كنت أنوي الكتابة عن اتفاق التجارة الحرة بعد أن وافق مجلس النواب عليه أمس الأول، لكن أهالي المالكية اتصلوا مرات كثيرة ليعلنوا: "انهدم الجدار". .. وان الوعود التي حصلت عليها اللجنة الأهلية تحققت فعلا، واستغرق هدم الجزء المتبقي والمخالف للقانون عدة دقائق، ليعلن أهالي المالكية فرحتهم بانتصار سيادة القانون وبعودة حقهم في رؤية البحر.
دروس كثيرة نتعلمها من انتصار أهالي المالكية. فمن ناحية بدأ الأهالي توحيد جهودهم واتفقوا على لجنة أهلية تحدثت باسمهم طوال فترة إقامة الجدار المخالف للقانون حتى إزالته. وهذه اللجنة الأهلية تعبر عن ارادة الأهالي لأنها منتخبة منهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة، لأنها ضمت شخصيات بينها عالم دين وعضو مجلس شورى وعضو مجلس نواب وعضو مجلس بلدي وعضو ناد وعضو صندوق خيري، الخ. هؤلاء توحدوا هدف واحد هو "إزالة جدار العزل" ونطقوا بلسان واحد ودافع كل واحد منهم عن الآخر.
درس آخر، هو أن اللجنة الأهلية طالبت بتنفيذ حكم القانون. بمعنى آخر أصبحت تمثل الشرعية القانونية في الأزمة بينما يمثل الطرف الآخر الاعتداء على القانون. اللجنة الأهلية قدمت درسا في الأسلوب أيضا، عندما أعلنت أنها تعتزم اتباع الطرق السلمية فقط، وأدانت أي محاولة من أطراف أخرى لحرف المسيرة نحو العنف أو الاصطدام، وعندما حدثت مناوشات أعلنت اللجنة، ومن دون تردد، إدانتها لكل من خالف القانون أو اعترض سيارة الأمن أو هدم الجدار من دون رخصة قانونية.
اللجنة الأهلية طلبت النصرة من الصحافة المستقلة، وعندما حاولت إحدى وسائل الاعلام تزوير الحقائق وقلب الطاولة لصالح الجانب المخالف للقانون رد أعضاء اللجنة بأسلوب هادئ جدا من خلال عرض الوثائق في صحيفة "الوسط"، ودحضوا كل كلمة لفقت ضدهم بعد اجتماعهم مع الشخص المعني بالمخالفة.
اللجنة الأهلية استعانت بالبرلمان، بغرفتيه الشورى والنواب، وحصلت على رسالة دعم من الكتل النيابية جميعها، ما شكل إجماعا وطنيا نفتقده حاليا عندما نتطرق الى قضايا الوطن المختلفة.
اللجنة الأهلية قدمت درسا آخر بأنها لا تشمت بأحد. فانتصارها بإزالة الجدار لن يكون منطلقا للشماتة، لأن الشماتة ليست من شيم الطيبين. كما أن اللجنة الأهلية لم تشمت بإحدى الصحف التي حاولت قلب الطاولة ضدها لصالح الطرف المخالف للقانون، ولكنها فشلت فشلا ذريعا.
أهالي المالكية يقدمون لنا دروسا كثيرة يمكن لكثير منا الاستفادة منها لكي يتعلم أن العمل السياسي لا يعني الصراخ وترديد الهتافات ومحاولة طرح كل القضايا في آن واحد من خلال الممارسات التي أصبحت مدانة لأنها تتكرر من أجل غاية الإزعاج فقط وليس من أجل تحقيق النتائج للمظلومين أو المطالبين بحقوقهم المشروعة.
"انهدم الجدار" كان خبرا مفرحا يوم أمس، ولكنه سيبقى من الأخبار المهمة التي تعطينا معنى العمل السلمي الديمقراطي المدافع عن حقوق الناس من خلال الوسائل القانونية المتوافرة لدى الجميع. وأملنا أن يراجع الناشطون والمتصدون للشأن العام كيف حقق أهالي المالكية غايتهم من دون تعطيل مصالح الناس ومن دون حرف الموضوع عن مساره الأساسي
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1035 - الأربعاء 06 يوليو 2005م الموافق 29 جمادى الأولى 1426هـ