العدد 1033 - الإثنين 04 يوليو 2005م الموافق 27 جمادى الأولى 1426هـ

سريع البديهة حاد الذكاء... "رشيد" كان أشهر لاعب شطرنج

واشنطن - محمد الخزاعي 

تحديث: 12 مايو 2017

فوجئت صباح اليوم بمطالعة خبر وفاة محمد رشيد خلال زيارة عمل للولايات المتحدة. كان محمد رشيد لمن لا يعرفه أشهر لاعبي الشطرنج عبر الأجيال في البحرين. ومتى ما ذكر الشطرنج سيظل مرتبطا بثلاثة أسماء من الرواد، كان هو ثالثهم، لا يمكن تجاهلهم أو نسيانهم بأية حال من الأحوال اذ كان لهم دور ملموس في تطور ونشأة الشطرنج وفي تاريخ وتطور نادي العروبة في المنامة كأهم مراكز الشطرنج في المملكة قبل أن يتوارى دوره ويسلمه لمؤسسات أخرى أقل شأنا.

كان الرواد الثلاثة المرحومان الأستاذ إبراهيم العريض ويوسف الشيراوي اللذان استحقا لقب الأستاذية بفضل علمهما وأدبهما أما محمد رشيد فقد استحق لقب الأستاذية في هذه الرياضة الفكرية بالفطرة والممارسة بجدارة من خلال حرصه على ممارستها حتى عهد قريب من وفاته عندما انقطع عن اللعب بسبب وفاة الأستاذ يوسف الشيراوي قبل عامين وكان ذلك إيذانا بفرط العقد الفريد والعهد المقدس بين هذين الأستاذين . لقد كان الشيراوي ومحمد رشيد يشكلان ثنائيا عجيبا فلم يكن يحلو لهما اللعب إلا مع بعضهما وكانا خصمين غريمين وصديقين لدودين جمعتهما هذه الرياضة التي يتساوى فيها الجميع أمام الرقعة على رغم تفاوت المشارب والطبقات الاجتماعية.

في خمسينات القرن الماضي كان نادي العروبة في مقره الثاني على شارع الزبارة في المنامة واحدا من أهم مراكز الإشعاع الثقافي في البحرين. وكانت رياضة الشطرنج الفكرية واحدة من أهم أنشطته التي يزاولها أعضاؤه اذ خصصت لها قاعة خاصة وأقيمت فيها الدورات الداخلية ومن ثم الدورات العامة في قاعته الكبرى. هناك كنا نلتقي، وأنا في سنين المراهقة، ونتحلق حول طاولة الأساتذة، وأتعلم منهم على استحياء النقلات والافتتاحيات. ولم أجرؤ على اللعب معهم إلا عندما واتتني الفرصة كلاعب احتياطي أبدأ مع أحدهم لأنال من الهزائم المنكرة ما استحق لمقارعتي الكبار، لأفسح المجال من بعده مستسلما وتاركا مقعدي للأستاذ يوسف الذي عادة ما يأتي متأخرا قليلا بعد وصول محمد رشيد.

في نادي العروبة كان لنا موسمان صيفي وشتوي. في البداية لم يكن النادي قد عرف التكييف بعد. ففي فصل الصيف كنا نلعب في الطابق الثاني أو السطح المطل على الشارع حيث كانت توضع الطاولات. وعندما يعتدل الجو ننزل إلى الطابق الأرضي في قاعة الشطرنج التي تفصلها عن مكتبة النادي غرفة جلوس الأعضاء. في قاعة الشطرنج كنا مجموعة من الشباب الصغار نجتمع حول طاولة الكبار ونراقب بهدوء من دون أن نجرأ على التدخل أو التعليق.

كان محمد رشيد، أو "أبوعلي" كما كنا نناديه و"رشيد" فقط عندما كبرنا قليلا وأسقطت الكلفة بيننا، بطل الشطرنج بلا منازع وأفضل اللاعبين على رغم أنه لم يكن من بين من درسوا أصول اللعب من الكتب والمراجع. كان لاعبا سريع البديهة متوقد الذكاء ويشن هجومه بلا هوادة لينتصر في النهاية.

كان لقرب النادي آنذاك من مسكنه في القضيبية أمام مقام الخضر عامل ارتباطه بالنادي الذي كان على بعد خطوات فقط. غير أنه عندما نقل مقر النادي إلى الجفير، كاد أن ينقطع عنه تماما إلا إذا وجد من يأخذه إلى هناك. وكان الأستاذ يوسف في معظم الأحيان يصحبه أو يقوم بترتيب من يوصله إلى النادي الجديد.

هناك تغير الوضع فقد شببنا وتخطينا سن الرشد وصرنا رجالا وإن كنا في حضرة الأساتذة الرواد مازلنا صغارا فقد كنا نكن لهم كل تقدير واحترام وفوق كل ذلك محبة من نوع خاص. في قاعة الشطرنج في النادي الجديد كنا نتحلق حول طاولة الأستاذ يوسف اذ كان ينازل رشيد وكان الكل يعلق على اللعب إن لم يكن يتدخل، عادة ما يكون ذلك لصالح الأستاذ يوسف، الأمر الذي يثير غضب رشيد ويجعله يردد عبارته الشهيرة "ما يخلونه يلعب بروحه"! كان فريق المشاغبين يضم المرحوم جاسم فخرو، المرحوم صقر الزياني،الأستاذ تقي البحارنة، كريم محسن، غازي الموسوي، سعيد ضيف، إبراهيم الدرازي، محمد الغسرة، محمود العية، إبراهيم تدين، صالح سيف ومحمد الخزاعي وآخرين.

كنا نعلم مبلغ ذكاء رشيد وإتقانه للعب غير أننا من باب المداعبة كنا نطلق عليه صفة الغشيم والسخرية من أنفسنا عندما يهزمنا. مع ذلك كنا نناديه بالغشيم كأننا نردد ما كان ينادينا به.

كان لرشيد أسلوبه المتميز في اللعب يعتمد على السرعة وعلى تصيد أخطاء الخصم وإضعافه من خلال التفوق المادي والعددي للقطع. فعندما يستطيع اقتناص قطعة أو قطعتين يصبح الخصم ضعيفا وبالتالي يمكن التغلب عليه بسهولة من خلال التكسير الذي لا يتطلب مهارة فائقة! ولأن أسلوب رشيد في اللعب يعتمد على السرعة، فإننا نتعمد في بعض الأحيان اللجوء إلى الإطالة والتباطؤ في اللعب من أجل النيل من صبره وإثارته وهو ما قد يؤدي إلى وقوعه في الخطأ في بعض الأحيان.

كانت دورات الشطرنج والبطولات التي يقيمها النادي والاتحاد البحريني للشطرنج لا تكتمل إلا بوجود رشيد ويوسف الشيراوي اللذين يطلب منهما افتتاح الدورة من خلال مباراة استعراضية عادة ما تتكون من عدة نقلات تنتهي بالتعادل.

عاش رشيد حياته المديدة محبا لهذه الرياضة الفكرية وظل يزاولها حتى أيامه الاخيرة ما يثبت أن هذه الرياضة يمكن للمرء أن يزاولها طالما ظل محتفظا بقواه وملكاته العقلية. وكان بفضل حبه لهذه الرياضة أن علمها لأبنائه الأربعة. لقد كانت أسرته بحق أسرة شطرنجية اجتمع الأولاد على حبها وبرز اثنان من بينهم كلاعبين جيدين هما يوسف وعبدالعزيز. وكان الأخير لاعبا واعدا لولا اضطراره لهجر اللعبة في سن مبكرة.

رحم الله رشيد الذي كان مثالا للمواطن البحريني الصالح البسيط المحب للجميع. لقد أحببناه وأعجبنا به لطيبته ودماثة خلقه واستقامته. كان فوق ذلك لاعبا فذا لا تملك إلا أن تعجب به وتكن له كل احترام





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً