التصريحات المهمة التي وردت على لسان الناطق الرسمي باسم الخارجية الإيرانية محمد رضا آصفي قبل أيام تستدعي الوقوف عندها، فهي في البداية تثير جملة من الأسئلة، يمكن تلخيصها في الآتي: أولا: هل انتهى التقارب الخليجي - الإيراني مع رحيل الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي؟ ثانيا: هل حان أوان تغيير السياسة الخارجية الإيرانية تجاه منطقة الخليج مع تغير الخريطة الإثنو - طائفية في المنطقة بعد سقوط النظام العراقي السابق؟ ثالثا: هل ستشهد العلاقات الخليجية - الإيرانية مرحلة جديدة من الصراع بعد أن عادت إلى الاستقرار خلال أقل من عشر سنوات؟ مثل هذه الأسئلة المشروعة بحاجة إلى دراسات جادة لتحديد إجاباتها، وقبل ذلك من المهم التعرف على قضية مهمة تتعلق ببلدان مجلس التعاون الخليجي ينبغي على طهران إدراكها قبل تكرار التهديد. فطوال السنوات الماضية التي عقبت تولي الرئيس خاتمي سدة الحكم في إيران حرصت بلدان مجلس التعاون على توطيد علاقاتها مع طهران، ولم يقتصر الأمر على العلاقات الاقتصادية، وإنما امتد ليشمل العلاقات السياسية والأمنية، وكذلك الدينية. وجاء هذا التطور في ظل تزايد القناعة بضرورة إزالة حال عدم الثقة التي سادت العلاقات الإقليمية عقب اندلاع الثورة الإسلامية في إيران مطلع العام ،1979 وبمرور الوقت أثبتت بلدان الخليج حرصها والتزامها بالتعاون وتعزيز الثقة مع إيران.
إلا أنه مع تزايد المساعي الخليجية نحو إصلاح الأنظمة السياسية والاقتصادية فقد ظهرت فرص كثيرة، وتحديات عدة مرتبطة بحرية التعبير والرأي والتنظيم، إذ أدى الإصلاح لزيادة هامش الحريات المتاح للأفراد للتعبير عن آرائهم وقناعاتهم وهو حق مكفول في جميع الأنظمة الديمقراطية، أو تلك التي تسعى إليها. وبالتالي فإنه من الطبيعي أن تظهر بعض الأطروحات التي قد تثير حساسية لدى بعض الجماعات أو حتى الحكومات وبلدان الجوار. ويمكن رصد هذه الحقيقة بشكل واضح عبر ملاحظة ما طرأ على العلاقات الخليجية - الخليجية من توترات وأزمات خلال السنوات الأربع الماضية، فهناك أزمة قبيلة المرة بين قطر والسعودية، وأزمة اتفاق التجارة الحرة البحريني - الأميركي بين المنامة والرياض، وأزمة رفع الشعارات والصور غير الوطنية بين المنامة وطهران خلال أيام عاشوراء الماضية، وغيرها من الأزمات.
هذا الواقع يحتم على طهران التروي قبل إبداء أية تهديدات حقيقية حتى لا تفقد الثقة التي نالتها عبر العلاقات الخليجية - الإيرانية المتميزة خلال حكم خاتمي، والإنجازات التي تحققت لا يمكن التفريط فيها لمجرد حوادث عرضية. وإذا كانت الحكومة الإيرانية الجديدة تنوي انتهاج سياسة خارجية مختلفة عن السياسة السابقة فإنها ستخسر الكثير، واستمرار التهديدات يعني وجود رغبة وإصرار على إلغاء الثقة المتبادلة التي ميزت العلاقات الإقليمية بين الطرفين طوال الفترة الماضية.
طبعا هناك اختلال في موازين القوى حاليا، إلا أنه لابد من النظر إلى القوة بمفهومها الشامل وليس المفهوم العسكري أو حتى الإثنو - طائفي. ولذلك فإنه لا يمكن الادعاء بضعف القدرات الخليجية في مواجهة القدرات الإيرانية. وفي النهاية فإننا لسنا بصدد تقييم موازين القوى بين الطرفين بقدر السعي نحو بيان أهمية الالتزام بضبط النفس، وعدم إثارة أية تهديدات من شأنها المساس بالثقة الخليجية - الإيرانية المشتركة، والإضرار بمصالحها العليا، فأية تهديدات متبادلة لن تستفيد منها إلا المشروعات الغربية لتغيير النظام الإقليمي الخليجي
العدد 1034 - الثلثاء 05 يوليو 2005م الموافق 28 جمادى الأولى 1426هـ