إم. دبليو في ديسمبر / كانون الأول المقبل.
ولعل المشروع الاقتصادي الأهم هو عزم شركة المانية لصناعة السيارات الرياضية واسمها RUF Automobile على إقامة مصنع بالقرب من حلبة البحرين الدولية لصناعة سيارات سباق رياضية تصل قيمة الواحدة منها إلى أكثر من 30 ألف دينار. وهذا المصنع سيبدأ برأس مال قدره 50 مليون دولار، وهو أول مصنع من نوعه خارج ألمانيا التي تأسست فيها الشركة في نهاية الثلاثينات من القرن الماضي، والتي بدأت في تطوير سيارات "البورش" في سبعينات القرن الماضي قبل أن تبدأ بتصنيع سياراتها الخاصة بها في ثمانينات القرن الماضي. المصنع سيحتاج تشييده إلى نحو سنتين، وربما بعد ثلاث أو أربع سنوات تبدأ البحرين بتصدير سيارات سباق متطورة، ألمانية التصميم والهندسة، بحرينية التجميع والإنتاج.
على أن اقتصاد "الفورمولا 1" بإمكانه أن يتطور أكثر أيضا. فالجانب السياحي، من فنادق ومطاعم ومحلات ومتاحف وغيرها، بالإمكان أن يتوسع وخصوصا مع اقرار مجلس الوزراء أمس الأول طرح مشروع بقانون لتشكيل "مجلس البحرين للتنمية والسياحة" و"مجلس الثقافة والتراث الوطني" بعد فصلهما عن وزارة الإعلام. وهذان القطاعان سيستفيدان كثيرا من تطوير الاقتصاد المرتبط بسباق "الفورمولا 1"، لأنهما يحتاجان إلى السياح الرياضيين والمهتمين بالثقافة والتراث.
اقتصاد "الفورمولا 1" يستطيع ايضا إنقاذ قطاع الثقافة والتراث لاننا نمتلك أهم المواقع الأثرية، ولكننا لم نستطع لحد الآن تسجيل أي من هذه المواقع لدى اليونيسكو، هذا على رغم أن سلطنة عمان، مثلا استطاعت تسجيل أربعة مواقع لدى اليونيسكو، أهمها قلعة وقرية "بهلاء" القريبة من منطقة "نزوة"، وهي منطقة تعود إلى ما قبل الإسلام أيام الدولة الساسانية. ونحن نستطيع أن نطور القرية المحاذية لـ "قلعة البحرين" فيما لو تحقق تسجيل القلعة قريبا، ونجهد للمحافظة على "معبد باربار" و"مستوطنة سار" و"موقع الحجر الدلموني" وعين "أم السجور" وما تبقى من المدافن والقبور الدلمونية والتايلوسية، وغيرها من المواقع الأثرية التي يتم دثرها حاليا تحت حجج واهية.
اقتصاد "الفورمولا 1" يمكن أن يعيد إحياء المساحات البيئية في البحرين، وهي مساحات تم إغلاقها على الناس ومنعهم من الوصول إليها. فهناك فرصة لتطوير السياحة البيئية في البحرين، كما اقترح اليابانيون "قبل عدة سنوات" على الحكومة تحويل موقع "شجرة الحياة" إلى حديقة عامة مملوءة بمحميات تعبر عن البيئة البحرينية على غرار حدائق "البوتانيك" المنتشرة في مناطق العالم. ومثل هذا المشروع بإمكانه أن يستبدل مخلفات السيارات والبيوت الخشبية المبعثرة التي بدأت تشوه المنطقة المحيطة بـ "شجرة الحياة" والقريبة من حلبة سباق "الفورمولا 1".
البحرينيون بحاجة إلى رؤية واضحة لكل هذه الجوانب الحيوية، والنجاح الذي تحقق مع إنشاء "الفورمولا 1" يجب أن يستمر ليتوسع إلى كل مناطق البحرين الأخرى التي بدأت تفقد قيمتها التراثية والثقافية والاقتصادية بسبب فسح المجال لبعض الناس أن يحرموا البحرين من سواحلها وجمال طبيعتها
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1040 - الإثنين 11 يوليو 2005م الموافق 04 جمادى الآخرة 1426هـ