ما الذي يمكن أن يقدمه عمل يحمل امضاء ستيفن سبيلبيرغ مخرج الروائع والأعمال التي تتجاوز إيراداتها توقعات النقاد وحدود شباك التذاكر؟ بكل تأكيد فيلم يحمل كل مقومات العمل السينمائي الناجح، خصوصا حين نعرف ان نجم العمل هو توم كروز، أحد نجوم هوليوود الأوائل، الذي يكفي وجوده لإنجاح أي فيلم وليس أدل على ذلك من فيلم العام الماضي Collateral الذي تسببت نجومية كروز وجاذبيته في إنجاحه بشكل كبير على رغم ضعف حبكته وتفاهة حوادثه.
وكروز ليس النجم الساطع الوحيد في فيلم سبيلبيرغ الجديد هذا الذي أعطاه اسم "حرب العوالم War of the Worlds"، لكن هناك الصغيرة داكوتا فانينغ ذات القدرات الواعدة التي تألقت في السنوات الأخيرة وبهرتنا بأدائها في أفلام لعل آخرها فيلم الرعب "لعبة الاختفاء Hide and Seek" الذي ظهرت فيه أمام ذي الاداء المقنع دائما روبرت دونيرو، والتي تبشر قدراتها بظهور ممثلة قد تكتسح عرش النجومية وتنتزع لقبه من كثير ممن هم في مثل سنها. وليت الأمر يتوقف عند مخرج بارع ونجوم كبار إن أمكن اعتبار فانينغ نجمة على رغم حداثة عمرها الفني والحقيقي، بل إن سبيلبيرغ يبرع في اختيار اسم لفيلمه وملصق لا يقل روعة عما يمكن أن يقدمه الفيلم.
كل الدلائل إذا تشير الى فيلم باهر، رائع، ساحر، فاتن، معلم هوليوودي، روعة سبيلبيرغية، تألق كروزي، وسطوع فانينغي... لكن ألا تتفقون معي في أن كثيرا من المظاهر قد تخدع الأبصار وتغشي الأعين؟! هو كذلك، خدعنا سبيلبيرغ، مستغلا اسمين كفيلين بجذبنا وتضليلنا "كروز وفانينغ"، معلنا مرارا وتكرارا اقتباس قصة فيلمه من رواية رائعة كتبها الروائي الانجليزي اتش جي واليس الشهير بروايات الخيال العلمي المميزة، مانعا أي ناقد سينمائي أميركي وأوروبي من أن يكتب حرفا واحدا حول الفيلم قبل بدايات عرضه.
ما الذي فعله سبيلبيرغ، وما الذي أتحفنا به، ولماذا يعرضنا لكل تلك الترهات، ما الذي حدث، هل فقد مخرج الروائع لمسته المميزة، وهل يمكننا القول اننا نشهد بداية نهايته؟ أم هي هوليوود التي تثبت لنا عبر ما تقدمه من أفلام، حقيقة أزمة النصوص التي تمر بها، ليست السينما المصرية إذا وحيدة في ذلك!
يبدو الأمر كذلك وإلا لما اضطر سبيلبيرغ لأن يستعين بقصة خيال علمي كتبت في وقت ما في مطلع قرن مضى، مئة عام مضت، هل يعي قارئي ماذا يعني ذلك، نحن أمام قصة خيال علمي لرجل عاش قبل ما يصل الى المئة عام من الآن، كيف يمكن لنا أن نستعين بخياله ذاك الآن وفي العام ،2005 ونحن أمام تطورات تقنية وعلمية تفغر لها الأفواه تقلب كل موازين قصص الخيال العلمي وتفتح لكتابها آفاقا جديدة وتأخذهم إلى دهاليز أجزم أنها لم تخطر على بال حتى من كتبوا في الخيال العلمي قبل أعوام قليلة من الآن. ألم يع سبيلبيرغ ذلك ليقتبس لنا قصة تتحدث عن هجوم من فضائيين، ألم يعرف أن الجمهور، أي جمهور، شبع بل وأصابته التخمة من أمثال تلك الأفلام؟! أنا شخصيا أذكر أول فيلم شاهدته عن هجوم الفضائيين وكان ذلك في مطلع الثمانينات، والذي أحتفظ في ذاكرتي بكثير من تفاصيله وأجدها وبكل أسف شبيهة الى حد كبير بهذا الفيلم، مخلوقات تهاجم الأرض وتقتل الناس، لها رؤوس ذات شكل غريب، وأعين مدورة كبيرة، ما الذي يحدث هنا، لماذا تهزأ بنا هوليوود.
سبيلبيرغ يبدأ فيلمه بداية مثيرة متحدثا عن فضائيين يراقبون الأرض منذ ملايين السنين ويخططون للهجوم عليها منذ أزمان طويلة، لكنهم لا يهاجموننا الا الآن، ولا أعرف ان كان الآن شهر يوليو / تموز من العام 2005 أم انه تاريخ لم يتمكن مخرج الفيلم وكاتب قصته جوش فريدمان من تحديده، على أي حال يحدث ما لم يكن في الحسبان، إذ تفاجأ أميركا بأخبار عن انقطاعات في التيار الكهربائي عن دول كاملة في أوروبا يبدأها الفيلم بأوكرانيا، ما سبب ذلك يا ترى؟ لا أحد يعرف، لكن سرعان ما تنكشف الحقائق حين تهاجم المنطقة التي يسكنها كروز بسحابة سوداء تبدو كبدايات اعصار، يتلوها برق مرعب ثم ما يبدو كزلزال عظيم تخرج على اثره مخلوقات، عفوا كانت وحوشا قبيحة المنظر، لا ربما آلات أو ربوتات، لا أعرف لكن أشكالها كانت غير محددة، كما بدا مصممها مرتبكا الى حد كبير في وضعه لتفاصيلها، ولا أعرف لما اختار ان تكون لها ثلاث أرجل... ربما ليهزمها كروز بسهولة، ربما!
تهاجم هذه... لنطلق عليها "آلات"، تهاجم سكان المنطقة مطلقة عليهم أسلحتها التي تفصل أجسادهم الى، يعلم الله كما قطعة، لم أتمكن من العد فحركة اللقطة الرقمية سريعة جدا لتتمكن عيناي من التقاطها. يفزع الناس فنجد أنفسنا أمام كارثة بشرية، أراد سبيلبيرغ أن يوحي بكونها عالمية، فقد دمرت أوروبا وها هي تتجه الى أميركا، لا أعرف لماذا لم تأت الى الشرق الأوسط والى باقي دول العالم؟!، ولا أعرف لماذا بدت هذه الآلات بدائية ومتخلفة تهزم وتدمر بكل سهولة، ألم يكن الفضائيون الأغبياء، كما يوحي به الفيلم، يراقبوننا منذ ملايين السنين؟ فلماذا إذا لم يطوروا آلاتهم لتتناسب مع ما توصلنا اليه من تطور تقني هائل، لماذا تركوا آلاتهم الغبية مدفونة تحت الأرض ولم يطوروها، وهم الذين ينزلون مع البرق، ليختبئوا في تلك الآلات من دون أن يشعر بهم أحد. كذلك أريد أن أعرف لما لم نكتشف هذه الآلات، وباطن الأرض ليس خاويا ومجهولا وبعيدا عن أن تصله أيدينا، تحت الأرض يا سبيلبيرغ ويا فريدمان، ملئ بأنفاق القطارات، والأسلاك الكهربائية، ومواسير المجاري، وكثير من الأمور، وأنتما تعلمان ذلك، فلماذا هذا الهراء الذي لا صلة له بالواقع.
بعدها نرى طوابير من اللاجئين لعل سبيلبيرغ احتفظ في مخيلته بطوابير الفلسطينيين الذين هربوا من منازلهم إبان الاحتلال الاسرائيلي في بدايات قرن مضى، الصورة بدت لي مشابهة الى حد كبير وان كانت الأولى بالألوان بينما بدت الأخرى قديمة وبالأبيض والأسود. كروز طبعا، ولا يهم اسمه في الفيلم، لأن ذلك ما أراده المخرج والكاتب اللذان تعمدا على ما يبدو أن يقدما الشخصيات ببعد واحد، إذ لم نستطع التعرف على باقي أبعاد الشخصية، ولذلك لم أتمكن من التقاط الأسماء ولم أكترث للبحث عنها في صفحات الانترنت.
كروز يحمل ولديه ويهرب من سطوة الآلات، متنقلا بين المناطق، حتى يصل الى بر الأمان ويكشف بعبقريته الأخاذة موطن ضعف الآلة فيقضي على الأولى منها لتتوالى بعدها انهزاماتها، على فكرة كروز في الفيلم ليس عالما ولا أي شيء، هو رجل عادي فاشل في حياته الزوجية وفي علاقته مع أولاده يعمل سائق شاحنة لرفع البضائع، لا غير!
لن يرعبكم الفيلم، ولن يشوقكم، ولا أعرف فعلا إن كان سيعجبكم، أو إن كان بعضكم سيجد فيه "إسقاطات سياسية مثلا، خصوصا إذا تم التركيز على الحوار"، أم إنكم ستتحسرون على ما ضاع من أوقاتكم في متابعة ترهات هوليوودية مملة وقديمة وبالية، أكل الدهر عليها وشرب، وستظلون تسألون: أين هي حرب العوالم يا سبيلبيرغ، أين هي الحرب أصلا؟
إقرأ أيضا لـ "منصورة عبد الأمير"العدد 1034 - الثلثاء 05 يوليو 2005م الموافق 28 جمادى الأولى 1426هـ