العدد 2942 - السبت 25 سبتمبر 2010م الموافق 16 شوال 1431هـ

مخاوف ما بعد الاستفتاء تسيطر على مواطني السودان في شماله وجنوبه

لا يشكل الطرد القسري وتبادل الاتهامات العنيفة والهجرة الجماعية والتعايش السلمي سوى بعضاً من الاحتمالات المصيرية لمئات الآلاف من السودانيين الجنوبيين الذين يعيشون في الشمال، والعكس صحيح إلى حد أقل نوعاً ما بالنسبة للشماليين في الجنوب، وذلك بعد استفتاء يناير/ كانون الثاني المقبل الذي من المقرر أن يصوت خلاله الجنوب على تحول نظام الحكم شبه الذاتي السائد فيه إلى تقرير المصير.

التوتر

ويشكل الاستفتاء المقرر إجراؤه في 9 يناير ذروة اتفاق السلام الشامل الذي تم التوقيع عليه العام 2005، والذي أنهى الحرب الأهلية التي استمرت 22 عاماً بين الشمال والجنوب على الحكم والموارد والدين والعرق، متسببة في مقتل نحو مليوني شخص ونزوح أربعة ملايين غيرهم.

ولكن حدة التوتر لا تزال عالية بين العدوين السابقين، كما ولد بطء التقدم في عملية الاستفتاء، بما في ذلك المفاوضات بشأن الحقوق المتبادلة للمواطنة، الكثير من الإحباط والشكوك بين الطرفين.

ويبدو أن تأييد الانفصال هو التوجه الغالب في شوارع الجنوب.

الاختلافات

وعادة ما تتسبب تعقيدات الهوية في السودان حيث ينتمي الناس إلى العديد من الجماعات العرقية والدينية واللغوية في تشويش التمييز بين الشماليين والجنوبيين. وقد قضى الكثير من هؤلاء المصنفين «كجنوبيين» في الشمال طوال حياتهم في الخرطوم بعد فرار أسرهم من الحرب.

وتختلف الإحصائيات الخاصة بتعداد السكان، حيث أشار تعداد 2008 إلى وجود نحو 500,000 جنوبي في الشمال في حين تشير إحصائيات حكومة الجنوب إلى وجود نحو 1.5 مليون جنوبي في الشمال يتمركزون بشكل أساسي حول العاصمة الخرطوم.

وقد علقت المنظمة الدولية للاجئين «Refugees International» ،وهي عبارة عن مجموعة مناصرة مقرها واشنطن، على الوضع في تقرير صادر عنها في يونيو/ حزيران قائلة: «إذا تحقق انفصال الجنوب، فإن الجنوبيين في الشمال والشماليين في الجنوب سيصبحون عرضة لأعمال العنف وفقدان الجنسية». وأضاف التقرير أن العنف، في أي من المنطقتين، قد يثير ردوداً في شوارع العاصمة المقابلة. كما تحدث التقرير عن مخاوف من حدوث عمليات «قتل انتقامية واسعة النطاق للجنوبيين في حال ما تعرض شمالي واحد فقط للضرر في الجنوب».

ولتشجيع الجنوبيين على العودة إلى ديارهم، قامت وزارة الشئون الإنسانية في جوبا بإطلاق خطة «البرنامج الطارئ لإعادة التوطين»، وهو برنامج تصل كلفته إلى 10 ملايين دولار تم إطلاقه تحت شعار «عد إلى الوطن لتختار». ويشكك بعض عمال الإغاثة في الخطة، مشيرين إلى عدم توفر الوقت الكافي لتنفيذ هذا الاقتراح، بالإضافة إلى أن الموارد الضعيفة للجنوب ستتعرض لاستنزاف شديد إذا ما وصل بالفعل الآلاف من الناس إلى المنطقة يومياً.

وحتى الآن، تأثرت العودة بالنزاعات المسلحة ونقص الخدمات والنزاعات على الأراضي وضعف قدرات الحكومة.

نزوح محتمل

وفي أغسطس العام 2010، حث وزير الشئون الإنسانية بجنوب السودان، جيمس كوك روي، منظمات الإغاثة للتخطيط لنزوح جماعي لسكان الجنوب بعد الاستفتاء، مشيراً إلى أن «الناس سيتوافدون (علينا) ولن نكون مستعدين».

وتعمل منظمات الحماية لضمان أن تكون العودة طوعية، إذ أخبرت نائب ممثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين بجنوب السودان، ميراي جيرار شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أنه «في سياق الاستفتاء، تحرص الأمم المتحدة والمجتمع الإنساني بأسره على أن يتم استيفاء إجراءات تسجيل الناخبين، لاسيما في الشمال والخارج، وأن يتم تعميمها على نطاق واسع وأن يسهل الوصول إليها... وهذا يشكل معياراً مهماً لاتخاذ قرار العودة لكل من النازحين في الشمال واللاجئين».

وأضافت جيرار أن «من الأمور المتعلقة بالاستفتاء، مسألة المواطنة وحقوق الإقامة التي لا تزال قيد المناقشة بين طرفي اتفاق السلام الشامل. ومن المهم أن تكون هذه المعلومات متاحة للسكان المعنيين، بما في ذلك الشماليون في الجنوب، في أقرب وقت ممكن لأنها ستشكل عاملاً حاسماً في قرار العودة».

سبل العيش مهددة

ويضع الاستفتاء السودان أمام خيارات أكثر تفصيلاً من مجرد الوحدة الوطنية مقابل التقسيم. ففي حالة الانفصال، ليس من الواضح بعد ما إذا كانت الحدود ستكون حدوداً «صلبة» بين دولتين منفصلتين تماماً مع تقييد للحركة واشتراط تأشيرات، أو «مرنة» مع ضمان حرية الحركة للأشخاص والبضائع وحقوق الإقامة.

من جهتها، أفادت مجموعة الأزمات الدولية في تقرير صدر عنها مؤخراً أن «الحدود الصلبة للغاية من شأنها أن تهدد سبل عيش الرعاة في الشمال والجنوب على السواء وأن تتسبب في معاناة الجنوبيين الذين يعتمدون على السلع والخدمات من الشمال وتقييد المجتمعات التي تؤمن بفوائد المبادرات المشتركة والتفاعل العابر للحدود».

وسيتطلب الأمر التفاوض بشأن العديد من القضايا الشائكة، بما في ذلك «من يستطيع عبور الحدود، وما هو وضعه القانوني، وكيف يمكن تحديده وأين ومتى وإلى متى يمكن أن يعبر بالإضافة إلى حقوق ومسئوليات الأفراد على جانبي الحدود (بما في ذلك النشاط الاقتصادي ورسوم الرعي والترتيبات الاجتماعية والضرائب)».

المخاوف الشمالية

وفي الجنوب، يشعر الشماليون أيضاً بالقلق من العواقب المحتملة. وهو القلق الذي عبر عنه علي سعيد الذي يعمل تاجراً في مدينة جوبا عاصمة الجنوب بقوله: «أخشى أنه في حالة حدوث مشاكل في الشمال وإخراج الجنوبيين قسراً من الخرطوم سنكون في وضع سيئ هنا في الجنوب».

وأضاف «أود البقاء في الجنوب ولكنني أشعر بالخوف من احتمال أن تثير أية أعمال عنف هناك في الشمال ردود فعل مماثلة هنا في جوبا». كما يشكل الشماليون جزءاً أساسياً من مجتمع الأعمال في الجنوب. وهناك أيضاً أعداد كبيرة من السكان الذين اتخذوا لهم منازل جديدة في الجنوب بعد أن فروا من العنف في المنطقة الشمالية الغربية من دارفور

العدد 2942 - السبت 25 سبتمبر 2010م الموافق 16 شوال 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً