اختتمت قمة الاتحاد الإفريقي أعمالها الثلثاء الماضي في سرت "ليبيا" بحضور 50 زعيما إفريقيا. وطالبت القمة في بيانها تمثيل إفريقيا في عضوية مجلس الأمن الدولي وزيادة المساعدات الدولية تعويضا عن الفترة السابقة، وتشجيع "الديمقراطية" بعد مرحلة شهدت فيه القارة سلسلة حروب قبلية وحدودية وانقلابات عسكرية قوضت الاستقرار وأشاعت الفوضى.
ليس مصادفة أن تختتم القمة الإفريقية عشية افتتاح قمة الدول الثماني الصناعية الكبرى في اسكتلندا. فهناك علاقة اضطهاد وقهر وتسلط بين "قمة الفقراء" و"قمة الأغنياء". وبسبب تلك العلاقة بين التابع "الفقير" والمتبوع "الغني" توجهت قمة الاتحاد الإفريقي بسلسلة مطالب "عرض حال" على تلك الدول الغنية المجتمعة اليوم في غلين ايغلز. فمشكلة إفريقيا تبدأ من هنا وحين يتوصل الأغنياء إلى سياسة تعطي هذه القارة حقوقها يمكن القول إن حل المشكلة بدأ. وإذا استمرت الدول الثماني الكبرى في تجاهل حقوق إفريقيا سيبقى الفقر هو المسيطر مهما ارتفعت مساعدات التنمية.
قمة الفقراء توجهت في بيانها بسلسلة مطالب لقمة الأغنياء وعرضت مطالبها بشكل توصيات طالبت فيها الدول الثماني المساعدة على وقف نزاعات القارة وتحديدا في السودان وساحل العاج والصومال وبوروندي. كذلك طلب الفقراء من الأغنياء إلغاء الديون التي تكبل اقتصاد أكثر من 18 دولة إفريقية. وأرفقت قمة إفريقيا طلب إلغاء الديون ببرنامج يحث على زيادة المساعدات ورفع موازنة الانفاق على قطاعات التنمية.
هذه المطالب الإفريقية يتوقع أن تعالجها قمة الدول الثماني ويرجح أن تتوصل إلى تحقيق بعضها الا أن المشكلة ستبقى موجودة وستعود لاحقا إلى التفاقم لأن المسألة تتجاوز موضوع الشفقة والإحسان وتتصل مباشرة بتلك العلاقة المتأزمة بين الطرفين. فإفريقيا تعتبر أكثر القارات إنتاجا للمواد الأولية "الخامات" وهي الأقل استفادة من ثرواتها بسبب تعرضها للنهب المباشر من الشركات الاحتكارية "المتعددة الجنسية" أو النهب غير المباشر الذي تعتمده الدول الكبرى في سياسة التعامل مع أسعار المواد الطبيعية.
في ستينات القرن الماضي كانت إفريقيا تخضع للاستعمار الأوروبي "بريطانيا، فرنسا، بلجيكا، هولندا، البرتغال، واسبانيا" وأسهمت تلك الدول في نهب ثروات القارة وترتيب "طبقة" سياسية خاضعة لتوجهاتها وتنظيم "خلايا نائمة" في المؤسسات العسكرية. وحين انتفضت إفريقيا وطالبت بالاستقلال الوطني انسحبت تلك الدول تاركة القارة تتخبط في فوضى سياسية نظمتها تلك الخلايا "الجنرالات" في انقلابات عسكرية.
أوروبا انسحبت من واجهة السيطرة المباشرة وأخذت تتحكم باقتصاد إفريقيا باعتماد تلك "الطبقة" السياسية - العسكرية التي وفرت للشركات "المتعددة الجنسية" كل طلباتها مقابل السكوت عن فساد الحكومات المحلية وتهريب الأموال والمعادن الثمينة. فإفريقيا استقلت شكليا وخضعت لشروط اقتصاد السوق الأوروبية من خلال تحكم الوكلاء والشركات. فمنذ الستينات تعرضت تلك القارة للإذلال والإهانة بتواطؤ "النخبة المحلية" مع الشركات الاحتكارية. وتوافقت المصالح على تجميد أسعار الخامات بتوقيع عقود تجارية طويلة الأمد. وبسبب هذه التبعية تضخمت أسعار البضائع المصنعة مقابل بقاء أسعار المواد الأولية على حالها.
أدى هذا الأمر إلى انهيار اقتصادات الدول الإفريقية فوقعت الموازنات في عجز مالي واتسعت الفجوة في ميزان المدفوعات التجاري فاضطرت الحكومات إلى اللجوء إلى المصارف واخذ قروض مقابل فوائد مرتفعة وتأمينات عالية فازدادت المشكلات وتعثرت مشروعات التنمية وانهارت الطبقات الوسطى واتسعت دائرة الفقر واشتعلت الفتن الأهلية والحروب القبلية والحدودية.
هذه السياسة التي تقوم على علاقة التابع والمتبوع أورثت القارة تلك الكوارث التي تعاني منها إفريقيا. وحل المشكلة لا يقتصر على إلغاء الديون وزيادة المساعدات وإنما بإلغاء تلك العقود الاحتكارية التي تعطي للشركات المتعددة الجنسية حق تحديد سعر الخامات من دون مراعاة التضخم العالمي الذي تضاعف منذ ستينات القرن الماضي.
المشكلة بين الأغنياء والفقراء ليست في قلة الاعانات وضعف المساعدات فقط وإنما تكمن في تلك العلاقة بين الطرفين. وحين تصحح العلاقة تدخل المشكلة في سياق الحل ، وإلا ستبقى الكوارث قائمة حتى لو وافقت الدول الثماني على إلغاء الديون وزيادة مساعدات التنمية
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1035 - الأربعاء 06 يوليو 2005م الموافق 29 جمادى الأولى 1426هـ