العدد 1040 - الإثنين 11 يوليو 2005م الموافق 04 جمادى الآخرة 1426هـ

الفضاء الإنترنتي... متخيل ايديولوجي جديد

المنامة - عادل مرزوق 

تحديث: 12 مايو 2017

"إذا كان الفضاء الإنترنتي مجرد أسلاك للهاتف، فكيف للبعض أن يحاول - جاهلا - مقاومة أسلاك إكترونية لا تعرف الانضباط ولا تحكمها أيديولوجيا ثابتة. الحقيقة... أن الأمر أكثر تعقيدا وغموضا".

لنا أن نعتبر الفضاء الإلكتروني متخيلا، لكنه متخيل خرج عن فرضية خدعة التخيل البدائية، فلم يعد متخيلا أو متصورا "واهما" لممارسة الحرية في التعبير والديمقراطية "L IMAGINAIRE" وهذا الخروج يتصف بأنه خروج حديث وجريء، لا يقيم أي اعتبار لتوصيف "جاك لا كان" الذاهب الى اعتبار "الأنا" خدعة ينخدع بها الطفل عند وقوفه أمام المرآة، اذ يكتشف ذاته واستقلاليته عن أمه والمحيطين به.

الحرية والديمقراطية

الإنسان العربي على الدوام كان مخياله في الحرية والديمقراطية - إن لم يكن في كل شيء - مخيالا جمعيا، وتعتبر مدرسة فرانكفورت الفلسفية هذا النوع من المخيال الجمعي أساس التضامن في المجتمعات البدائية، هو متخيل يتصف عادة بالرتابة والآلية. وهذا ما كان سببا رئيسيا في تصيير المنتديات الإلكترونية ومجتمعاتها الافتراضية الى صورة من اللاتفريق بين القواعد الأخلاقية والالتزامات الاجتماعية، فالمنتديات الإلكترونية صحافة وغرفا للحوار ومنتديات عامة تخرق أكثر القواعد التي تدعو لها وتدافع عنها.

لكننا اليوم، لا نستطيع أن نشتغل مع هذا الفضاء الإلكتروني بوصفه متخيلا بعيدا عن القيم الفردية كما يصف "دوركهايمر" المتخيل بوصفه "فردية متخيلة أو حالمة، تفتعل بالمحاكاة والمشابهة"، أصبح هذا الفضاء وجودا حقيقيا فاعلا، سواء صنفناه على أنه فاعل مستقل أو فاعل "مركزي" في حقل من الحقول القارة والجاهزة اجتماعيا، هذا الوجود الفاعل هو ذاته ذلك الوجود الذي طغى على الشعر العربي بوصفه أبرز مخيالات العرب التي لبست صورة الواقع المشغول بالربح والأهداف العضوية. هذا الوجود الجديد للفضاء الانترنتي وجود تجاوز الفردية وإن كان عمادها مشتريا واحدا لعنوان اكتروني وحيد، قد يعتقد البعض أنه من السهل حجبه أو منعه عن المتصفحين الإنترنتيين "الجمهور الإنترنتي" "الشعب الإنترنتي".

الفضاء الإلكتروني المؤدلج

بالمرور على تعريف شرام للايديولوجيا "هي منظومة أفكار تعكس حال المجموعة الاجتماعية "الطبقة" التي أبدعتها"، أو تعريف مانهايم للدين "كايديولوجيا تعتبر بديلا للعلوم الطبيعية والاجتماعية، وقد نشأ من تخيلات بدائية مثل بدائية إنسان الأدغال والمغاور"، فإننا نلتزم باعتبار الفضاء الالكتروني اليوم أنه نتاج متخيل ما، هذا المتخيل منجز وقار وليس عرضيا أو ملفقا. فالايديولوجيا عند وجودها تتطور انطلاقا من مادة التخيل الموجودة وتتابع صياغتها، وإلا فهي ليست بايديولوجيا "بوعلي ياسين/ الثالوث المحرم".

إن الافتراض بأن الفضاء الإلكتروني "مجرد وهم" لا يكون إلا عند من يعتقد أنه وهم، بينما هو كل الواقع لمن يعتقد بوجوده الفعلي. وكذلك هي الأسطورة هي وهم لكن لا يصدقها فقط. "التوسير" يؤكد المعنى بدقة عالية حين يعتقد "أن الايديولوجيا لا شأن لها بالواقع، فهي وإن كانت منظومة من التمثلات، فهي في غالبية الأحيان صور؟، وأحيانا موضوعات ثقافية تدرك، وتقبل، وتعاني، وتعاش، فتفعل فعلها في البشر عبر مسلسل يفلت من أيديهم".

الايديولوجيا الجديدة قائمة على الأسرار، وايديولوجيا المنتديات الالكترونية تبدع في تلبس هذه الحال بجدارة. المواقع الإلكترونية المجهولة المصدر أو التأسيس تعمل كالمجموعات والأحزاب والتنظيمات السرية، والمجموعات المخربة "الهكرز" هم "ارهابيو الانترنت"، وأخيرا، الأسماء المستعارة هي "الأسماء الحركية" في الفعل السياسي الكلاسيكي. وإلا فما الذي يجعل من اسم إنترنتي مستعار مؤثرا رمزيا فاعلا في المجتمع الإنترنتي، فتكون له سلطة رمزية نافذة ومعتبرة.

وكما أن "بيير بورديو" اتهم التلفزيون بأنه تلفيق متعمد لمخيلات محددة ومرسومة، فإن الفضاء الإنترنتي يحمل ذات الصفة، فإذا كان البرنامج التلفزي المباشر أعد له المتداخلون، فإن الفضاء الإنترنتي يقوم بمجمله في إحدى الحوارات مثلا على شخصية واحدة تتلبس أكثر من اسم مستعار.

الحس الإنترنتي الفاعل

للفضاء الإنترنتي مجازاته واستعاراته الخاصة، والتي تربط بين المخيلة والإحساس، "ميشال لوغوارن" فيلسوف فرنسي بجامعة ليون الفرنسية يفسر مفهوم التخييلية عنده بدوافع استعمال الاستعارة بطريقة قصدية. هذه "الإستعارة" لا تعود بشكل أساسي إلى حب الإبداع، أو البحث عن صورة جديدة، أو وجوه شبه أصيلة وغير متداولة، بل تكمن في الأخص في الإقناع وتحريك الشعور ولخلق ردة الفعل لدى المتلقي "البشير العربي".

وهكذا نرى أن الفضاء الإنترنتي اليوم يحتوي على استعارات ومجازات لغوية ذات نظام ونسق لغوي قادر على الاختراع والفعل لتسلحه بالتناظم النسقي، والذي يستطيع أن يحدث اختراقات معتبرة بالوجود وكثافته. صحيح أنه ما من دراسات لغوية تؤكد هذه الصورة، لكنني أراهن على هذه الفرضية.

اختراقات الفضاء الانترنتي

السؤال: ما هي مجمل الاختراقات التي يقوم بها هذا الفضاء الإنترنتي، وما هي حدود هذا الجسم الجديد في الفعل المجتمعي الجديد. وما هي الأطر الايديولوجية المحركة؟وما هي المؤثرات التي أحدثها هذا الفضاء على الكلاسيكيات الايديولوجية، والتي لابد من التنبه الى أهميتها وقدرتها. فالمثقفون والعلماء الطبيعيون ورأس المال الجديد ورجال الدين والارهابيون والعلمانيون جميعهم يجمعهم تسابق رهيب في هذا الفضاء. لكننا تحديدا نعتقد "أن ثمة عمليات معرفية تركيبية بالغة التعقيد تمثل اللامفكر فيه إنترنتيا، وهي بحاجة لمزيد من السبر والاختراق والفهم"، فلم تعد هذه الفضاءات مجرد حوامل للمعرفة، بقدر ما هي منتجة وضابط جديد لها، هي فاعل ايديولوجي لفواعل ايديولوجية محمولة متأثرة أو مستلبة من دون أن تدري أو أن ندري نحن من باب أولى





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً