العدد 2942 - السبت 25 سبتمبر 2010م الموافق 16 شوال 1431هـ

قراءة في السياسة الخارجية الإيرانية (2 - 2)

تكنولوجيا الأقمار الاصطناعية والعسكرية 

25 سبتمبر 2010

تُعتبر إيران الدولة الثانية بعد إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط التي تمتلك القدرة على إطلاق أقمار اصطناعية، بعد أن وضعت إيران في 4 فبراير/ شباط 2009 قمراً اصطناعياً صنعته، حيث أطلقته بواسطة صاروخ «سفير 2» الذي أفادت وكالة الأنباء الإيرانية أنه بدوره صنع في إيران. ومن المؤكد أن إطلاق قمر إيراني الصنع بواسطة صاروخ إيراني الصنع أيضاً يعد إنجازاً علمياً وتقنياً تفتقر إليه دول المنطقة. إن امتلاك إيران تكنولوجيا الأقمار الاصطناعية والصواريخ الحاملة لها والتي بدا واضحاً أن إيران حققت فيهما سبقاً على العرب، يعد مصدر قوة تضاف إلى مصادر القوة الأخرى التي تمتلكها إيران وهو ما يعني التقدم نحو تحقيق المشروع الإيراني. بالإضافة إلى امتلاك إيران لصواريخ شهاب 1، 2، 3، 4، 5 وهناك توجه للتطوير شهاب 6، وصواريخ أخرى مثل «زلزال» و «الفاتح».

وتبذل إيران جهداً جباراً في تطوير قدراتها الصاروخيّة البالستية والتكنولوجيا العسكرية، وهي تنفق جزءاً كبيراً من موازنتها التسلحية على ترسانة الصواريخ التي تمتلكها وتطورها، فضلاً عن امتلاكها للأسلحة الكيماوية والبيولوجية، وتصنيع الغواصات، لذا تعتبر التكنولوجيا محركاً رئيسياً لسياسة إيران الخارجية، وتوجيه العلاقات الإيرانية الخارجية، ونجاحها أحياناً وإخفاقها أحياناً أخرى، حيث إن إيران في حاجة متزايدة إلى تطوير قدراتها التكنولوجية واللحاق بطفرتها العالمية، والرغبة في تحديث جيشها وإصلاح ما تم تدميره منذ الثورة وأثناء حربها مع العراق، والرغبة في تحقيق نمو اقتصادي والاعتماد على الذات كأحد المبادئ الأساسية للثورة الإيرانية في ظل الحصار الأميركي المضروب عليها، لذا لجأت إيران إلى تعميق علاقاتها مع الصين وروسيا كبديل عن التكنولوجيا الأميركية والغربية. فقد بقيت معادلة البترول الإيراني مقابل التكنولوجيا والتجهيزات العسكرية هي المعادلة المسيطرة على توجه السياسة الخارجية الإيرانية، وهو ما جعل إيران تنجح في اختراق الحصار الأميركي المضروب عليها، وهو ما سبب قلقاً أميركياً وإسرائيلياً. وهذا كله علامة نجاح تحسب لإيران وسياستها الخارجية.

التنمية والسياسة

من المؤكد أن التنمية لا تقتصر فقط على القدرة على تخصيب اليورانيوم أو تطوير تكنولوجيا الأقمار الاصطناعية والكيماوية والبيولوجية وتكنولوجيا السلاح، على أهمية كل ذلك إلا أنه غير كاف، فالتنمية هي منظور شامل متكامل ومستديم، وهي تمثل نظاماً متكاملاً يعضد بعضه البعض، وبالتالي فالتنمية تشمل أبعاداً صناعية واقتصادية وسياسية واجتماعية. فمن خلال التنمية الاقتصادية يمكن تحقيق زيادة في الناتج الوطني الاقتصادي أكبر من معدل الزيادة في عدد السكان؛ ما يؤدي إلى زيادة في حجم الدخل الوطني، وبالتالي زيادة في متوسط نصيب الفرد من الدخل. وتنمية سياسية من خلال تطوير أو استحداث نظام سياسي عصري، وترسيخ المواطنة، وتحقيق التكامل والاستقرار، وإشراك القاعدة الشعبية في صنع القرار؛ أي في المشاركة السياسية وتنمية ثقافة سياسية ديمقراطية. وتنمية اجتماعية من خلال تطوير البنية الاجتماعية المتكلسة، واعتبار الإنسان عنصراً أساسياً ومحورياً في أية خطة تنموية، وتغيير نظرة الإنسان والمجتمع إلى الأمور في المقام الأول.عند ذلك يمكن الحديث عن نجاح الدولة في تأسيس نظم اقتصادية وسياسية متماسكة.

عند تطبيق ذلك على إيران، يتضح أنها استطاعت أن تحقق بعض الإنجازات التنموية، ولكنها عجزت عن تحقيق المنظور الشمولي للتنمية المستدامة، ويكشف عن ذلك حالة الاحتجاجات الواسعة ليس فقط في الأوساط الشعبية والطبقة الوسطى، بل من داخل النخبة السياسية التي اعترتها الفرقة وأصابها الانقسام إثر فوز نجاد بولاية رئاسية ثانية، حيث لا يزال يعاني النظام الإيراني من تلك التحولات العاصفة في بنيته الاجتماعية تم التعبير عنها بمظاهرات وحرائق وصدامات وقتلى واعتقالات بالآلاف، وهو مؤشر على أن النظام الحاكم فقد جزءاً من قاعدته الاجتماعية نتيجة عجزه عن التعبير عن حركية المجتمع الإيراني، وهو دليل على فشل الطبقة الحاكمة في تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة في ظل ازدياد الفجوة بين النظام الحاكم وقاعدته الشعبية. هذه الفجوة سوف تستغل من قبل الخارج وبخاصة الولايات المتحدة الأميركية في إحداث المزيد من العقوبات الجديدة التي يطلق عليها بـ «العقوبات الذكية» ضد إيران إثر تعثر نجاح المفاوضات على خلفية برنامجها النووي، وفشل نظام العقوبات الاقتصادية، وبالتالي هيكلة العقوبات بما يستعيد من فاعليتها في منع إيران من تطوير مشروعها النووي. وهي عقوبات وصفتها وزيرة الخارجية الأميركية هيلارى كلينتون بـ «عقوبات تصيب بالشلل».

سوف تستهدف هذه العقوبات بشكل أساسي القاعدة الاجتماعية - الاقتصادية المساندة للنظام الإيراني، من خلال استهدافها نقطة الضعف الاقتصادية الإيرانية الأساسية المتمثلة باعتماد النظام على واردات البنزين الأجنبية التي تصل إلى 40 في المئة من احتياجاته المحلية، وهو القطاع الذي يعمل فيه داعمو النظام وبخاصة الحرس الثوري الإيراني حيث هناك كيانات تابعة لـ «الحرس الثوري» مرتبطة بهذه التجارة بشكل مباشر أو غير مباشر.

هكذا يتبين لنا أن إيران أخفقت في تحقيق التنمية الشاملة، وهو ما يؤثر سلباً على سياستها الخارجية، ويشكل نقطة ضعف في نظامها، وهو ما تعمل القوى الدولية على استغلاله من أجل تحقيق أهدافها. إن الأمل في مستقبل واعد لإيران يتوقف على قدرتها في تحقيق منظور متكامل للتنمية ومستديم بما يحقق الاكتفاء الذاتي.

رغم أن إيران بلد نام، ويعاني من معضلات اقتصادية وبيئة دولية وإقليمية شديدة التعقيد، بيد أنه لا يمكن إنكار ما حققته على الصعيد التنموي - وإن كانت تنمية ناقصة - فهي تحتل على صعيد المنطقة مكانةً متميزة في الحقل الاقتصادي والعلمي والتقني، كما بينّا سابقاً. وهنا تبدو مفارقة غريبة تحتاج إلى بحث معمق مفادها أن إيران منذ ثورتها العام 1979 وهي ترفض الاعتراف بالنظام الدولي، واتبعت سياسة الحياد «لا شرقية ولا غربية»، مقابل ذلك فُرضت عليها عزلة دولية وإقليمية وحصار ضارب من قبل النظام الدولي وبخاصة الولايات المتحدة الأميركية، واستمر النزاع بينها وبين واشنطن، بالإضافة إلى عدم اعترافها بالهيمنة الأميركية، حتى أمست، كما يقال «رأس حربة في مواجهة المشروع الأميركي»، ورائدة بما يسمى جبهة «الممانعة»، ومع ذلك استطاعت إيران أن تحقق بعض الإنجازات التقنية والعلمية والتنموية برغم الحصار والعزلة المضروبة عليها.

في المقابل نجد دولاً عربية تتساوق سياستها مع واشنطن وفي حالة سلام مع إسرائيل إلا أنها بقيت في إطار التبعية ولم تنجز مشروعها التنموي كما أنجزته إيران التي شقت طريقها نحو التنمية الاقتصادية والصناعية. في المقابل نجد تركيا تتمتع بعلاقات جيدة مع واشنطن وإسرائيل وتعترف بالنظام الدولي القائم ومع ذلك شقت طريقها بنجاح باهر في المجالات التنموية الاقتصادية والسياسية والصناعية، رغم اختلاف منهجها عن نهج إيران.

في المقابل نجد سورية التي تتبع النهج الإيراني (أي الممانعة) أخفقت بامتياز في جميع المجالات حتى أمست تعاني من جفاف يضرب بعض مناطقها، ناهيك عن فشلها حتى الآن في استعادة أرضها المحتلة. ومصر التي تتساوق سياستها مع واشنطن وفي حالة سلام دائم واستراتيجي مع إسرائيل، ومع ذلك تراجعت مكانتها الدولية ودورها الإقليمي، وأمست عاجزة عن صنع الأحداث الدولية والإقليمية، وأكثر من ذلك فعندما أراد أوباما أن يرسل رسالة إلى العالم الإسلامي اختار تركيا ولم يختر مصر.

هذه المفارقات بحاجة إلى دراسات حيث يتجلى أن المشكل يكمن عندنا نحن معشر العرب. وفي الوقت الذي تحاول فيه إيران تعديل الخلل في الميزان الاستراتيجي، نجد «العرب» منذ حرب 1973 لم يُجروا أية محاولة لتجاوز الاختلال الاستراتيجي بينهم وإسرائيل.

وهكذا، بينما تتباين الطرق والمناهج التي يتبعها الآخرون وينجحون في تحقيق مصالحهم، إلا أن العرب يتبعون خطاهم ويفشلون

العدد 2942 - السبت 25 سبتمبر 2010م الموافق 16 شوال 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 8:16 ص

      لا شرقيه ولا غربيه

      والخبير الاستراتيجي العالمي المعروف بالجنوساني , لايعترف بذلك وان كل مالدي ايران هو مستورد اليس كدلك ياابراهيم؟ ارجو الرد

اقرأ ايضاً