لماذا ننتظر أن يُصاب أحد من أهلنا بمرض عضال، حتى نتذكّرهم ونهتم بأمورهم، وندأب إلى الاتصال بهم حينا بعد حين؟ ولماذا ننتظر حتى نفقدَهم فنبكي عليهم دهرا وعلى جفائنا لهم سنوات طويلة؟
فالبكاء والحزن لن يرجعا ميّتا إلى أهله، ولن يفصل اللحظات التي عشناها بعيدا عمن أحبّونا وأحببناهم، وإن كثرت المشاغل، فهي ليست حجّة لنا بعدم التواصل، ولكن التناسي هو الذي يجعل الأحباب أغرابا، والعناد في بعض الأحيان ظنا منا بأن هذا لم يأتِنا، وذاك أصغر منا والواجب عليه الوصل، كله كلام لا نصدّقه في عقولنا ولكن نحاول أن نقنع به أنفسنا.
نعرف تلك الأخت التي كانت منشغلة كثيرا بأمور حياتها، ولم تعر أحدا من أهلها اهتماما أو واجبا، وعندما دارت الدنيا وأُصيبت بمرض السرطان، وجدت الأحباب الذين بعُدت عنهم حولها وفي مدارها، وتساءلت إن كانت ستقوم بما قاموا به لو كانت في مكانهم، أم ستتركهم لتواصل الانشغال بعملها! لم تعتقد هذه الأخيّة بأن الدنيا عجلة لا تتوقف، وأنّ مصائرنا كلنا إلى التراب، وأن الوصل والاهتمام بالأهل أهم من أمور كثيرة أخرى، قد نراها في يوم من الأيام من الملحّات.
وقصة أخرى وجدناها عندما توفي رجل كبير، وجاء الأهل يبكونه، فوقف ابنه مواسيا لهم ومؤنبا على تقصيرهم في وصله، فذكر أنه عندما كان أبوه على الأرض لم يكن يرغب إلا في رؤية من أحبهم، وها هو في بطن الأرض ولم يستطيعوا إيصال حبهم وحزنهم إليه، فهم انتظروا حتى فقدوه.
وللأسف أصبح يوم الجمعة والسبت من الأيام السريعة، التي تمضي من دون أن نشعر براحة الإجازة فيها، وها نحن نرى من حولنا ومحبّينا كل يوم يتقاصر عددهم، ولم يبقَ في مجلس الأحباب إلا بقايا ذكريات الماضي الجميل في أحضان الحاضر الحزين، ولم يعد الابن يرى أمه وإخوته إلا في حزن وألم! لذلك فقدت الحياة رونقها الطيب الطاهر، وتشتتَ الإخوة والأصحاب، وفارق بعضهم بعضا، فأصبحوا كالغرباء لا تجمعهم مائدة بل يجمعهم شارع!
إن يوم الجمعة يوم مهم في لَمّ شمل العائلة، ورؤية أبناء الأخ وأبناء الأخت، ورؤية الجد والجدّة، اللذين ضاعا في معترك الحياة الزاخم، فتقلّصت أدوارهم، فما عاد باستطاعتهم إجبار أبنائهم على الحضور، فيشبعوا نظرهم وروحهم.
إنها لحظة ليست صعبة، نستطيع أن نخصّصها للوالدين والإخوة والأبناء والزوجة، حتى يجتمع الشمل ويتجدد اللقاء، فلا نصبح أغرابا تعساء بعيدين عن بعضنا بعضا، فهذه هي حلاوة الحب والإخاء والبر بالأحباب. فليجعل كلٌ منّا يومه حكرا على أهله، وليجرّب البَرَكة التي تأتي من ورائه، وليُقدم على لم الشمل قبل أن يفرِّق الموت بينه وبين أحبّته، فيظل الضمير مؤنبا له، والحسرة على هذه اللحظات الجميلة تتكرّر في عينه، وخصوصا أنها لا تعود بل تنتهي كالزَبد في بحر الدنيا.
إقرأ أيضا لـ "مريم الشروقي"العدد 2415 - الخميس 16 أبريل 2009م الموافق 20 ربيع الثاني 1430هـ