العدد 1032 - الأحد 03 يوليو 2005م الموافق 26 جمادى الأولى 1426هـ

أداء الصحافة المحلية... الإفراط في التضليل

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

ينقل جيمس سكوت في كتابه "المقاومة بالحيلة" أقوالا لكل من عمانوئيل كانط: "إن القوة الخارجية التي تحرم الإنسان من حرية توصيل أفكاره بشكل علني، تحرمه في الوقت نفسه من حرية التفكير"، ولجان جاك روسو "لا يمكن للسيد أن يكون حرا"، كما يستشهد في افتتاحية أحد فصوله بالحوار أدناه عن يوريبيدس، "الفينيقيات": جو كاستا: ما هي طبيعة المنفى؟ وما الذي يجعله قاسيا؟ بولينيس: ثمة أمر واحد أسوأ منه، وهو ألا يمكن للمرء أن يفصح عما في باله.

جوكاستا: لكن تلكم هي العبودية، من قبيل العبودية ألا يتمكن المرء من الإفصاح عما في أفكاره.

بولينيس: إن على المرء أن يتحمل ما لدى سادته من افتقار إلى الحكمة.

مناسبة الاقتباس، ما يتردد عن ان انتشار الاعتصامات والمظاهرات ما هو إلا عدوى لمرض بدأ ينتشر، وشوهد في أوكرانيا ولبنان ولدى حركة "كفاية" المصرية. نرى ان هذا الخطاب السياسي المراوغ الذي تبثه بعض وسائل الإعلام بحاجة إلى قراءة وتفسير وفهم، وبلورة سؤال محدد عن إمكان إيقاف السطو على حقوق المواطنة وحرية الرأي والتعبير، لاسيما وأن البعض على قناعة تامة بأن خلف ذلك الفعل أفخاخا ومصائد قد تنال من سيادة الدول وتفسح المجال للتدخل في شئون حكوماتها.

الصحافة المحلية وكواجهة نقل للرسائل الإعلامية كشفت بدورها عن الملابسات والحملات التضليلية التي تمارسها بأقنعة وأشكال مختلفة، وخصوصا حينما تعاطت مع المسيرة التي نظمتها الأمانة العامة للمؤتمر الدستوري "17 يونيو/ حزيران 2005". ففي الوقت الذي لا يجرم النظام ولا الدستور التجمعات أو الاعتصامات أو التظاهرات، إلا إن هذه الواجهات الإعلامية غالبا ما تصم حركات الشارع بأنها غير جماهيرية، وإنها تغلق شوارع البحرين المختنقة أصلا، أو إنها تخرج غير مرخصة ومخالفة للقانون، وإن الوطن لا يجني من ورائها سوى الفوضى وتعطيل مصالح المواطنين. وهي تعكس بحسب تلك الآراء جهل القائمين عليها بحقوق المواطنين وعدم احترامهم لحريات الآخرين وحرصهم على وحدة الوطن.

وبشأن المسيرة المذكورة كتبت صحيفة محلية في اليوم التالي خبرا صغيرا جدا في الصفحة السابعة بعنوان "لم تحظ بحضور جماهيري متوقع"، وأنه شوهد أعداد من رجال المرور الذين عملوا على تنظيم سير المسيرة التي رفعت أعلام المملكة وحافظت على طابعها السلمي، وإن هناك نوابا في مدينة حمد تلقوا اتصالات يشكو البعض منها من تعطيل المسيرة للشوارع والمصالح. صحيفة أخرى في اليوم نفسه وبصدر صفحتها الأولى كتبت: "المواطنون مستاءون من المسيرات العشوائية"، وبأن عددا كبيرا من المواطنين القاطنين في مدينة حمد أبدوا استياءهم الشديد لما سببته المسيرة من معاناة واضطرار المواطنين إلى الوقوف في الشارع وسط الحر والشمس اللاهبة، وانتقدوا شرطة المرور الذين ساهموا في تعطيل حركة السير حينما أغلقوا الشوارع قبل انطلاق المسيرة المزعومة لاسيما وأنه لا يوجد شارع بديل ما بين الدوار الأول والثالث.

افتتاحية أخرى في 18 يونيو ،2005 بعنوان "حمى الاعتصامات" يقرر كاتبها: "انه في ظل دولة القانون والمؤسسات لا يتم في العادة اللجوء إلى أسلوب الاعتصامات والمسيرات إلا نادرا حينما تتعرض مصالح جماعة ما لما يضر بها لأي سبب من الأسباب داخليا كان أم خارجيا سواء ارتبط ذلك بالسلطة أم لا علاقة لها به". وأضاف: "إن السبب يكمن في الميل إلى المحاكاة والتقليد، وإلى أن الجمعيات المعارضة لا تلجأ إلى الاعتصام والتظاهر من أجل التعبير عن الرأي أو جذب الأنظار إلى قضية هم يرون أهميتها وإنما من أجل فرض رؤاهم وأفكارهم على الغير". ولكنه استدرك قائلا: "مازالت سمات الجمود والركود على الكسل واستغلال النفوذ واستعمال الرشى في قضاء الحاجات والتخلف عن التطوير مسيطرة على عدد من الأجهزة المهمة في الدولة على رغم برنامج الإصلاح"!

وعلى خلاف ذلك، نشرت "الوسط" على صدر صفحتها الأولى تغطية للخبر نفسه بعنوان: "المسيرة تدعو إلى عدالة توزيع الدوائر الانتخابية والآلاف يطالبون ببرلمان كامل الصلاحيات". وباستثناء ما جاء به الخبر الأخير، ثمة اعتراضات يمكن إبداؤها هنا، وهي تتجلى في السؤال الآتي: ما الذي يدفع المواطنين لكي يتمثلوا الرؤية المقدمة لهم عبر الرسائل الإعلامية أعلاه، خصوصا وبالنظر لما تصبو إليه الأجندة المحكمة سلفا، وفي الوقت الذي تتمثل من أمامهم خيارات أخرى متعددة ومتنوعة؟

الحقوق أرفع من القوانين

بداية لابد من الاتفاق على أمور مهمة جاء ذكرها في كتاب "الديمقراطية وتحديات الحداثة بين الشرق والغرب" لإيليا حريق، من مثل: "أن الإنجاز التاريخي لحريتي الكلام والتجمع السياسيتين خفض إلى حد كبير، من مخاطر صعوبة التعبير السياسي المكشوف". بمعنى آخر ان في حرية التعبير متنفسا وتفاديا لأي احتقانات سياسية غير محسوبة. وذكر أيضا: "ان الأكثرية الساحقة من الناس كانت ولاتزال رعايا لا مواطنين، وهناك حاجة إلى الفسحة السياسية الشاسعة ما بين لحظة الهدوء والفوران". مجال الحديث بالمقابل، يستوجب المقاربة والموازنة ما بين القول "إنه في ظل دولة القانون والمؤسسات لا يتم اللجوء إلى الاعتصامات والمسيرات إلا نادرا"، وما جاء على لسان المحامي حسن رضي لصحيفة "الوسط" بتاريخ 18/6/،2005 من أن "هذه مسيرة حقوقية، والمشاركة فيها واجب على كل مواطن يؤمن بالمواطنة، والمشاركة هنا ليست حكرا على السياسيين، وأن المؤتمر الدستوري، دستوري، والدستور أبو القوانين. وقول الحكومة بأن الأمانة العامة للمؤتمر الدستوري غير قانوني، هو كلام غير قانوني، فالحقوق أرفع شأنا من القوانين، والقانون الذي يحجر على الحقوق هو قانون قمعي".

إذا؛ للمواطن البحريني حقوق هي الأرفع شأنا من القوانين، وحرية التعبير عنها فيه ما فيه من صحة وعافية للمجتمع من أي احتقانات متوقعة، والقول بخلاف ذلك هو قول قمعي وتسلطي.

في سياق الاعتراضات، يرجع بعض المحللين "غياب الاحتجاجات أو المعارضات على أنه إشارة من إشارات الرضا أو على أقل تقدير على عدم وجود ما يكفي من عدم الرضا الذي يستثير التعبئة السياسية، كما أن هشاشة الجماعات المحكومة هي التي تسمح للنخب بأن تسيطر على الزمن السياسي وتخلق عوائق فعلية تقف ضد مشاركة الآخرين في ذلك الزمن".

السؤال، هل يصح القول بأن شعب البحرين هش، وأنه أرسل إشاراته المعبرة عن الرضا والتقدير بما يكفي لكي تتوقف الاحتجاجات أو المعارضات؟ الواقع يقول: "لا" و"لا كبيرة". لماذا؟ لأسباب كثيرة منها أن نسبة لا تقل عن 47 في المئة من المواطنين اختارت خيار مقاطعة انتخابات ،2002 ورسالة المسيرة الأخيرة تبلورت في اعتراض كبير على تقاسم سلطة التشريع ما بين مجلس نواب منتخب وشورى معين، وعلى عدم رضا عن التوزيع غير العادل للدوائر الانتخابية بين المواطنين، وكذا الأمر بالنسبة إلى الإخلال بمبدأ الفصل بين السلطات، وفرض صوغ القوانين من قبل الحكومة سواء المتعلقة بالتجنيس أو تحصين القوانين السابقة السارية منذ عهد أمن الدولة. إذا، الأصل إن الاعتصامات والاحتجاجات هي من أجل الإصلاح الحقيقي ولتأكيد المشاركة الشعبية والقضاء على الفساد ومكافحته، والأهم من هذا وذاك، المشاركة في شئون الحكم على أسس العدالة والمساواة بين المواطنين من دون تمييز، فضلا على ألا يكون التشريع أداة رهينة بيد السلطة التنفيذية.

اعتراض أخير: هل نحن بصدد مستوى من العلاقات المألوفة التي حكمت ولاتزال المعارضة بالحكم، مع الملاحظة لتاريخية تلك العلاقة التي استندت في الماضي على مبدأ الإكراه والتأثير بعوامل التخويف والإخضاع أو العقوبات، أم هي على مستوى علاقة حاضرة تستند على التهميش وما يبث عبر الوعي الزائف الذي يمارس من خلال الأقنعة الإعلامية، بحيث يسمح للنخبة الحاكمة والمتنفذين بمزيد من الاستئثار بالسلطة والتحكم بجميع قوى المجتمع عبر عدم الفصل بين السلطات وهيمنة السلطة التنفيذية؟

إن أزمة هذه العلاقة تتجلى بوضوح تام في الملف الدستوري، وهي صورة من صور الهيمنة التي يبررها النظام لنفسه، ويعبر عنها بشكل مادي يتمثل في أنظمة قوانين العمل أو التشريعات الخاصة بالحراك السياسي وشرعنته وغيرها من القوانين، وهي وإن اتفقنا على وجودها أي - الهيمنة - فإننا سنكون أمام حاجة ملحة تأتي في سياق النظام وتبلور أشكال متعددة من المقاومة العامة والعلنية، أما في شكل تظاهرات أو عرائض أو اعتصامات أو مسيرات، والأهم بلورة رؤية مناهضة تدعو إلى المساواة في المواطنة وعلى ما تم التوافق عليه منذ لحظة ميثاق العمل الوطني.

إن "دولة القانون" التي يتم الحديث عنها، ويحث المواطن على الالتزام بقوانينها وتشريعاتها يراها إيليا حريق بأنها ليست مثالية ولا تخلو من الضرر، وهي لا تمثل نموذجا سلوكيا أو موقفا مجردا من الغايات، بل هي تجسيد لنمط توزيع النفوذ السائد، إذ إن بعض هذه القوانين والأعراف تفرض حيزا حرا غير متساو مع الحيز الحر المرسوم لمواطن آخر وفي وضع مماثل. ولا أدل على ذلك غير القانون الانتخابي التمييزي الذي تعترض عليه المعارضة الدستورية البحرينية.

مطلوب إدراك ان ممارسة الحرية ومنها حرية الرأي والتعبير بكل أشكالها لا تسود ولا تنشط في بيئة بريئة ومعافاة كما يشير حريق، إنما هي قائمة على مبدأ حركة وصراع ومنافسة وغلبة. إنها تمارس في مجتمع تسوده الأهواء والمصالح في المنافسة والصراع، وما السياسة سوى تصارع قوى مختلفة من أجل ترتيب أمور البيت ترتيبا مناسبا على ذوق الفريق الذي يمثل موازين القوى لصالحه

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 1032 - الأحد 03 يوليو 2005م الموافق 26 جمادى الأولى 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً