العدد 2414 - الأربعاء 15 أبريل 2009م الموافق 19 ربيع الثاني 1430هـ

مُداراةُ العدو!

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تُعامِل الحكومة المصرية أمن الكيان الصهيوني كما لو أنه أمنٌ عربي تجبُ حمايته والذّوْد عنه. هنا تُصبح العودة إلى منطق الأشياء واجبة. لأنها السبيل الأسلم حين تضيع البوصلة ما خيط أبيض وآخر أسود قد يُبطِل الصيام.

ليس بالضرورة أن يستحضر النظام في مصر ما قاله الوزير الصهيوني النَّزِقُ أفغيدور ليبرمان من رغبته في قصف السّد العالي، وإساءته للرئيس مبارك عندما قال عنه «فليذهب إلى الجحيم»؛ إلاّ أن الأمر يكفيه تذكّر جيرة المكلومين من الفلسطينيين لكي لا يكون الحرص على أعدائهم لهذا الحد.

من أدرك يسيرَ السياسة من الأوّلين والآخرين يفهم أن قليلا من التناقض في المصالح يدفع الدول لأن لا تَزِنَ الأمور بينها وبين خصومها بغير وعاء الصداقة فضلا عن التحالف. ليس بالضرورة عداءٌ مفتوح لكنه أيضا ليس مقبوضا لحدّ الانحسار، وإلاّ فلا مصالح تُحتَرم ولا جوار يُحفظ.

قد يسألُ سائلٌ: كيف ضاقت السُّبُلُ بالحكومة المصرية قبل أكثر من عامين لكي تُناكف دمشق أو الدوحة فترمي عليهما ما يرميه أيّ خصمٍ ضد غريمه، ولم تضِق تلك السُّبُل عليها تجاه تل أبيب فتُنعّم ما أمكن من سياساتها مع الكيان الصهيوني؟!

الجميع يعلم أن ما بين العرب ومصر، وما بين الأخيرة والكيان الصهيوني من خصومات لا يُمكن موازنتها أو مفاضلتها أو مساواتها مهما حصل. فما بين العرب ومصر ليس سوى خلاف على الأولويات والرؤى حول مصير واحد. أما ما بين مصر وتل أبيب فهو خلاف على الخلاف، وصراع على الصراع وتسابق تاريخي على إنهاء معركة حول الوطن وعُمقه القومي والجغرافي ومستقبله السياسي مع خصم لا يفهم أدنى معنى للسلام.

وحتى اتفاقية كامب ديفيد لم تجعل الكيان الصهيوني يُقلع عن عدوانيته واستعصائه على السلام شعارا وشعورا، بل دفعته أكثر لأن يستبدل أدوات الصراع من سلاح وفوهات، إلى التفافات أمنية حول عُنُق مصر وخواصرها.

مُنذ مارس 1979 قتلت القوات الصهيونية أكثر من تسعة وخمسين جنديا مصريا على الحدود. وللذاكرة القريبة جدا، يُمكن تذكّر نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 2004 عندما أطلقت دبابة صهيونية النار على ثلاثة جنود مصريين بالتّماس مع طريق فلادلفيا المحاذي لقطاع غزة فأردتهم قتلى.

ويُمكن تذكّر يوم الثلاثين من مايو/ أيار من العام 2006 عندما قَتَلَ الجيش الصهيوني مصريا على الحدود، ثم جنديين مصريين آخرين بعد ذلك بشهر ويومين. وفي الثامن والعشرين من فبراير من العام الماضي قَتَلَ الجيش الصهيوني الصّبيّة المصرية سماح نايف أبو جراد برصاصة في صُدغها بقرية أم عماد المصرية.

وفي الخروقات الصهيونية للأمن القومي المصري حدّث ولا حرج. ففي العام 1996 اعتُقِل عزام عزام بتهمة العمالة للكيان الصهيوني. وبعد عام فقط اعتُقِل سمير عثمان لذات التهمة بعد ضبطه وبمعيته أربعة جوازات مُزوّرة. وبعد أربعة أعوام اعتُقل شريف الفيلالي لذات التهمة أيضا.

وفي غرّة العام السابع من الألفية الثانية اعتُقِل محمد عصام غنيم العطار بتهمة التخابر مع تل أبيب. وبعد ذلك بشهر وأسبوعين اعتُقِل محمد سيد صابر لذات التهمة بعد أن ثبّت برنامجا تجسسيا على شرائح أجهزة هيئة الطاقة الذرية المصرية. كلّ ذلك يحصل واتفاقية السلام قائمة!.

إن ما يُطلب من مصر اليوم ليس أن تخوض معركة تحرير، ولا أن تعبر خط بارليف. أقصى ما يُطلب هو التفاف حول اتفاقية كامب ديفيد ولو بشكل تكتيكي، وفتح الصراع لكي يكون متعدد الأبعاد، ولا تحدّه حدودٌ سياسية لإفهام الآخرين أن مصر لا زالت حاضرة.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2414 - الأربعاء 15 أبريل 2009م الموافق 19 ربيع الثاني 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً