حتى وقت قصير مضى لم يكن أحد من المسئولين في الاتحاد الأوروبي يتجرأ على المطالبة بأن يجري الحوار مع ممثلي فئات إسلامية. لكن مع الوقت نشأت قناعة عند عدد متزايد من هؤلاء المسئولين بضرورة فتح باب الحوار مع فئات معينة داخل معسكر الإسلاميين الذين يتهمهم الغرب بالتطرف. هذا أيضا ما يدعو له خبير الشئون العربية والإسلامية الألماني المعروف ميشائيل لودرز في مقال نشره موقع "قنطرة" الذي تموله وزارة الخارجية الألمانية.
هناك من يرى أنه على المدى البعيد ينبغي فتح باب الحوار حتى مع "الطالبان" في أفغانستان ومع الجماعات الإسلامية في جنوب شرق آسيا. وسيكون لنتائج الحوار القادم بين الاتحاد الأوروبي وحزب الله الشيعي في لبنان أثر على مستقبل الحوار مع الإسلاميين في بقاع العالم الأخرى. وكانت ألمانيا وفرنسا وبريطانيا في طليعة الدول الغربية التي وافقت على دخول ممثلين عن حزب الله أراضيها قبل أن اتخذت موقفا سلبيا واضحا حيال هذا الحزب ففي فرنسا على سبيل المثال تم وقف بث محطة تلفزيون المنار التابعة لحزب الله داخل فرنسا بحجة أنها تنشر الأحقاد ضد "إسرائيل" والغرب. ويواجه مراسلو المحطة في عواصم الاتحاد الاوروبي عزلة من قبل وزارات الإعلام.
طرح لودرز السؤال الآتي: هل يمكن أم هل يحق إجراء مفاوضات مع حركات إسلامية متطرفة كحركة حماس وحزب الله؟ بناء على وجهة نظر الولايات المتحدة و"إسرائيل" لا يحق ذلك في أي حال من الأحوال. إذ إن حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية "حماس" وحزب الله اللبناني في نظرهما منظمتان إرهابيتان يتعين مكافحتهما عسكريا وعزلهما سياسيا.
أما الاتحاد الأوروبي فإنه يعتبر حركة حماس لا حزب الله منظمة إرهابية. وحتى هذا الموقف فهو في الوقت الحاضر قيد الدرس. ففي اجتماع مجلس وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي الـ 25 في لوكسمبورغ في منتصف شهر أبريل / نيسان الماضي تم الاتفاق على فتح باب الحوار مع مجموعات من المعارضة الإسلامية. هذا الخرق الجزئي للمحرمات يعني على المدى المتوسط بأن الأوروبيين سيحيدون عن الحظر الذي فرضوه من الناحية الشكلية على اتصالاتهم بحزب الله وحماس.
يشير لودرز إلى خلفية هذا الموقف ويقول: إنها القناعة بكون الإسلام السياسي يشكل في منطقة الشرق الأوسط عامل قوة لا يستطيع أحد إنكاره في إطار التفكير في دعم الديمقراطية في المنطقة. ليس هناك مبرر عند الأوروبيين للتعاطف مع حماس أو حزب الله لكن هاتين الحركتين لهما ثقل جماهيري لا يمكن تجاهله. فقد حازت حماس في انتخابات مجالس البلدية الأخيرة التي جرت في قطاع غزة على قرابة 70 في المئة من الأصوات. كما أن حزب الله يشكل في صفوف الشيعة في جنوب لبنان عامل القوة الرئيسي. وهذا الأمر يخلق عددا من المشكلات العملية المحددة على سبيل المثال بالنسبة إلى منظمات المساعدة الغربية. فالمؤسسة الألمانية للتعاون التقني جي تي زد لم تخاطر حتى الآن في القيام بنشاطات في قطاع غزة على رغم وجود حاجة ماسة هناك للحصول على مشروعات وبرامج تنموية. وهذا الوضع يعود إلى كون ممثلي حركة حماس بصورة حتمية الشريك المحلي لهذه المنظمة. لكن الذي يسعى إلى تحقيق تغييرات في منطقة الشرق الأوسط لا يمكنه أن يغفل النظر عن الواقع وليس بالإمكان اعتبار حماس أو حزب الله بمثابة من لا وجود له من خلال محض تقييمهما كمحور للشر. وحاولت "إسرائيل" مكافحة حماس وحزب الله بالطرق العسكرية واغتالت مجموعة من أبرز قادة حماس بما فيهم مؤسس الحركة الشيخ أحمد ياسين ضاربة بعرض الحائط كل ردود الفعل وانعكاسات جريمتها النكراء إلا أن ذلك كله لم يحقق لها أهدافها ولم يقض على حماس أو يجهض شعبيتها بل زاد شعبيتها.
وكانت حركتا حماس وحزب الله قد ظهرتا إلى حيز الوجود كحركتي مقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي للمناطق الفلسطينية ولجنوب لبنان. أي أن "إسرائيل" نفسها وراء ظهور هاتين الحركتين. ولم تدخرا وسعا في استخدام كل وسائل العنف ضد "إسرائيل". كما لم تدخر "إسرائيل" وسعا في محاربتهما إن كان عن طريق تصفية الكوادر أو خطفهم. على رغم ذلك فإن تقييمهما في الغرب كمحض منظمتين إرهابيتين يتسم بالغباء. فلو غض المرء النظر عن انطلاقهما العقائدي من مفهوم الجهاد لتبين بأن قاعدتهما الجماهيرية ترتكز في المقام الأول على الخدمات التي توفرهما على الصعيد الاجتماعي.
كحال جميع المنظمات الإسلامية الأخرى فإنهما تكتسبان الشعبية لا من خلال الإيديولوجية المطروحة منهما بل من خلال عروض المساعدات المادية التي لا يمكن الاستهانة بمفعولها كالرعاية الاجتماعية وتوفير مرتبات التقاعد وتقديم العون للأطفال الذين حولتهم "إسرائيل" إلى يتامى والنساء اللواتي جعلت منهن "إسرائيل" أرامل. بينما تحصل حماس على تبرعات يجري جمعها داخل فلسطين وخارجها فإن في حال حزب الله كل الأموال التي يحصل عليها مصدرها إيران.
الحوار مع أوروبا فرصة. هذا ما يعرفه جيدا قادة حماس وحزب الله الذين يدركون أنه يتعين عليهم التكيف مع المعطيات السياسية القائمة وإلا أصبحوا عرضة لتجاهل العالم لهم. فالمقاومة المسلحة قد يكون لها ما يبررها في ظروف معينة لكنها لا تحل مكان الخيارات السياسية على المديين المتوسط والبعيد.
هناك سبب آخر يجعل كلا من حماس وحزب الله ينالان احترام أوساط واسعة من السكان هو كونهما لا يتسمان بالفساد والرشوة على عكس الحال لدى الأطراف السياسية المنافسة لهما. فالسفراء الغربيون في بيروت على سبيل المثال باستثناء السفير الأميركي، يقرون بكون زعيم حزب الله السيدحسن نصرالله لا يوصم بالرشوة كما يتسم بالبراغماتية. وعلى رغم التطرف البلاغي الذي تعكسه فضائية "المنار" التابعة لحزب الله فإن هناك ما يدل على قناعة حزب الله بضرورة التعامل بصفة الحزب السياسي، وخصوصا أن الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان قد انكمش بصورة ملفتة للنظر وتراجعت قواته إلى مزارع شبعا وذلك منذ خمس سنوات.
وأثبت اللبنانيون خصوصا بعد اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري وردود الفعل الساخنة التي أدت إلى انسحاب القوات السورية من بلدهم أنهم يرفضون العنف. يسأل خبير الشرق الأوسط الألماني لودرز عما إذا كان يتوجب على الحكومات الأوروبية أن تتحاور مع حماس وحزب الله أم لا، نظرا إلى أن الاتصالات قائمة عمليا بين الطرفين منذ سنوات عدة. ينبغي على أوروبا أن تثبت أنها متحررة من ضغط "إسرائيل" والولايات المتحدة بل أن تقنع هذين البلدين بأهمية الحوار لهدف تحقيق السلام الشامل الذي ستستفيد منه جميع الأطراف. كما ينبغي أن تعبر أوروبا عن حيادها وعدم تبني وجهة نظر الولايات المتحدة و"إسرائيل" والبحث عن حلول براغماتية. هذا من شأنه أن يجعل حماس وحزب الله تصبحان من أطراف عملية السلام وتشجيعهما على الالتزام بتحقيق السلام وأي رفض أميركي أو إسرائيلي لهذا لا يخدم أحدا في المنطقة بما في ذلك "إسرائيل" نفسها
العدد 1038 - السبت 09 يوليو 2005م الموافق 02 جمادى الآخرة 1426هـ