العدد 2940 - الخميس 23 سبتمبر 2010م الموافق 14 شوال 1431هـ

اجتهاد لتعريف البنية التحتية (1 - 2)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

عند زيارة إحدى المدن المتقدمة في صناعة تقنية المعلومات والاتصالات مثل نيويورك، لا يملك الزائر، إلا التوقف عندما يشاهده من سلوكيات، أصبحت شبه منتشرة في أوساط سكان تلك المدن. فما أن تسأل عن عنوان معين، حتى يهب من يريد المساعدة، فيخرج من جيبه هاتفه النقال، أو جهاز «الآي بود» (Ipod)، ويجيب على السؤال في دقائق، إن لم يكن في ثوانٍ معدودات.

يثير مثل هذا السلوك الكثير من التساؤلات بشأن الآليات التي وفرت هذا المستوى السريع والكفوء مثل هذه الخدمات التي، عندما نذهب في عمقها، سنكتشف أنها ذات علاقة مباشرة مع البنية التحتية القائمة في تلك المدن. وهذا يقود إلى تساؤل آخر، هل ما يزال تعريف البنية التحتية تلك، هو ذلك الذي قرأناه في كتب الاقتصاد التقليدية. البعض يطلق عليها اسم البنية التحتية، وهناك من يدعوها الهياكل الأساسية، والشائع المعروف لتسميتها هو تركيبة متبادلة بين مفردات التعبيرين. وفي الاقتصادات التقليدية يكتفي التعريف المختصر للبنية التحتية باعتبارها أنها هي «النظم الأساسية المادية لبلد ما أو لسكان مجتمع محلي محدد، بما يشمل الطرق والمرافق العامة، ومياه الصرف الصحي، وكل البنى والنظم الأخرى التي تمد اقتصاد بلد ما بالقدرة على الإنتاج». ومن ثم فإن القدرة الإنتاجية لأي بلد تتناسب طردياً مع حسن بناء، ومن ثم كفاءة أداء بناه التحتية. وعادة ما يقع تشييد تلك البنى على عاتق الدولة، إلا في حالات استثنائية، عندما يصل التخصيص إلى درجة عالية، كما هو الحال في الاقتصاد الأميركي، بغض النظر عن الانتكاسات التي تعرض لها مؤخراً.

مقابل هذا التعريف المقتضب، هناك تعريفات اخرى اكثر تفصيلا مثل ذلك الذي يتبناه رئيس الهيئة الوطنية الهندية للإحصاء، سي رانجاراجان الذي يعتبر البنية التحتية على أنها «خطوط السكك الحديدية، الطرق والجسور والمطارات، التمديدات الكهربائية، خطوط الهاتف وشبكة الاتصالات السلكية واللاسلكية، خطوط أنابيب المياه والنفط الخام والمجاري المائية، والموانئ، وقنوات وشبكات الصرف الصحي والري».

وتذهب تعريفات اخرى، كما جاء في إحدى الأوراق المقدمة إلى «منتدى الرياض الاقتصادي» المنعقد في 24 ديسمبر/ كانون الأول 2007، والمعنونة بـ»نحو تنمية اقتصادية مستدامة» إلى اعتبار البنية التحتية بأنها «الخدمات التي تمثل العمود الفقري والأساسي من تجهيزات يتم تشييدها لكي تلبي الاحتياجات الحضرية والرفاهية للمواطنين وتساند الاقتصاد الوطني وتلعب دور الرابط الذي يربط المجتمعات و يجعلها متلاحمةَ، وتصنف إلى نوعين: الاقتصادية أو الفيزيائية: وتشمل خدمات المرافق المختلفة، مثل شبكات المياه والصرف الصحي والسطحي... الخ، والاجتماعية: وتشمل تشييد منشئات التعليم والمستشفيات وخدمات الأمن والدفاع المدني والترفيه وخلافه».

لكن مع تطور المجتمعات البشرية، وتنامي دور تقنية المعلومات والاتصالات في الاقتصاد الوطني، وفي استخدامات المواطن العادي لها وللخدمات التي تقدمها، برزت ضرورة تفرد البنية التحتية الخاصة بتلك «التقنية» بتعريف خاص بها وبالخدمات المنبثقة عنها. وهنا مرة أخرى نجد أنفسنا بين تلك التعريفات المختصرة، وتلك التي تدخل في التفاصيل. فهناك من يرى البينة التحتية ذات العلاقة بتقنية المعلومات والاتصالات على أنها «الأجهزة المستخدمة والمعدات المستخدمة للربط بين أجهزة الكمبيوتر، وبين هذه الأخيرة ومستخدميها. وتشمل البنية التحتية وسائل الإعلام، بما في ذلك خطوط الهاتف وخطوط تلفزيون الكابل والأقمار الصناعية والهوائيات، وكذلك أجهزة التوجيه (Routers)، وتجميع (Aggregators)، وغيرها من الأجهزة التي تتحكم في مسارات الإرسال. وتشمل البنية التحتية أيضا البرامج التي يتم استخدامها لتوليد الخدمات المرتبطة بها، وذات العلاقة بتلك (التقنية) التي تصاحبها».

وتذهب تعريفات أخرى أكثر تفصيلاً كي تضيف إلى كل ذلك «البرمجيات العامة، وخدمات التطوير والصيانة المرتبطة بها، وخطوط التشبيك التي تربط بين تلك البرمجيات»، وهي طبقة أخرى تضاف إلى نظام التشبيك الأساسي. ومرة أخرى نجد أنه، وحتى في الاقتصادات المتطورة، ما تزال تسود النظرة التي تعتبر أن تشييد تلك البنية التحتية، هو من صلب مسئوليات الدولة.

ولعل متابعة ما يطرأ من تحولات في صلب وجوهر صناعة تقنيات المعلومات والاتصالات، والتي تقوم بها احتكارات عالمية خاصة بعيدة عن تدخلات الدولة، وتضع هي، بالتعاون مع بعض المؤسسات غير الحكومية، مقاييس ومعايير تصنيع المعدات الضرورية، والبرمجيات التي تسيرها، والخدمات المتولدة عنها، يرفع علامة استفهام كبيرة أمام قدرة الدولة، مهما بلغ تطور هياكلها الإدارية، على اللحاق بوتيرة تلك الصناعة، وامتلاك القدرة المالية والإدارية على متابعتها، ووضع المقاييس لها، دع عنك القيام بها. ومن ثم ما هي طبيعة العلاقة المتوقع تبلورها بين القطاع الخاص والقطاع العام في البلدان التي وصلت فيها صناعة تقنية المعلومات والاتصالات إلى درجات متقدمة؟ لا ينبغي هنا إغفال أو التقليل من دور منظمات مثل قطاع تقييس الاتصالات في الاتحاد الدولي للاتصالات، في مساعدة تلك الشركات على تسريع دورة وضع المقاييس والتقيد بها.

المسألة الثانية التي ما تزال النقاشات حولها في مراحلها المبكرة، على مستوى المعالجة، هي المكانة التي باتت تتمتع بها المعلومات، او بالأحرى، ما اصبح يطلق عليه تعبير المحتوى (Content) والخدمات المتولدة عن معالجتها في تلك البنية التحتية. إذ لم يعد المحتوى اليوم مقتصراً على المعلومات فحسب، إذا تتداخل، وبشكل عميق، وتحت مسميات المحتوى، العلاقة بين المعلومات والخدمات المتولدة من معالجة تلك المعلومات.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2940 - الخميس 23 سبتمبر 2010م الموافق 14 شوال 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 10 | 6:04 م

      نريد حلا

      السيد العزيز عبيدلي. انا من اشد المتابعين لمقالاتك والمعجبين بها طبعا ارجو منك الكتابه في موضوع الشركات الوهميه . نريد من يقف بجانبنا نحن المتضررين . اموالنا اختفت ولكن الى اين ؟؟ نريد من يتطرق لهذا الموضوع ومن يبحث فيه نريد ان نعرف ماذا جرى ارجوك يالعزيز اكتب في هذا الموضوع لعل من المسؤوليين في الدوله يقرأ ما كتب ويرد علينا ويطمنا

    • زائر 9 | 1:52 م

      نحن كثيراً ما نلاحظ أننا لا نقرر أهدافنا أو غاياتنا بإرادتنا الذاتية , فالأوضاع والمثيرات والظروف هي التي توجهنا وتحدد غالبية تصرفاتنا وأهدافنا

      وهذا يشبه ما يحصل في الكومبيوتر, فالمدخلات هي التي تحدد المخرجات بعد معالجتها حسب نظام عمل الكومبيوتر والبرنامج العامل والذي يتضمن أيضاً الذاكرة المخزنة . فالأوضاع أو الظروف تفرض تأثيراتها التي هي بمثابة مدخلات إلى دماغنا , فتعالج حسب آليات ونظام عملة وحسب ما تم تعلمه أي ما خزن في الذاكرة . وكثيراً ما تحدد هذه الظروف ( أو المدخلات ) دوافعنا وأهدافنا وتصرفاتنا ... شكرا مجددا للأستاذ عبيدلي على الطرح المتنوع والمتميز ونتمنى طرح المزيد المزيد

    • زائر 8 | 1:50 م

      التعامل مع الخيارات و التفكير الواعي

      فالحيوانات تتعامل مع الخيارات بدرجات متفاوتة من الوعي ، ففي حالة الحشرات والكائنات الحية البسيطة ولدى وحيدات الخلية يكون الوعي في أدنى درجاته- إن لم يكن معدوماً- ,كما أن النباتات تتعامل مع الخيارات و بدون وعي .البنيات غير الحية تتعامل مع الخيارات :
      فالنهر أثناء تشكله - تشكل مساره- يتعامل مع الخيارات الفيزيائية ( مواد وقوى ) ويكوَن مجراه ، وكذلك العاصفة ، وكذلك المجموعات الشمسية, و الذرات، وكذلك المورثات.

    • زائر 7 | 1:48 م

      مقتطفات من دورة قادة الغد

      أساس الذكاء أو التفكير وكذلك الإدارة والقيادة هو التعامل مع الخيارات و لقد قيل:
      "أن الذكاء هو انتقاء البديل الأمثل من ضمن عدة بدائل ( خيارات ) ممكنة في ضوء الغايات المحددة والمعايير المقررة سلفاً"وهذا معناه أن أساس التفكير هو التعامل مع الخيارات لهدف معين .وأبسط أنواع التعامل مع الخيارات هو التعامل مع خيارين فقط :موجود-غير موجود، صح –خطأ، فعل – لا فعل ، مفيد- ضار ، أكبر- أصغر ، قبل – بعد ، نعم – لا ، تريد –لا تريد ، فوق – تحت ، يمين – يسار ، أمام – خلف ، خير – شر

    • زائر 6 | 1:46 م

      الحرية ودلالاتها

      أننا إذا درسنا غالبية خصائص إنسان معين , خصائصه الفزيولوجية والنفسية والفكرية – دوافعه ورغباته .... , ودرسنا العناصر والأوضاع والظروف المادية والاجتماعية والثقافية ..... الموجود فيها .فعلى الأغلب نستطيع التنبؤ بغالبية استجاباته وتصرفاته , ونجدها ناتجة عن العناصر والظروف الموجودة .وهذا يعني أننا إذا وسعنا دائرة العناصر والتفاعلات , فإننا نجد أن تعامل هذا الإنسان مع الخيارات محكوم بالعناصر والظروف الموجودة , إي إن إرادته موجهة وتابعة لمحصلة تلك العناصر والظروف الداخلية والخارجية الموجودة

    • زائر 5 | 1:45 م

      ما هو مفهوم الحرية?

      إن مفهوم الحرية تشكل لدي الإنسان نتيجة الحياة الاجتماعية المتطورة , وهو نتيجة تفكيره المتطور الذي يعتمد السببية , ونتيجة امتلاكه لغة متطورة .
      فمفهوم الحرية يعتمد على الإرادة التي هي استجابة وفعل يقوم به الإنسان , وكذلك تملك كافة الكائنات الحية المتطورة الإرادة , ولكنها لا تملك مفهوم الحرية .وهناك الشعور بالحرية أو الشعور بالقدرة على التعامل مع الخيارات المختلفة والاختيار الإرادي لأحدها .

    • زائر 4 | 8:45 ص

      البنية التحتية الأساس "الدستور"

      دستور مملكة البحرين
      المادة 19 ا- الحرية الشخصية مكفولة وفقا للقانون.
      المادة 23 حرية الراي والبحث العلمي مكفولة، ولكل انسان حق التعبير عن رايه ونشره بالقول او الكتابة او غيرهما، وذلك وفقا للشروط والاوضاع التي يبينها القانون، مع عدم المساس باسس العقيدة الاسلامية ووحدة الشعب، وبما لا يثير الفرقة او الطائفية.
      المادة 24 مع مراعاة حكم المادة السابقة تكون حرية الصحافة والطباعة والنشر مكفولة وفقا للشروط والاوضاع التي يبينها القانون.

    • زائر 3 | 12:30 ص

      هناك العديد من البحوث وضعت في المكاتب العامة ونشكر الكاتب عبيدلي الذي اختزل العديد في هذا المقال

      وسوء الأداء الإداري مفسد للاقتصاد، ذلك مرتبط كثيرا بإدارة الأموال التي لا تنفق في حقها، ولا توضع في موضعها، بل تذهب في مصاريف ليست ذات مردود lالنفعيين الذين لا توجد نسبة بين ما يتلقونه من كوبونات وأداؤهم المهلهل، والتنكيل بالمبدعين داخل بعض المؤسسات وتدبير لمؤامرات والمسائل الكيدية بإستغلال صغار الموظفين، وتكثيف الدعاية لأشخاصهم وتغطية ما يفشل من مشروعاتهم التي لم تأخذ حقها من الدرس، أو درست وضرب عرض الحائط بآراء الخبراء والدارسين، وتمويل المغامرات الجنونية العاطفية لإرضاء الطموحات الشخصية!

    • زائر 2 | 11:19 م

      والشهادة لا يجوز كتمانها ولا التخلف عن أدائها، كما قال الله تعالى (ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا) (سورة البقرة:282) (ولا تكتموا الشهادة، ومن يكتمها فإنه آثم قلبه) (سورة البقرة:283)

      والوقوع في شراك قروض وديون لا تبني بها صناعة ثقيلة، ولا قواعد إنتاجية، ولكن تنفق في أمور استهلاكية، لا تغني من فقر، ولا تقدم لغد، وهذا كله يؤدي إلى خلق حالة من اليأس والإحباط وعدم المبالاة لدى الفرد العادي، يؤثر في مردود الإنتاج، ومسيرة التنمية كلها.وإذا الحبيب أتى بذنب واحد جاءت محاسنه بألف شفيع! وهنا سيطرة العلاقات الحميمة وسوء الأداء الإداري لما يترتب عليه من تضييع الأمانة، وتوسيد الأمر إلى غير أهله وفيه الهلاك والدمار.

    • زائر 1 | 11:09 م

      ونضف إلى ذلك الفئة العمرية والتوجهات والإثنيات الفكرية

      إن جيل ال ثمانينات مختلف عن السبعينات ، جيل الثمانينات أصبح في العقد من الثالث وهو لم يمر بالمرحلة الزمنية التي شكلت فيه تركيبة فكر السبعينات ، أصبح جيل الثمانينات هدفه ( الجيب - الفلوس - الحلول السريعة - التعليم على طريقة الوجبات السريعة ) وخاصة بالفئة التي فتحت عينها بعد إقتطاف جهود أباؤها ، لذا أصبح الماديات من أهم الأولويات وأصبحت المادة وسيلة لتحقيق العديد من الغايات ودهن السير أصبح عن طريق الكوبونات ، والمعلوماتية في الدول النامية من باب الوجاهه \\\\ مع تحيات Nadaly Ahmed

اقرأ ايضاً