العدد 1032 - الأحد 03 يوليو 2005م الموافق 26 جمادى الأولى 1426هـ

لبنان... والائتلاف الطائفي

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

يتوقع أن يعلن اليوم أو غدا رئيس الحكومة اللبناني المكلف فؤاد السنيورة حكومته، وهي الأولى بعد الانتخابات النيابية التي جرت في أجواء دولية وإقليمية ومحلية عاصفة.

يفترض في الحكومة الجديدة ألا تكون تقليدية. وهذا احتمال وارد، ولكن ظروف لبنان لا تسمح بنمو عقلية انقلابية على موروث تراكم منذ الاستقلال. فهناك الكثير من التعقيدات والملابسات تضغط دائما على كل تحول كبير. فالتركيبة اللبنانية الاجتماعية ضعيفة وتخترقها تشكيلات طائفية ومذهبية ومناطقية تمنع الذهاب بعيدا في إحداث التغيير أو في اتخاذ خطوة سياسية نوعية. ولهذه الأسباب المختلفة العناصر والمصادر يرجح ألا تكون حكومة السنيورة من النوع الفريد لأن الرئيس المكلف محكوم بجملة اعتبارات تفرض عليه أخذها في الاعتبار منعا لنشوء حساسيات تعطل البرامج التي وعد بتنفيذها.

حكومة السنيورة التي ستعلن اليوم أو غدا ستخضع في النهاية لتوازنات محلية ليست بعيدة عن تلك الحسبة الطائفية والمذهبية والمناطقية الممثلة في المجلس النيابي بتكتلات سياسية تدين بالولاء لهذا الطرف أو ذاك.

هذا الجانب سيلعب وظيفته في تعطيل إمكانات التحرك نحو صيغة جديدة عن تلك التي عرفها لبنان في تاريخه المعاصر. فالسنيورة أو غيره لا يستطيع الاطاحة بتلك التوازنات التقليدية والمتوارثة وبالتالي لا يستطيع القفز على الحواجز الموضوعية التي رسمت هوية خاصة للبلد تميزه عن غيره من الأنظمة الموجودة في المنطقة. فالنظام اللبناني متخلف سياسيا إذا جرى قياسه نظريا ومقارنة مع غيره، ولكنه عمليا متقدم على تلك الأنظمة من ناحية قدرته على التكيف مع المستجدات. فطبيعته المرنة اعطته حيوية واكسبته مناعة ضد التغيير الجذري واعطته ذاك الهامش للمناورة وفي الآن عدم تجاهل المعطيات الجديدة.

في هذا السياق ماذا يمكن أن يقدم السنيورة من جديد لتبرير ذاك الاختلاف الذي وعد به حين كلف بتشكيل وزارته؟ هناك وقائع يصعب تجاوزها إلا بانقلاب سياسي، وهذه الوقائع هي نفسها تلك المعطلات التي لا تسمح له بتجاوزها. فالحكومة يجب أن تأخذ في الاعتبار الطوائف وحصص كل مذهب فيها. كذلك عليها أن تراعي تمثيل المناطق في حقائبها وبالتالي فهي لا تستطيع القفز عن حجم التمثيل النيابي للكتل التي تتقاسم مقاعد البرلمان.

التوازن إذا هو سيد الموقف. ومراعاة تلك التوازنات تعني مزج الخيارات المذهبية بالطائفية بالمناطقية وإعادة خلطها بالأهواء السياسية التي تتحكم بالتكتلات النيابية. فهناك كتلة الحريري "غالبية سنية" وكتلة تحالف حزب الله وأمل "غالبية شيعية" وكتلة جنبلاط "مختلطة مع غالبية درزية" وكتلة عون "غالبية مسيحية - مارونية" وكتل القوات اللبنانية وحزب الكتائب وقرنة مشهوان "غالبية مسيحية - مارونية".

هذه الكتل الموزعة على المناطق والطوائف مضافا إليها المحاور السياسية تسيطر في مجموعها على معظم مقاعد البرلمان وبالتالي يصعب على السنيورة تجاوزها أو عدم أخذ وجودها ودورها وموقعها في الحسبان. وهذا يعني أن وزارته ستخضع منذ البداية إلى نسبة عالية من التوازنات السلبية ستفرض عليه لاحقاشروطها وتحدد جدول أعماله ضمن دفتر شروط لن تكون بنوده بعيدة جدا عن التقاليد اللبنانية الموروثة. فالنظام لا يسمح لفريق بالسيطرة ولا يعطي لجهة مقاليد القرار وبالتالي يمنع على أي طرف التفرد أو الانفراد في تقرير سياسات الدولة العليا. فالدولة محاصصة "مشاركة" وهي تخضع في النهاية لميزان التعادل الطائفي القائم على المثالثة وأخيرا تشطير الحقائب وفق قانون محكوم بمزاج تلك التشكيلات الاجتماعية اللزجة "الضعيفة في تركيبها الاقتصادي".

هناك احتمال أن تكون حكومة السنيورة جديدة وغير تقليدية، ولكن الاحتمال محدود الزوايا ومحكوم بسلسلة حلقات تضبط ايقاع التحول المنشود وتمنعه من إحداث التغيير السياسي الذي يطمح له اللبنانيون نظريا ولا يريدونه عمليا... إذا خالف ذاك التقسيم "التقاسم" المتفق عليه في الدستور واتفاق الطائف. وهذا التعارض بين الفكرة "التغيير" والتطبيق "المحافظة" يفسر الكثير من تلك التشنجات التي تظهر على سطح السياسة لفترة زمنية ثم تنجلي لتظهر على المسرح حكومة وفاقية هي أقرب إلى الائتلاف الطائفي وبعيدة عن الوحدة الوطنية

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1032 - الأحد 03 يوليو 2005م الموافق 26 جمادى الأولى 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً