العدد 1035 - الأربعاء 06 يوليو 2005م الموافق 29 جمادى الأولى 1426هـ

غزو "الحرة" أقل كلفة من غزو الجيوش

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

تتكرر الصور التلفزيونية التي تظهر على مجموعة كبيرة من الشاشات في مكاتب التحرير التابعة لمحطة التلفزيون الناطقة باللغة العربية التي أنشأتها الولايات المتحدة ردا على الفضائيات العربية التي اتهمتها إدارة الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش بأنها تبث دعايات مضادة لها. مرة جديدة عبرت الصور المنقولة من العراق عن حقيقة أن الحرب مازالت مستمرة على رغم أن الرئيس الأميركي أعلن في الأول من مايو/ أيار العام 2003 نهاية العمليات العسكرية الرئيسية. الصور التي تعرض كل يوم في أرجاء العالم هي صور من حرب ما بعد الحرب التي لا أحد يعرف متى ستنتهي.

العاملون في محطة "الحرة" التي يقع مقرها في سبرينغفيلد على بعد 30 كيلومترا من واشنطن دي سي اعتادوا كسائر البشر على هذه الصور: سيارات محطمة ومبان مدمرة وجثث مفحمة وسيارات إسعاف وشرطة وجنود وصراخ ووجوه مذهولة كتب لأصحابها عمر جديد. للتو وصل نبأ عاجل من أرض الموت مفاده أنه تم العثور على عدد من افراد قوى الأمن العراقيين وأعدموا بواسطة طلقات نارية في الرأس.

قالت زين سليم البالغة 34 عاما وهي جالسة في غرفة الماكياج وتستعد لدخول استديو الأخبار: اعتدنا على هذه الأوضاع السيئة. ما لم تشر إليه مقدمة النشرة الإخبارية أنها مدينة بالشكر بالحصول على عملها في واشنطن إلى الأوضاع السيئة في العراق وبصريح العبارة إلى حرب العراق. في حياتها السابقة كانت تعمل مذيعة في التلفزيون العراقي في عهد الرئيس السابق صدام حسين. وقد أصبحت الآن الوجه الذي يقدم نشرة الأخبار الرئيسية في تلفزيون بوش كما يصفه كثير من العرب. وتم إنشاء هذه المحطة لتروج للسياسة الأميركية في العالم العربي والحديث عن إنجازات الولايات المتحدة قبل كل شيء في العراق.

زين سليم وزملاؤها البالغ عددهم 174 من مختلف البلدان العربية هم جزء من محاولة يقول الأميركان إن هدفها وقف موجة العداء المناهضة لبلدهم في العالم الإسلامي. هذا ما عبر عنه الرئيس بوش بنفسه حين باشرت المحطة عملها في فبراير / شباط العام 2004 حين قال: "ينبغي علينا التصدي للهجمات الإعلامية التي تملأ الأثير في العالم العربي". قبل ذلك شكا بوش لعدد من القادة العرب والمسلمين من تنامي انتقاد وسائل الإعلام في بلدانهم للولايات المتحدة. وركزت واشنطن انتقادتها خصوصا لمحطة تلفزيون "الجزيرة" في قطر واتهمتها بتحريض العالم العربي عليها. انتقد الأميركان خصوصا عرض صور جنودهم القتلى وكذلك صور القتلى من المدنيين. يتفق المراقبون في الرأي أن هدف إنشاء "الحرة" منافسة "الجزيرة" وغيرها والدعاية للسياسة الأميركية. المنطقة التي يقع فيها مقر"الحرة" في بولفار بوسطن / سبرينغفيلد تجاورها مكاتب شركات صناعة السلاح الأميركية. حصلت "الحرة" على مكان في مبنى تقع فيه مكاتب شركة بوينغ. ليس على الباب إشارة إلى اسم المحطة: لأسباب أمنية. حارسان يراقبان المكان وخصوصا برج الإرسال الذي ينقل الدعاية الأميركية باللغة العربية إلى 70 مليون مشاهد في 22 بلدا عربيا. حصل مدير المحطة المسئول موفق حرب منذ وقت قصير على إذن ببدء البث في بغداد والبصرة. على مكتبه تقرير لجنة تحقيق على خلفية هجوم 11 سبتمبر / أيلول العام 2001 وملاحظة تشير إلى اقتراح اللجنة التابعة لمجلس الشيوخ بأن تعمل الإدارة الأميركية إلى التصدي لموجة العداء ضد الولايات المتحدة في العالم الإسلامي. قال حرب بزهو وكأنه يتحدث باسم البيت الأبيض: نحن نعمل على نشر السلام والديمقراطية في الشرق الأوسط". ردا على سؤال عما إذا كان يرى دور "الحرة" وسيلة للدعاية للسياسة الأميركية، شعر أن هذا السؤال في غير محله وقال: "صحيح أن الدولة الأميركية تمولنا ولكنني لم أحصل على أوامر من أحد". طبعا لا يترك موفق حرب فرصة الحديث للصحافة من دون أن يتحدث عن المحطات المنافسة ويجد صعوبة في العثور على كلمات إيجابية عن محطة "الجزيرة" التي يبدو أنه يتابع برامجها أكثر من متابعته برامج محطته. للتو كانت "الجزيرة" تبث شريطا للموضة. حرب أيضا يعير للموضة في برامجه أهمية وهناك أيضا مجلة رياضية مختصة بالفورمولا 1 وطبعا آخر صيحات وأخبار عالم الفن والسينما في هوليوود. لا ترتدي مذيعات "الحرية" الحجاب. كما تلقي مقدمة النشرة الإخبارية الرئيسية التحية للمشاهدين: مساء الخير عوضا عن السلام عليكم. قبل فترة أرادت "الحرة" الإساءة لمنافستها "الجزيرة" وقامت بعرض شريط فيديو لاجتماع تم بين عدي النجل الأكبر لصدام حسين الذي قتله الأميركان مع شقيقه قصي وابن الأخير، مع المدير السابق لمحطة "الجزيرة" محمد جاسم العلي. يشيد عدي في الشريط بدور "الجزيرة" ويصف المحطة بأنها متعاطفة مع العراق. إنه اللقاء الذي أدى إلى خسارة العلي منصبه لكن الشريط الذي صور في مارس / آذار العام 2000 كان الهدف منه اتهام "الجزيرة" بالتحيز للعراق. طبعا، رفض موفق حرب الكشف عن الجهة التي زودته بالشريط واكتفى بالإشارة إلى رفضه الكشف عنها لأسباب أمنية. لكنه قال: "لم نحصل عليه من الإدارة الأميركية".

يدين حرب بالشكر لرجل اسمه نورمان باتيز الذي يدير شركة إعلامية ويحتل منصبا في مجلس المستشارين الذي يبدي رأيه ببرامج "صوت أميركا". في العام 1942 تم إنشاء هذه المحطة لتبث برامجها الموجهة في ذلك الوقت لألمانيا النازية والمناطق التي احتلها جيش هتلر في أوروبا. بعد نهاية الحرب الباردة ظلت هذه المحطة تسلط برامجها على كوبا من دون أن تكترث كثيرا لدول الشرق الأوسط. إلى أن فكر باتيز بخطة فقام بقص صور يظهر فيها عرب يمزقون ويحرقون العلم الأميركي وعرض على مجلس الشيوخ إنشاء محطة موجهة للعالم العربي. في البداية حصل باتيز على بضعة ملايين من الدولارات استثمرها في محطة "سوا" التي كانت تبث موسيقى غربية وعربية وحصلت على نصيب كبير من المستمعين. بين أغنية لبريتني سبيرز وأخرى لنانسي عجرم كانت المحطة تذيع تصريحات جورج دبليو بوش. حين قرر باتيز القيام بمشروع أكبر حصل من مجلس الشيوخ على 120 مليون دولار من دون عناء هذه المرة. فقد أحس الأميركان بأن حملتهم العسكرية ضد العراق زادت النقمة ضد بلدهم، ومصالحهم أصبحت مهددة أكثر بكثير من السابق. في الغضون يجري التفكير بإنشاء محطة مشابهة لـ "الحرة" تبث برامجها بالفارسية وأخرى بالكردية وثالثة بالأوردية. يقول موفق حرب بضحكة خبيثة: كل هذا أقل كلفة من غزو عسكري. لأنه ليس من السهل الحصول على صحافيين عرب في الولايات المتحدة تم اجتذاب صحافيين غالبيتهم من لبنان تم إغراؤهم برواتب عالية وبطاقة الإقامة Green Card. "الحرة" لها منفذ سهل إلى البيت الأبيض ووزارتي الخارجية والدفاع مثلما لهذه الدوائر منفذ إلى "الحرة". بعد فضيحة التعذيب السادية في سجن أبوغريب منح بوش المحطة مقابلة تلفزيونية لتخفيف غضب العالم العربي قال فيها إنه سيطلب محاسبة المسئولين عن تعذيب المعتقلين العراقيين. أجرى حرب المقابلة مع بوش وتجنب فيها توجيه سؤال محرج. في العراق يبلغ عدد فريق "الحرة" 50 مما يشير إلى تركيز المحطة على المجريات في العراق وسعيها إلى الإيحاء بأن الغزو كان مجديا. بينما يقول حرب إن عشرين مليون مشاهد في العالم العربي يتابعون برامج "الحرة" يجد كثيرون أنها تفتقد إلى الصدقية لأنها لسان حال البيت الأبيض. العاملون في هذه المحطة يعيشون في خطر دائم. زين سليم على فكرة هو اسم مستعار تستخدمه مقدمة النشرة الإخبارية الرئيسية التي قالت إن أسرتها مازالت تعيش في بغداد. قالت زين: من يعمل مع الأميركيين لا ينام مرتاح البال

العدد 1035 - الأربعاء 06 يوليو 2005م الموافق 29 جمادى الأولى 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً