العدد 1038 - السبت 09 يوليو 2005م الموافق 02 جمادى الآخرة 1426هـ

الذين يقتلون المدنيين باسم الإسلام ليس لديهم فهم أصيل

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

في فلسطين تتسارع الحوادث الخطيرة ضد الشعب الفلسطيني، فهناك المساعي التي يتاجر بها شارون في الانسحاب من مستوطنات غزة، ليقدم الى الرأي العام العالمي، ولا سيما الغربي، صورة "إسرائيل" كـ "دولة ديمقراطية حضارية" من خلال هذا الانسحاب الذي قد يمنح الفلسطينيين بعض الحرية في تقرير مصيرهم، ولكن ليطوق غزة بغلاف خارجي للقطاع وسيطرة على مجاله الجوي، ونشاط عسكري في مجاله البحري، في عملية حصار يحول غزة الى سجن كبير. ليمتد ذلك الى السيطرة على الضفة الغربية من خلال تعزيز التكتلات الاستيطانية الكبرى وتوسعتها من جهة، واستكمال بناء الجدار العنصري الفاصل من أجل تهويد القدس، باعتباره حركة سياسية كما أعلن أخيرا، لا أمنية كما قيل سابقا.

هذا بالإضافة الى الممارسات الإسرائيلية في المزيد من الاغتيالات والاعتقالات، والإجراءات الوحشية التعسفية في الضغط على الفلسطينيين أمام الحواجز اليهودية ما يعطل حركتهم في التنقل، في الوقت الذي لم تحرك فيه اميركا ولا أوروبا ساكنا ضد هذه الأعمال اليهودية، ولم تضغط اللجنة الرباعية لتطبيق ما يسمى خريطة الطريق التي وعدت بها، لأن المجتمع الدولي لايزال يعامل "إسرائيل" بالمزيد من الرعاية والحماية السياسية بما لا يعامل به الشعب الفلسطيني، كما أن اميركا بالذات لاتزال تغدق على الدولة العبرية المساعدات المالية من أجل تقوية قدرتها العسكرية والاقتصادية، في الوقت الذي لا تقدم فيه إلى الشعب الفلسطيني ولا إلى السلطة الفلسطينية أية مساعدات مهمة.

وفي الوقت نفسه، لايزال السجال في الداخل الفلسطيني الذي قد يترك أكثر من حال سلبية على صعيد القضية، بما قد يضعف المقاومة ويربك السلطة، ولا سيما مع التأكيد على الجانب الأمني بعيدا عن الجانب السياسي، وخصوصا مع التوظيف الأميركي لبعض الدول العربية للتدخل في الشأن الفلسطيني، ما يفرض على الشعب الفلسطيني أن يكون واعيا للمرحلة التي تشغلهم بنزاعاتهم بينما يشتغل اليهود بتغيير الخريطة على الأرض.

ولا بد للعرب والمسلمين من أن يؤكدوا إيمانهم بالقضية التي ترتبط كل أوضاعهم المستقبلية بسلامتها، والوصول بها الى شاطئ السلامة، ولا سيما أن "إسرائيل" استطاعت أن تحصل على بركة البابا الجديد الذي أعلن مودته الكبيرة حيال "إسرائيل"، من دون أي اعتراض على احتلالها وممارساتها الوحشية ضد الشعب الفلسطيني، الأمر الذي يتساءل معه المؤمنون: هل تلتقي "إسرائيل" مع القيم الروحية للسيد المسيح الذي طرد اللصوص من ساحة الهيكل، وهل يبقى لصوص الأوطان في ساحة القدس؟!

وفي جانب آخر، فإننا نرحب بقرار المؤتمر الإسلامي المنعقد في الأردن في تأكيده رفض تكفير المسلمين بعضهم بعضا، واعتبار الحوار الموضوعي العلمي الذي ترد فيه الخلافات الى الله والرسول هو السبيل القويم للوصول الى النتائج الحاسمة التي تؤكد الأخوة الإسلامية.

وفي هذا المناخ، لا بد أن يرفع المسلمون الصوت عاليا ضد الذين يقتلون المدنيين من المسلمين باسم الإسلام على أساس تكفيري، ولا بد من التفرقة بين مقاومة الاحتلال وقتل المسلمين في مساجدهم وأسواقهم ومزاراتهم، تحت تأثير ذهنيات متخلفة لا تملك أي فهم أصيل للإسلام، وهذا ما يحدث في العراق الذي يراد خلق فتنة في أرضه بين المسلمين، من خلال حركة الفعل ورد الفعل مما نحذر العراقيين المسلمين منه، لأنه لن يستفيد من ذلك إلا الاحتلال الذي تسمح لـه الحرب الأهلية بالبقاء طويلا باسم الدفاع عن الشعب العراقي.

وتبقى أميركا تلاحق سورية وإيران بالاتهامات الباطلة في أكثر من موقع، لأنهما لم تخضعا للشروط الاميركية في تأكيد الاحتلال في العراق وأفغانستان وفلسطين، ولأن إيران لا تقدم أية تنازلات في مشروعها النووي السلمي.

أما مؤتمر الدول الثماني المنعقد في اسكوتلندة، فإن اميركا لا توافق فيه على مساعدة الدول الإفريقية وإلغاء ديونها إلا بالخضوع للشروط الأميركية السياسية، في الوقت الذي تعيش فيه الشعوب الإفريقية وغيرها الجوع والمرض والحرمان والفوضى الأمنية التي تخلقها صراعات الدول الكبرى على سرقة ثرواتها.

أما لبنان، فإننا نلاحظ في فيدرالية الطوائف التي أنتجتها الانتخابات، أن تأليف الحكومة يخضع للمحاصصة بين الطوائف، فكل طائفة تطالب بوزارات تتناسب مع حجمها تماما كما لو كانت الوزارة حالة طائفية تتحرك في مصالح هذه الطائفة أو تلك، أو هذه الزعامة أو تلك. أما حجم الوطن وطبيعة البرنامج الإصلاحي أو التغييري في حل مشكلة الفقراء والمحرومين، أو قضية الاحتلال للأرض، أو حركة التنمية للمناطق المحرومة، أو تحرير البلاد من الوصاية الأجنبية الدولية، فهو أمر ليس موضع اهتمام للكثيرين في النادي السياسي، بل الهم الكبير لبعض الجماعة المؤيدة للقرار 1559 هو نزع سلاح المقاومة، لأن "إسرائيل" بنظرهم لا تمثل خطرا على لبنان بل القضية عندهم هي ألا يكون لبنان خطرا على العدوان الإسرائيلي.

والسؤال: هل هذا هو لبنان الحرية والسيادة والاستقلال الذي يراد لـه أن ينزع سلاح المقاومة لا سلاح "إسرائيل"؟

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 1038 - السبت 09 يوليو 2005م الموافق 02 جمادى الآخرة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً