العدد 1029 - الخميس 30 يونيو 2005م الموافق 23 جمادى الأولى 1426هـ

نرفض تصنيف الناس إلى مهتدين وضالين

محذرا من ثقافة الانقسام المذهبي... فضل الله:

هاني عبدالله comments [at] alwasatnews.com

شن السيد محمدحسين فضل الله، هجوما على الذين يعملون لتغذية ثقافة الانقسام، وعلى التكفيريين الذين يصنفون الناس بعيدا عن عناوين الأمة الجامعة والشاملة، رافضا تصنيف شرائح الأمة إلى تقدميين ورجعيين أو مهتدين وضالين.

وحذر من أن ثقافة الانقسام السياسي التي كرستها دول المحور الدولية في "سايكس بيكو" و"سان ريمو" يعاد تركيزها لاستخدام التفرقة في لعبة "الفوضى البناءة" التي تعمل لاثارة الغرائز المذهبية والاثنية والقومية. ودعا في غمرة ما يحصل في المنطقة إلى التنبه الى خطورة ما يجري من سعي دائب لإبعاد فلسطين عن الوجدان العام للأمة واسقاط كل عناوين قضيتها.

جاء ذلك، ردا على سؤال في ندوته الأسبوعية عن ثقافة الانقسام وخطورتها على الأمة في المرحلة الراهنة؛ فقال: "لطالما كان لسان حال الأديان الجمع لا الطرح، والدعوة إلى اللقاء في مواجهة كل الدعوات التي تحث على التمزق والانقسام. وقد شدد القرآن الكريم على الوحدة على جميع المستويات، لتكون الوحدة شعارا وموقفا وسبيلا في حركة النبوات والأنبياء جميعا. وهكذا نجد أن الإسلام سار على هذه الخطى في نبذ التفرق والتشتت ومحاربة ثقافة الانقسام". مؤكدا أن الانقسام ينطلق من بعض المطامع والمصالح الضيقة والعصبيات العشائرية أو الشخصانية: "وما تفرقوا إلا من بعدما جاءهم العلم بغيا بينهم" "الشورى: 14"، إذ إن البغي بحسب منطوق القرآن الكريم، جعل سببا رئيسيا لتمزق الأمة.

حرب الإسلام على العصبية

كما أن نزعة التسلط وظاهرة الطاغوتية والفرعونية هي سبب من أسباب إشاعة ثقافة الانقسام، إذ عمل الطواغيت عبر التاريخ وإلى يومنا هذا للحفاظ على مواقعهم وتسلطهم على الناس من خلال تمزيق الأمة إلى فرق متناحرة: "إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا" "القصص: 4"، إذ ربطت الآية بين حال الاستكبار والاستعلاء التي كان يعيشها فرعون وبين سعيه لتمزيق الناس لتأكيد سيطرته وهيمنته. ولعل العصبية بكل تنوعاتها العشائرية أو المناطقية أو الشخصانية أو حتى في بعض تجلياتها القومية كانت سببا في تراكم الانقسامات واتساع نطاقها بين الأمم والشعوب من خلال هذا الانشداد الأعمى إلى الجماعة أو التاريخ بكل ما يحمل من عادات وتقاليد بعيدا عن تلمس سبل الحق في الانتماء للمفاهيم والقيم... ومن هنا شن الإسلام حربه الضروس على العصبية بكل أنوعها وأشكالها، وجعل الالتزام بها منافيا للدين بكله: "من كان في قلبه حبة من خردل من عصبية بعثه الله يوم القيامة مع أعراب الجاهلية".

ولم يكتف الإسلام في مواجهة حال الانقسام بمعالجة أسبابها فحسب، بل عمل دائما لبناء وتشييد الصرح الإنساني العام من خلال هذه الوحدة التي تمثلت في مفاهيمه الجامعة والشاملة التي شكلت في حد ذاتها سلاحا لمواجهة التفرقة والتمزق التي يعمل الكثيرون على إثارتها في الأمة: "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا" "آل عمران 103"، فعنوان التوحيد هو أحد العناوين الجامعة التي ركز الإسلام على التماس أسس الوحدة من خلالها لا بما يمثل ذلك من ارتباط وثيق بالله تعالى فحسب، بل لتجسيد الوحدة الإنسانية على الأرض بما يؤسس لجنة دنيوية تمهد لجنة أخروية.

لقد كانت العصبية بما تمثل من تشتيت لقوة الأمة والجماعة واحدة من النوافذ التي استطاع الاستكبار العالمي الدخول منها إلى ما يسمونه البطن الرخو في المنطقة العربية والإسلامية، ليستفيد من كل الانقسامات المذهبية والعرقية والقومية التي قامت على أساس عشائري ولم تنطلق من حال فكرية تنافسية، وليعمل على تعميق الهوة والانقسامات في الأمة ليقدم نفسه كمنقذ وجامع لشتات الأمة، وليحول في نهاية المطاف دون استفاقة هذا المارد الكبير الذي قد يشكل المنافس الفكري والحضاري له، ولكن المشكلة انطلقت أيضا من خلال القيادات السياسية والحزبية وحتى العلمائية التي لم تتصد لثقافة الانقسام بإدخال مفردات الوحدة والتماسك في الخطاب السياسي والديني وكذلك في حركتها العامة في جسم الأمة، بل عملوا على تأكيد التمايز بين أبناء الأمة الواحدة من طريق تصنيف شرائح الأمة إلى تقدميين ورجعيين أو متنورين وظلاميين، أو مهتدين وضالين، والتي انطلقت في الغالب الأعم من تصنيفات قامت بها مؤسسات أو مدارس اجتهادية سواء في الفقه أو في السياسة، ولم تكن مبنية على الأسس الوطنية أو الإسلامية في الاجتهادات المتنوعة التي تنطلق من أساس متين حيال دعوة الدين للوحدة مهما تنوعت الرؤى وتعددت الآراء.

التكفير السياسي والديني

لقد عملت شريحة كبرى في الأمة على تغذية ثقافة الانقسام في عملية تكفير سياسي أو ديني واسعة النطاق، فصنفت الناس على أساس عناوينها الخاصة بعيدا عن عناوين الأمة الجامعة والشاملة، وأرادت للقضايا الكبرى أن تسير في ركب مفاهيمها وتصنيفاتها، ومن هنا دخلت هذه القضايا في المتاهات، إذ اختلفنا عليها في العناوين الوطنية أو القومية أو الإسلامية فضاعت أو كادت تضيع من أيدينا من دون أن نحصل على أي ربح لحساب كل هذه العناوين... وإن ثقافة الانقسام السياسي التي كرستها المحاور الدولية جغرافيا وعمليا في المعاهدات التي تقاسمت فيها الدول النفوذ في مناطقنا كما في "سايكس بيكو" و"سان ريمو" يعاد تركيزها هذه الأيام لحساب المتغيرات والخطط السياسية الجديدة، بحيث يصار إلى استخدام كل عناوين التفرقة في لعبة الفوضى البناءة التي تريد الإدارة الأميركية من خلالها أن تثير كل الغرائز الإثنية والقومية والمذهبية لمصلحة مشروعها في المنطقة بعناوينه الإصلاحية والديمقراطية المزيفة.

إن علينا التنبه إلى خطورة ما يجري على صعيد الملف الفلسطيني من سعي دائب لإبعاد فلسطين عن الوجدان العام للأمة بإسقاط كل العناوين الإسلامية والقومية والوطنية وترك الفلسطينيين لوحدهم في مواجهة الضغط الإسرائيلي والأميركي الهائل، ومن ثم تمييع القضية في التفاصيل الأمنية اليومية لتكون موقعا من مواقع التوتر التي تتحرك الدول لفرض التهدئة فيه، بدلا من أن يكون الثقل الأساسي في كل التراكمات التي تعيشها المنطقة كما هو الحال منذ أن دخلت "إسرائيل" في جسمها عنوة وعلى حساب كل عناوين حقوق الإنسان وتقرير المصير، وما إلى ذلك.

كما أننا نخشى من أن ثقافة الانقسام المذهبي والطائفي والشخصاني التي كرستها الانتخابات النيابية اللبنانية يراد تعميمها في أكثر من مشروع قادم ولحساب مواقع دولية تتطلع إلى إدخال لبنان في لعبة المنطقة من النافذة الطائفية والمذهبية باستخدام عناوين إصلاحية طورا وبالإشعار الكاذب بالسعي إلى إخراج البلد من أزمته الاقتصادية والمالية تارة، الأمر الذي يؤكد أن الهدف من ذلك كله يكمن في نقل لبنان إلى الموقع الذي يحاكي فيه مشروعات أميركا في المنطقة بما يطمئن "إسرائيل" من جهة، ويفسح في المجال أمام كم من المشكلات الداخلية فيه، بما يؤثر سلبا على موقعه من القضية العربية والإسلامية وفي محيطه العربي والإسلامي من جهة أخرى

العدد 1029 - الخميس 30 يونيو 2005م الموافق 23 جمادى الأولى 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً