"إقامة أمة عظيمة على أساس متطلبات العالم اليوم" الرئيس الايراني الجديد محمود أحمدي نجاد يبدو أن الشعب الإيراني الذي دخل معترك الانتخابات "50 مليون ناخب، 22 مليونا شاركوا في الانتخابات"، خذلنا وخذل الشيخ علي أكبر هاشمي رفسنجاني على حد سواء.
فقسما لو شاهدتم الصور التي كان يلصقها الشباب والشابات والشيوخ والعجائز على صدورهم وصدورهن وعلى رؤوسهم ورؤوسهن وعلى مفترق الطرق واللوحات العامة لسرتم في ركبنا الذي كنا ركبناه وتاه بنا وبعالم كثير! فتوقعاتنا وتوقعات الرئيس السابق الذي كان وكنا متأكدين من فوزه فوزا ساحقا على منافسه محمود أحمدي نجاد، الإيراني الشاب "48 سنة" المسلم غير المعمم من دون أن يكون أحد رموز رجالات الثورة المعممين في دولة تأسست على قيم ثورة إسلامية عظيمة، هو على ما يبدو قد تربى على مبادئها بكل تأكيد منذ لحظة انطلاقها والمتهم سلفا بأنه سيفرض نظاما أشد قساوة من نظام طالبان الأفغاني في إيران "هناك تصاريح جاءت عنه تنفي ذلك، منها وصفه هذه الدعايات بالكذب العظيم والافتراء الكبير".
وفي أول تصريح علني له بعد إعلان فوزه الساحق قال "إنه يرغب في جعل إيران دولة حديثة متقدمة وإسلامية تكون نموذجا لدول العالم". كما دعا في كلمة وجهها عبر إذاعة طهران الإيرانيين إلى نبذ خلافاتهم، والتمسك بالوحدة "كأسرة واحدة"، وإلى جانب ذلك قال: "ان فوزه المفاجئ في الانتخابات يعد ضربة لأعداء البلاد"، وهو يقصد من دون شك أميركا، أو "الشيطان الأكبر".
بعد أن انتهت الجولة الأولى وسقط من سقط وانسحب من انسحب، بعد وعود أكثرها مالية تهدف إلى تحسين الوضع المعيشي للشعب الإيراني حصر السباق بين مرشحين اثنين: العائد الشيخ علي أكبر هاشمي رفسنجاني، ومحمود أحمدي نجاد، وبعد أن تبادل الفريقان التهم في شأن تزوير النتائج التي حصل فيها الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني على نحو 21 في المئة من إجمالي الأصوات الصحيحة، ورئيس بلدية طهران محمود أحمدي نجاد الذي حل ثانيا بزهاء 19 في المئة. تفاجئنا الجولة الثانية بانقلاب غير متوقع من قبل الشعب الإيراني الذي كنا وكان جميع المراقبين متوقعين بأنه سيصوت للشيخ رفسنجاني، لأسباب عدة أهمها عقلانيته وخبرته التي لا يمكن أن يغفلها إنسان عادي ناهيك عن سياسي محنك، وثانيا للوعود التي قطعها لمختلف الجماعات الضاغطة تلك التي تندرج تحت مختلف التيارات الإسلامية من سنية وشيعية، وتلك التي تندرج تحت مظلة الديانات الأخرى والوعود الاقتصادية التي ستساهم من دون أدنى شك في رفع مستوى المعيشة للفرد الإيراني. وعود كثيرة بثتها وكالات الأنباء للمرشحين هي في مجملها ما يطمح إليها أي إنسان في أي مجتمع كان.
ويبرز أول ما يبرز من اسئلة في شأن فوز أحمدي نجاد بمنصب رئاسة الجمهورية الإيرانية السؤال: لماذا اختار الشعب الإيراني هذا المرشح من دون الآخرين؟ وما مسببات عزوف هذا الشعب في اللحظة الأخيرة عن الشيخ رفسنجاني؟ من خلال النظرة الأولى للموضوع تبدو الصورة على هذا الشكل: فأحمدي نجاد شاب غير معمم، المسلم الهادئ الطباع الذي وظف المسجد خير توظيف في حملته الانتخابية، وانصبت جميع دعوات برنامجه السياسي في الشأن الداخلي وتمثلت وعوده في إصلاح ما أفسده الدهر كما قال وقيل، إذ ركز المرشح المحافظ وعمدة طهران في حملته على البطالة والتضخم والفساد، وتعهد بتعيين نساء في مناصب إدارية بارزة بالإضافة إلى ضمان توزيع ثروة إيران النفطية بصورة أكثر عدلا. وتعهد إلى جانب ذلك بـ "تحسين الأوضاع المعيشية لملايين الأشخاص"، وشدد على ضرورة الحفاظ على القيم الإسلامية للجمهورية الإسلامية.
وجاء عن مراسل "بي بي سي" في طهران فرانسيس هاريسون قوله: "إن مخاطبة أحمدي نجاد للفقراء تبدو سر نجاحه، فعلى رغم أن إيران دولة نفطية فإن البطالة هناك مرتفعة، وهناك أيضا هوة كبيرة بين الفقراء والأثرياء". غير أن السؤال الملح هو أن الشيخ رفسنجاني هو الآخر قدم الوعود نفسها، وربما وعودا أكثر قربا وصدقا للتحقق ولكنه فشل في الانتخابات، فإذا الإجابة على الأسئلة لا تكمن في الوعود.
أحمدي نجاد المولود في جارمسار بالقرب من طهران، العام 1956 لوالدين أميين، الوالد كان يعمل حدادا، ووالدته تعمل ربة منزل. وحصل على شهادة الدكتوراه في النقل والمواصلات من جامعة طهران للعلوم والتكنولوجيا، إذ عمل محاضرا. ثوري حتى النخاع تدعمه مجموعة من الشبان من الجيل الثاني للثورة والمعروفة باسم "أبادجاران"، أو التنمويين، الذين يشكلون قوة في البرلمان الإيراني. وهو أحد الماسكين بزمام قيادة الحصار الذي فرض على السفارة الأميركية في طهران العام ،1979 وهو ضابط سابق في الجيش، وشخصية غير معروفة قبل تعيينه عمدة لطهران في العام ،2003 وبقي كذلك حتى قبيل ترشحه لخوض انتخابات الرئاسة.
رجل ينتمي إلى الطبقة العاملة أساسا يطلق على نفسه مسمى: "ماردوميار" أو "روبن هود" التي تعني: "صديق الشعب". وهذا المسمى جعله أكثر قربا من الشارع الإيراني. رجل وصفه كثيرون بأوصاوف عدة، منها ما وصفه به المرشح مصطفى معين الذي جاء في المرتبة الخامسة "بأنه يشكل قوة خطيرة معادية للديمقراطية". وقال عنه محرر الشئون الدولية في "بي بي سي" جون سيمبسون "إنه يمثل العودة إلى قيم آية الله الخميني وفترة ما بعد ثورة العام 1979 عندما تحدت طهران الأميركيين والغرب". أما تحذير الإصلاحي مهدي كروبي فجاء مبطنا ومدويا، وهو الذي حصل على المركز الثالث في انتخابات المرحلة الأولى، إذ توجه للناخبين قبل الجولة الثانية من الانتخابات قائلا: "لا تفقدوا الأمل، أدلوا بأصواتكم، وإلا فإنهم سيأتون بنظام طالبان إيراني، فالمتطرفون قادمون، ولن يتمتع الإيرانيون بالسلام أو الأمن بعد الآن"!
أما المحلل السياسي أحمد الربعي فقال في "الشرق الأوسط" "26 يونيو/ حزيران": "إن نجاح الرئيس نجاد يعني أن على رأس السلطة في إيران شخصا يتحدث بالايديولوجيا أكثر منه بالبراغماتية، يتعامل مع الشعارات أكثر منها مع الواقع، وهو ما سيحرج إيران إقليميا ودوليا، ويقوي حركة المعارضة في الداخل والخارج".
هناك إشاعات تفيد أن سبب سقوط الشيخ رفسنجاني في الانتخابات وفوز أحمدي نجاد هو مرشد الثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي، الذي يرى فيما يرى من أشياء أخرى عصرية إبعاد المعممين من رجال الدين عن المناصب السياسية وعن مناصب إدارة الدولة، وخصوصا إدارة الشأن الاقتصادي. ويشاع أيضا أن خلافا كبيرا حدث بينه وبين رفسنجاني تشعب ووصل غباره إلى أروقة الحوزات في قم المقدسة التي انقسمت إلى قسمين؛ وإلى أروقة القضاء الذي لم يحسم خياره بين المرشد والمرشح رفسنجاني.
كما يؤكد المحللون أن اليأس من فشل الإصلاحيين في تطبيق برنامجهم في السنوات الأخيرة أدى إلى مقاطعة مؤيديهم للانتخابات، ما ساعد تيار المحافظين المتشددين بشكل ملحوظ.
ومهما يكن من أمر نتيجة الانتخابات الايرانية الأخيرة فإنها من دون أدنى شك تظهر إيران بمظهر حضاري جدا، فبعد عدد قليل من السنوات من بدء الثورة الإسلامية، تحولت فيه الدولة تحولا كبيرا مقارنة بالتحولات الكبرى عبر التاريخ فمن دولة كان يعتلي رئيس الدولة فيها رجل يضع على رأسه تاجا ترصعه أغلى المجوهرات وأثمن الحلي ويرتدي أثمن الديباج القشيب وتحيط به رجالات هي الأخرى ترتدي أغلى ما تعرضه الأسواق، وتحرسهم رجال مدججة بالسلاح إلى أن يعتلي رأس الدولة رجل بسيط يرتدي بدلة بسيطة، حاله كما هو حال الشعب الذي يحيط به من دون أي حارس أو سلاح يقود كما قيل ويردد "ثورة الفقراء".
الهوة بين الفقراء والأغنياء تتسع في إيران. هذه حقيقة لم يغفلها أحد من السياسيين الإيرانيين أو المرشحين حتى الأغنياء منهم كما هو الحال في وضع رفسنجاني، فلذلك قد يكون الرئيس الجديد نجح باستقطاب المحرومين بشكل فاعل وفاز في الانتخابات، غير أن هناك ربما عوامل أكثر حضورا أدت إلى فوزه، ربما على رأسها الوضع السياسي الحالي في منطقة الخليج والعراق خصوصا والهيمنة الأميركية هناك.
سيصبح أحمدي نجاد رسميا رئيسا لإيران في يوليو/ تموز، فهل ستكون هي خاتمة السنوات الخاتمية التي جعلت من إيران مشاركا في اللعبة السياسية العالمية والخليجية تحديدا وتبدأ معها سنوات أكثر وعورة يهدف من خلالها نجاد نجدة إيران داخليا وخارجيا والوقوف في وجه "الشيطان الأكبر" كما هو مرشده الروحي وملهمه الثوري آية الله روح الله الخميني؟
الإجابة تبقى صعبة في البداية
العدد 1029 - الخميس 30 يونيو 2005م الموافق 23 جمادى الأولى 1426هـ