العدد 1034 - الثلثاء 05 يوليو 2005م الموافق 28 جمادى الأولى 1426هـ

يتلاعبون بالإعلام والصحافة في جامعاتنا

ثمة "نماذج تصنع ذاتها" والبقية خيبة أمل...

عادل مرزوق Adel.Marzooq [at] alwasatnews.com

-

"يمكن لوسائل الإعلام الحرة أن تساهم في تحسين حال الدول والمجتمعات. لكن، لكي تتمكن من ذلك، عليها أن تقوم في أحيان كثيرة بعملية تحسين ذاتية"

فريدريك شيك

نائب مدير الوكالة الأميركية للتنمية الدولية

لا يمكننا أن نستمر في السكوت على هذه المخرجات البشرية المتواضعة للجامعات الخليجية، إذ إنه وخلال هذه الفترة الحساسة والمضطربة بالنسبة إلى المنطقة العربية، تلعب الكوادر الإعلامية دورا رئيسيا في صوغ المرحلة سياسيا، هذا إذا ما اتفقنا أن للإعلام سلطة على المجتمع المدني يجب احترامها والاهتمام بتنميتها.

خليجيا، مازلنا مبهورين بالتجربة المصرية في الإعلام، ومازالت جامعاتنا تستنزف كتب الستينات والسبعينات لأساتذة الإعلام المصريين آنذاك. وثمة ضحالة معرفية فارقة بين أبجديات إعلام اليوم، وإعلام ما قبل ثلاثين عاما، إلا إن البعض من الإكاديميين العرب تسير بهم دفة الخبرات "المجهولة" إلى مراهنة أكاديمية جديدة على مستوى الكارثية، قديمة على مستوى الأدوات، وهي صناعة الإعلامي الآلي، بمعنى أن تقوم المؤسسات الأكاديمية بإخراج كوادر فنية قادرة على ممارسة كل أنواع العمل الصحافي والإعلامي، إلا أن هذه الكوادر تعتبر جاهلة بما تحمل وبما تنقله للناس من معان ومحتويات، سياسية كانت، أو ثقافية، أو اجتماعية.

هذا النموذج الفارغ المحتوى، يمثل خيارا استراتيجيا لمؤسسات الإعلام المؤدلجة، إلا أنه خطر محدق بالإعلام وأدواره ووظائفه المدنية. هذه النماذج غالبا ما يلتف المراهنون عليها، بإدعاء أنها أحدث نظم التعليم والإعداد الأكاديمي، إلا أن أبجديات التعليم الجامعي في الولايات المتحدة أو أوروبا، تذهب الى إنتاج كوادر بشرية ذات بعدين، بعد المعرفة، بالإضافة الى البعد التقني والحرفي. ولا أدري منذ متى كانت جامعات الغرب تسير في هذا الاتجاه من التعليم الأكاديمي كما يدعي هؤلاء.

الصحافيون الجدد

اليوم، تبقى أقصر الطرق أمام الصحافيين الجدد الشباب، للظهور واكتساب الشهرة، هي الانسياق الأعمى للكتابة التقليدية في مسارين متضادين، فإما في صالح الدولة، وهم الصحافيون الجدد من طبقة المتملقين. أو الخروج عن هذا السياق لصفوف المعارضة، وغالبيتهم تقف خلف المعارضة لأجل المعارضة، فتجدهم ساسة "صغارا"، يتلاعبون بالإعلام والصحافة عن جهل بالإعلام والسياسة في الوقت نفسه.

الظاهر، أن الصحافي الخليجي عموما لابد له من أن ينحاز الى أي سلطة من السلطات المجتمعية، حتى يكتسب رصيدا جماهيريا يشفع لاسمه بالبقاء والتداول. أما الإعلام بوصفه سلطة وأداة ضبط اجتماعية لها جبروتها وسلطانها، فهو ما لم تسمع به آذان الصحافيين في جامعاتنا. لذلك فهو خيار لا بيئة له.

ثمة ظاهرة جديدة للصحافيين الجدد وهي التسلق المباشر نحو القمة، عبر الخوض في الحقل السياسي مباشرة، فخريجو الإعلام اليوم، والذين لم يقرأوا شيئا في السياسة، أصبحت أقلامهم خفيفة جدا في تسطير المقالات السياسية السابرة والمحللة لكل فنون السياسة والصراع المحلي أو الدولي على حد سواء!

وتبقى صحافة الكشف والاستقصاء، وهي ركن التأسيس للصحافة المدنية وللصحافي المدني، تعتبر أبرز الأركان الغائبة عن صفحات صحفنا الخليجية. ولا شك في امتداد وتفاقم هذا الاشكال يوما بعد يوم، ما بقى اعلاميينا حتى اليوم عاجزين فعليا عن إدراك تعريف الصحافة؟ أو عن تحديد مهمة الصحافة؟ فالصحافة الخليجية عموما والعربية نسبيا هي كالأجهزة الإلكترونية، كالتلفاز أو الهاتف، أشياء استوردناها من الغرب، وإذا كنا في الغالب مستهلكين سيئين لتلك الأجهزة البسيطة، فنحن بلا شك مستهلكون سيئون للصحافة، على ما يبدو لي شخصيا.

صراعات الإعلام الجديدة

ويذهب مدير التحرير في وكالة "اسوشييتيد برس/ قسم الإذاعة"، براد كالبفيلد الى أن إشكال المعلومة الصحافية اليوم هو إشكال "الصدقية والدقة"، ففي "عصر المعلومات التي لا يخلو منها مكان يتعين على المستهلكين أن يميزوا الغث من السمين، وأن يعرفوا كيف يستطيعون أن يثقوا فيما يرونه. وسيعتمدون بدرجة أكبر من أي وقت مضى على الممارسات الصحافية لمؤسسات الإعلام".

ويذهب كالبفيلد الى أهمية تغطية الأخبار بحرفية إعلامية وصحافية بالغة من أي وقت مضى، "بسبب تأكيد الأهمية القصوى للحصول على حقائق راسخة كالصخر". ويؤكد أهمية الدور الذي يلعبه الصحافيون اليوم "يفعل الصحافيون أكثر من مجرد إحضار المعلومات إلى العامة. لقد انتقلنا من عصر المعلومات القليلة إلى عصر التخمة".

الحقيقة أن الصحافيين اليوم خصوصا في هذه المرحلة السياسية العربية القلقة يلعبون أدوارا تاريخية، وإذا كانت الصحافة العربية في سبعيناتها وثمانيناتها أنجبت لنا أسماء نجحت في صوغ دور مؤثر للصحافة العربية تلك المرحلة، فالحال اليوم هي أشد تعقيدا وخطورة، فالصحافيون "فارغو المحتوى"، والذين تتفنن أقسام وكليات الإعلام في تخريجهم، لابد من التصدي لأفعالهم التقويضية لسلطة الصحافة وتأثيرها الاجتماعي، وكذلك لابد لنا من مواجهة مؤسساتنا الأكاديمية بأنها "من دون المستوى"، سواء على صعيد مناهجها النظرية، أو برامجها التدريبية على حد سواء.

لطالما كانت المعادلة في الصحافة الغربية، ان تكون الجامعات سلطة ضبط للمؤسسات الاجتماعية، إلا أن الواقع اليوم، هو أن الجامعات الخليجية تعاني من ترهل موغل في برامجها الإعلامية، وهي عاجزة أمام مسايرة واقع التجربة السياسية والإعلامية على أرض الواقع، قزامة المستوى الأكاديمي والمنتج العلمي، ثمة صورة مشوهة تنتجها مؤسساتنا الأكاديمية من الإعلاميين والصحافيين "الفارغين".

الزاوية الحرجة

الزاوية الحرجة في إعلامنا العربي اليوم، هي زاوية تحديد وظيفة الصحافة. لابد من محاولة جادة وجريئة من قبل رؤساء تحرير الصحافة الخليجية في تخطي كلاسيكيات الصحافة العربية، والتي تذهب إلى تحجيم الصحافة في دور الناقل للخبر "نظريا"، أو ذلك الجهاز الترويجي لأفكار المؤسسات السياسية الجاهزة والمعولبة "إجرائيا". لابد أن تتخطى صحافتنا هذا الحاجز التاريخي نحو فضاءات جديدة من العمل الإعلامي الجديد.

كتب الأميركي بوليتزر "أول من أسس كلية للصحافة في العالم، وتمنح شهادة سنوية باسمه لأفضل صحافي أميركي" يقول: "إن جمهوريتنا وصحافتها ستنهض أو تنهار في الوقت نفسه. فالصحافة القديرة، النزيهة "المتجردة"، التي تهتم بالصالح العام، والمتمتعة بعقول ذكية مدربة لمعرفة ما هو صائب، والتي تملك الشجاعة لتحقيقه، بإمكانها المحافظة على تلك الفضائل العامة التي من دونها تكون الحكومة الشعبية التمثيلية صورية، ومدعاة للسخرية. فالصحافة المتهكمة التي تشكك بالفضائل البشرية، ستنتج مع الوقت شعبا خسيسا مثلها. فسلطة صوغ مستقبل المجتمع الحر ستكون في أيدي صحافيي الأجيال المقبلة".

وهذا - تحديدا - توصيفنا اليوم، فنحن بحاجة الى صحافة نوعية متطورة وقادرة على الإنتاج النوعي المميز، وهذا ما يحدده أستاذ الصحافة المحترفة، الأميركي وليام ف. بدعوته إلى ضرورة أن يتعلم الصحافي الذي يأمل العبور الى الصحافة المدنية كلا من الموضوعات الآتية: التاريخ، والعلوم النظرية، والأبحاث، وتشكيلة واسعة من الموضوعات الأخرى. لكن لابد أن يعتمد تركيزها الأساسي على التجارب العملية، فتعليم نقل الأخبار والكتابة لا يكفي. إذ إن المجتمعات الجادة في النهوض بحاجة إلى مدرسين ومدربين من حملة الشهادات العالية، قادرين على إدارة الأبحاث وتطوير النظريات في فن الصحافة. ولابد من قهر الصورة الذهنية عن التقاطع بين العمل الأكاديمي والتطبيقي، ولابد من قطع تلك الهوة بين الصحافيين والأكاديميين.

في صحافتنا الخليجية لدينا أسماء جديدة تتصف بالتميز والمهنية، إلا ان جميع هؤلاء يقرون بأنهم "صناعة ذاتية"، ويؤكدون ان المؤسسات الجامعية لا علاقة لها بصقل مواهبهم المكتسبة بالقراءة والبحث الذاتي. وهذا تحديدا من تجده اليوم في "الكتب الصفراء"، والتي ترزح بها مكتبات الجامعات الخليجية والعربية، والتي تتواطأ من الحرس القديم من الأكاديميين في كبح جماح نهوض صحافتنا اليوم، وتبقى تلك الرؤى الإعلامية الحديثة في الإعلام بعيدة عن إعلاميينا، وبالتالي، عن أية إصلاح سياسي تدور علاماته هنا أو هناك

إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"

العدد 1034 - الثلثاء 05 يوليو 2005م الموافق 28 جمادى الأولى 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً