بحسب آخر احصاء اجري في العام 2001 بلغ عدد البحرينيين من الذكور والاناث 405 آلاف و667 نسمة من بين 650,604 هم العدد الاجمالي للسكان.
نصف البحرينيين دون الثلاثين من العمر، إذ بلغ عدد من هم دون الثلاثين 261 ألفا و64 نسمة. من بين هؤلاء فإن أكبر فئة عمرية من حيث العدد هم أولئك الذين ما بين 5 إلى 9 سنوات، إذ بلغ عددهم وفق الاحصاء 50 ألفا و725 نسمة.
ومع الأخذ في الاعتبار أربع سنوات اضافية منذ ذلك الاحصاء، وزيادة المواليد فعلينا أن نتوقع زيادة في الفئات العمرية وانتقالات من هذه الخانة الى تلك الخانة، لكن النتيجة هي نفسها: من هم دون الثلاثين مازالوا يمثلون غالبية السكان.
لكن أن يتساءل المرء عما ينتظر هؤلاء الشباب ونصيبهم في الخطط الوطنية والموازنات، يضعنا امام اجوبة من نوع آخر.
ماذا يتداعى الى اذهانكم اذا ما سمعتم كلمة "الشباب" تتردد امامكم؟
القلق حتما، فالشباب لا يثيرون فينا سوى القلق. القلق من كل شيء. وهم يشكلون الآن اكثر من نصف البحرينيين ومع هذا، قلما يلمس المرء حضورهم في الحياة اليومية. فهم خارج المدارس مجرد أرقام في خانة احصاءات السكان، فلا البرامج ولا الخطط الحكومية قادرة على استيعابهم أو تقديم خيارات مفضلة لديهم ولا المؤسسات المجتمعية قادرة على ذلك لأنها اضعف من أن تؤدي مهمة كهذه.
يتجدد هذه الاحساس كلما حل الصيف. اين يذهب الشباب والصغار دون الثلاثين من العمر؟
حسنا لنحاول احصاء الخيارات:
- مركز سلمان للاطفال: لا يستوعب الا العشرات من الاطفال.
- الاندية الرياضية: النشاط متوقف في الصيف والانشطة الصيفية غير قادرة على استيعاب الا بضع عشرات. وفي ذروة الموسم، لن تستطيع الفرق الرياضية الا استيعاب العشرات من الشباب والصغار نظرا إلى أن مقياس الاختيار يتم في الاساس بناء على مقاييس تنافسية لأن الغرض هو اختيار الأفضل لتحقيق البطولات.
- مركز العلوم للشباب: من اسمه يتضح الجواب، فهو يجتذب اعضاءه المهتمين بالعلوم وهم لا يتعدون العشرات في الغالب.
- الجمعيات النسائية: كم دورة بامكان النساء المتطوعات تنظيمها كل صيف؟
- جمعيات أخرى: كم تستطيع أن تستوعب وهي تقبع في منازل مؤجرة؟
- أندية صحية: نشاط موجه أساسا للفئة الوسطى وبحساب معدل التضخم والكلفة والمواصلات يتضح أن تسجيل اكثر من طفل لمدة شهرين أو ثلاثة بالاسعار المعلنة يصبح عبئا اقتصاديا حقيقيا حتى للفئة الوسطى.
- الجمعيات الشبابية: كم يبلغ عدد اعضائها في احسن الاحوال وهي التي لا تملك سوى غرفة أو اثنتين في مقرات الجمعيات الأم؟ كم بامكانها أن تستقطب على اية حال؟ وماذا يمكن أن تقدم؟
وعلى رغم أن التربية في الاساس خيار ذاتي، فالعائلات تقرر نوع النشاطات التي ستدفع ابناءها للمشاركة فيها، فإن المعضلة الاهم هنا لا تكمن في أن العائلات لا تريد ذلك بل اين المرافق المعدة لذلك؟
كل هذه المرافق التي اشرنا اليها تبقى مؤسسات قليلة في عددها وتم انشاؤها اساسا لاستيعاب اعداد محدودة جدا من الشباب والصغار. لقد جربت منذ سنوات ادخال ابنتي في احد هذه المراكز وكان الامر يحتاج الى وساطات وتعريف ومكالمات وتوسل ورجاءات لسبب بسيط هو الاعداد. فهذه المؤسسات محكومة في الغالب بعدد معين من الاعضاء لا تستطيع تجاوزه.
لقد اجري الاحصاء في 2001 وحتى اليوم، لم اسمع أن جهة ما قد طرحت تصورات لبرنامج على المستوى الوطني للشباب والصغار يمكن أن يسهم في تطوير الصغار والشباب. لا مؤسسة الشباب والرياضة ولا المجالس البلدية ولا المحافظات ولا الحكومة ايضا. الشباب الذين هم في صميم الخطاب الحكومي ليسوا في الواقع سوى رقم آخر في احصاءات السكان.
وعلى المستوى الاداري الآن لدينا ثلاث جهات يمكن أن تسائل عن هذا الاهمال غير المبرر: المحافظات، المجالس البلدية، المؤسسة العامة للشباب والرياضة.
لقد استغرق البلديون ثلاثة اعوام تقريبا في الجدل مع الحكومة حول صلاحياتهم. وهم مثلهم مثل النواب في شكواهم من عدم تعاون الحكومة. أما المحافظات، فلم نسمع مسئولا بأي محافظة تحدث عن الشباب منذ العمل بنظام المحافظات في منتصف التسعينات. والمحافظات تبدو هنا مثل الكلمة المفتاح فيما يخص الشباب.
لقد قيل إن انشاء المحافظات جاء لتسهيل تقديم الخدمات للسكان. وابسط ما يمكن تصوره هنا هو مراكز شبابية كبيرة ومتنوعة النشاطات في كل المحافظات الخمس.
ومع هذا يتعين أن نستدرك امرا اساسيا: أن تنشئ هذه المراكز على اساس حسابات مستقبلية وتستطيع استيعاب اكبر عدد ممكن من الصغار والشباب دون الثلاثين من العمر.
كم جامعة لدينا في البحرين؟ لا نعرف العدد الآن لكثرتها، ألم يخطر ببال احد ابتكار بطولات رياضية للجامعات تمولها هذه الجامعات نفسها؟ مسابقات علمية ورياضية بين المراكز الشبابية في كل محافظات البحرين؟
هذه صور متخيلة لنشاطات لا تتوقف على مدار العام لمجتمع يسعى حقا إلى تحصين الشباب وتطوير قدراتهم في شتى المجالات، مجتمع منفتح على كل الافكار الخلاقة ويتمتع بالحيوية والثقة. هذه الصور المتخيلة تقفز الى الذهن بشكل تلقائي وطبيعي لأن استقراء اوضاع الشباب واوضاعنا بشكل عام يقودنا الى احساس اصبح مثل الكابوس: نحن منكفئون على انفسنا بكل المقاييس وعلى اصغر المقاسات. والمجتمع مازال هو مجتمع الكبار وعلل الكبار وامراض الكبار وعقد الكبار، تصورات الكبار واوهام الكبار ايضا.
إحدى الثمار غير المتوقعة لهذا الانكفاء هو ذلك الشعور بالضيق والتأفف من الصغار. فهم اما منحرفون يحتاجون إلى الرعاية والحزم واما مجرد شباب يحتاج إلى الضبط. وهم بالنهاية مجرد رقم، ومخلوقات فظة لا تحتاج الا إلى الزجر.
ألا يمكن أن نتخيل البداية؟ أن نكف عن اعتبارهم مصدر قلق وأن نوفر لهم كل ما يحتاجونه لكي يبنوا انفسهم على النحو الامثل: عقول سليمة في اجسام سليمة
إقرأ أيضا لـ "محمد فاضل العبيدلي"العدد 1037 - الجمعة 08 يوليو 2005م الموافق 01 جمادى الآخرة 1426هـ