بعد التحول الذي طرأ على النظام السياسي البحريني منذ التصويت على ميثاق العمل الوطني، استطاعت القوى السياسية المختلفة ببراعة السيطرة على زمام الأمور، والتأثير بشكل لافت على تفاعلات النظام السياسي حتى أصبحت القوى السياسية في أحايين عدة أقوى بكثير من الدولة التي يفترض ألا تتجاوزها لأن هذه المؤسسات قديمة ولها تاريخها الطويل، وتملك كما هائلا من الخبرات المتراكمة بغض النظر عن طبيعتها.
ولذلك نلاحظ أن بعض القوى السياسية تمكنت في أوقات عدة من فرض أجندتها داخل النظام السياسي، ليس على السلطة فحسب، وإنما حتى على المواطنين والقوى السياسية الأخرى المشابهة. ويمكن النظر إلى مثال بسيط قد يجسد هذه الحال بتفاصيلها الدقيقة عندما تقوم قيادات جمعية الوفاق الوطني الإسلامية مثلا بالظهور في غير مرة كقوة مؤثرة وفاعلة وقادرة على تنظيم مجريات الأمور، وتظهر تلك القيادات أثناء بعض المسيرات وتدعو إلى ضبط النفس، وتظهر أمام الرأي العام المحلي على أنها القادرة على ضبط المتظاهرين أو المعتصمين أو المضربين في الوقت الذي تعجز فيه الدولة والسلطات الرسمية عن ذلك.
مثل هذا الموقف يتكرر باستمرار، وهو يخلق قناعة تترسخ تدريجيا في أذهان المواطنين بأن القوى السياسية أصبحت هي القادرة على التأثير في الشارع، وضبط المجتمع، وليست السلطات الأمنية أو السياسية المعنية بذلك والتي تصرف عليها الملايين سنويا. والمثال السابق ينطبق على قضايا سياسية واقتصادية كثيرة يمكن رصدها بسهولة.
قد يكون من الأسباب الرئيسية لحدوث هذه الظاهرة في النظام السياسي البحريني، أن عملية التحول الديمقراطي داخل النظام ظهرت بشكل قائم على ردود الأفعال، وليس على المبادرات، ففي الوقت الذي قدمت فيه القوى السياسية المختلفة برامجها العملية، وكشفت عن أجندتها المعلنة، وظهرت أجندتها غير المعلنة لم تقم الدولة بمبادرات لمعالجة النتائج المترتبة على عملية التغيير والتحول في النظام. ومن الدلائل التي تكشف وضوح ذلك، أن مصادر الثقافة السياسية البحرينية اليوم أصبحت تستقى من مصدر أساسي واحد وهو المحاضرات السياسية والحوارية والندوات العامة والمواقع الإلكترونية للتنظيمات السياسية، وليس من خلال المناهج الدراسية أو وسائل الإعلام الرسمية أو المؤسسات الدينية التي تنظمها قوانين الدولة. فإذا كان الجميع متعطشا لاكتساب ثقافة سياسية مشاركة، فأين تلك الثقافة التي يفترض أن تقدمها له الدولة بعد تدشين المشروع الإصلاحي؟
هذه الحقيقة تحتم الإسراع في استكمال متطلبات تأسيس معهد البحرين للتنمية السياسية، لأن التحول الديمقراطي الراهن قائم على خلق ثقافة سياسية أحادية معتمدة بالدرجة الأولى على مصالح مقدمها. والأهم من ذلك لابد أن تبادر السلطة نحو تفعيل المؤسسة وسيادة القانون لأن من دونهما لا يمكن أن يتحول النظام السياسي إلى نظام ديمقراطي حقيقي، وحتى لو تم تعديل الدستور وفق بعض المطالبات.
فالسلبية أمام عملية الإصلاح غير مطلوبة ألبتة، ولابد أن تبادر جميع مؤسسات الدولة لمعالجة أوجه الخلل بشكل جماعي، وأن تقوم بطرح جملة من المبادرات الفعالة من أجل تلافي السلبيات السائدة، أو تلك التي أتاحت للقوى السياسية ذات المصالح الضيقة فرض أجندتها على القوى الأخرى، وعلى المجتمع البحريني من دون أية مبررات حقيقية. فديمقراطية ردود الأفعال أفقدت المواطنين طوال أكثر من ثلاث سنوات صدقية مؤسسات الدولة وأجهزتها بشكل لافت، وإذا استمر الوضع هكذا فإنه سيأتي اليوم الذي تتمكن فيه القوى السياسية ذات المصالح الضيقة من فرض أجندة غير وطنية لن تخدم الوحدة الوطنية للبلاد، أو ترفد مصالحه الوطنية العليا
العدد 1038 - السبت 09 يوليو 2005م الموافق 02 جمادى الآخرة 1426هـ