تتضمن زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس الى دمشق لقاءات يجريها الرئيس عباس مع كبار المسئولين السوريين وقادة الفصائل الفلسطينية الموجودين في دمشق، وكما تشير المعلومات، فإن زيارة عباس ومحادثاته السورية والفلسطينية لها هدف واحد أساسه الحصول على دعم للحكومة الفلسطينية في سياساتها سواء المتعلقة بالعلاقة مع الاسرائيليين ومنها الانسحاب الاسرائيلي من غزة، أو بالسياسات الفلسطينية الداخلية ومنها موضوع تشكيل حكومة جديدة، واجراء إصلاحات في السلطة ومكافحة الفساد وغيرها من الملفات الداخلية.
وطموح الرئيس عباس في الحصول على دعم سوري - فلسطيني من دمشق، يتوافق الى حد كبير مع احتياجات السياسة الفلسطينية اليوم، التي تحاول جمع قدراتها وتعزيز مكانتها في ظل دعم أوروبي وتحركات اميركية، ورغبة فلسطينية أساسها الحصول على ما يمكن الحصول عليه من الجانب الاسرائيلي، ومما يعزز طموحات الرئيس عباس في الحصول على نتائج ايجابية من محادثاته في دمشق، تحسن ملموس في العلاقات الفلسطينية - السورية والمعبر عنها بان زيارته الحالية ليست الاولى لدمشق، وان ممثليه لم ينقطعوا عن زيارتها طوال الفترة الماضية، وكان آخرهم جبريل الرجوب مستشار الامن القومي، والامر الثاني، هو ان السوريين حسموا خياراتهم في السياسة الفلسطينية في التوافق مع ما تقرره الزعامة الفلسطينية، والرئيس عباس هو رأس الزعامة، ويرغبون ان تكون العلاقات السورية - الفلسطينية على قاعدة التوافقات وليس على قاعدة الصراع والاختلاف كما كانت في غالبية الحالات في العقود الثلاثة الماضية.
وبطبيعة الحال، فان هذه الاجواء تطرح ما يمكن للسوريين القيام به ازاء ما يريده الرئيس عباس من اهداف لزيارته. واذا كان السوريون سيتقاربون في موقفهم من مواقف السلطة الفلسطينية، فانهم سيشجعون حلفاءهم من قادة الفصائل الفلسطينية في دمشق على الذهاب في الاتجاه نفسه بالتقارب مع مواقف السلطة الفلسطينية ورئاستها، وقد ظهر عدد من المؤشرات في أوساط فلسطينية سورية على هذا الاتجاه في تصريحات نقلت عن خالد الفاهوم الرئيس السابق للمجلس الوطني الفلسطيني، على رغم ان حركة حماس أعلنت في خطوة محسوبة انها ترفض الانخراط في حكومة فلسطينية قبل اجراء انتخابات تشريعية جديدة.
وكما هو واضح، فان النتائج المتوقعة لزيارة الرئيس عباس الى دمشق، تكاد تكون معروفة وايجابية ايضا، والاساس في ذلك هو موقف سوري، له اسبابه ودواعيه، يلقي بظلاله على موقف فلسطيني سورية الذي وان كان ايجابيا عند مستوى معين، فانه يستمد بعض تلك الايجابية من تقاطعه مع موقف دمشق.
وتحول الموقف السوري بما يتصل بالموضوع الفلسطيني، هو جزء من تحول في سياسة سورية الاقليمية، والتي اتجهت في السنوات الاخيرة نحو التوافق الايجابي مع المحيط الاقليمي خلافا لما كانت عليه تلك السياسة في السابق من اتخاذها طابع الصراع والتناقض مع المحيط الاقليمي بهدف جمع أوراق وعناصر القوة الاقليمية في اليد السورية، الامر الذي جعل العلاقات مع القيادة الفلسطينية دائمة التوتر وخصوصا في مستوى القمة، وكانت العلاقة مع العراق متصادمة كذلك، فيما العلاقة مع الاردن بين اخذ وجذب، والعلاقة مع لبنان محكومة بسياسة دمشق ومواقفها.
والتغيير في سياسة دمشق الاقليمية، لا يظهر فقط في موقفها الفلسطيني، بل ايضا في موقفها من الوضع في لبنان مجسدا في انسحاب القوات السورية من لبنان وفي الاعلان عن وقف تدخلها وأجهزتها في الشئون اللبنانية، واعلان الرغبة في بناء اطر جديدة للعلاقات السورية - اللبنانية، وهو اتجاه يقارب الموقف السوري في الموضوع العراقي، إذ تسعى سورية الى تحسين علاقاتها مع السلطة في العراق، التي وان عارضتها في السابق باعتبارها "صنيعة الاحتلال" فانها بدأت معها موجة من العلاقات والتوافقات سواء من خلال اعلان دعم الاستقرار والامن في العراق والمساعدة في تحقيقهما، او باستقبال بعض كبار المسئولين بينهم رئيس الوزراء السابق اياد علاوي ووزير داخليته، وقد وجهت دعوة للرئيس العراقي لزيارة دمشق، فيما يستعد رئيس الوزراء ابراهيم الجعفري لزيارة دمشق، وكانت دمشق سعت في العامين الماضيين الى تحسين علاقاتها مع الاردن، وطورت علاقاتها مع تركيا في اطار التبدل السوري في العلاقات الاقليمية.
ومختصر القول، فإن سورية اذ تفتح اوسع الابواب لعلاقات فلسطينية اكثر ايجابية واوسع انفتاحا وتوافقا مع توجهات القيادة الفلسطينية ورئيسها، فانها تكسر النمط القديم للعلاقات، وتكريس نمط جديد، هو جزء من تحول في السياسة الاقليمية لسورية في ظل متغيرات، لم تعد تتناسب في أبعادها المحلية والاقليمية والدولية مع النمط القديم لعلاقات دمشق الاقليمية التي تأخذ طابع الصراع والهيمنة بدل التوافق والتآزر
العدد 1037 - الجمعة 08 يوليو 2005م الموافق 01 جمادى الآخرة 1426هـ