العدد 2414 - الأربعاء 15 أبريل 2009م الموافق 19 ربيع الثاني 1430هـ

الهاشمي يقرأ تحولات المرأة وتوحد العاشق بالمعشوق

خلال تدشين ديوان «اشتهاءات» أسيري

أقام الملتقى الأهلي الثقافي أمسية للشعر والنقد، إذ دشنت الشاعرة إيمان أسيري ديوانها الجديد «اشتهاءات» وفي التفاتة إنسانية حانية خصصت الشاعرة أسيري ريع الديوان لجمعية أولياء أمور المعاقين، ومن جهة أخرى قدمت نائبة رئيس جمعية المعاقين إيمان الناصر شكرها للشاعرة على المبادرة الكريمة، وعرفت بأهم جهود الجمعية ودورها في رعاية المعاقين والتعريف به وبقدراته وأهمية إشراكه في الحراك المجتمعي، وقدم خلال الأمسية الناقد علوي الهاشمي قراءة حول تحولات المرأة وتوحّد العاشق والمعشوق عبر بوح الشاعرة إيمان أسيري في ديوانها «اشتهاءات».

في البداية أشار الهاشمي إلى أنه قرأ الديوان خمس مرات، وأنه مع كل قراءة يزداد متعة وعمقا ثم توقف مع العنوان «اشتهاءات» فأكد على ما للعنوان من دلالة مهمة في دخول أي نص شعري فهو كما يسمى عند النقاد عتبة النص، والثريا المضيئة لأنحائه، فالعنوان محرك للنص، والنص يدور على منوال هذا الفعل المشتق من اسم «اشتهاءات» وهو جمع مذكر سالم لكنه في النص نادرا ما يرد اسما، بل دائما يرد عن طريق الفعل الذي تبدأ به الجملة الشعرية، والتي هي ضمن مكونين: الأول سردي يقوم النص عليه باعتباره محركا لعملية الاستطراد بما يحرك الذاكرة، والتي عندما تتحرك وتورد ما لديها من أحداث مسرودة، محكية، مقصوصة، يأتي البوح الشعري ليفجر هذا الواقع السردي، وهذه هي الآلية التي ستحرك «اشتهاءات» الشاعرة.

وتساءل الهاشمي- ما هذا النص؟ وعلام ينهض في الأساس؟ مجيبا بأنه ينبني على إعادة الإنتاج لقصة «ليلى وقيس» التاريخية المعروفة وتابع «صحيح أننا نقرأ بين الفينة والأخرى اسم قيس وليلى، ولكننا لا نلحظ ثقلهما التاريخي في النص، بل هما يذوبان ذوبانا تاما إلى حد أن قارئ النص كله لا ينتبه إلى القصة التاريخية، بل سيجدها تتخايل من بعيد كالظل في النص، ولكن لابد من الانتباه إليها بعد إعادة إنتاج القصة، واتخاذ ذلك النتاج إطارا للكشف عن دقائق العلاقة الحميمة بين الرجل والمرأة»، ويضيف «فلو انتبهنا إلى ص 8 سنجد قول النص (مثل فتى تاه عما يعرفه، عرف كيف يأتيها وكثيرا ما كتب عنها، لكنه صار ينسى، يسجل موعدها، و ينشغل عن حب ليلى في موعد ودونه، أشتهيك طفلا مدججا بالهوى يصيبني منك ما يصيب، ولا أهوى)».

وتابع «نص (الاشتهاءات) يطرح عددا من إشكالات العلاقة بين الرجل والمرأة، ولعل من أبرز هذه الإشكالات- مَنْ مِنْهما يمثل مركز هذه العلاقة الحميمة؟ الرجل أم المرأة ؟ فلو انتبهنا إلى ص 10 فالنص يقول (كان جريئا ولم يفهم سألته مرارا عن الرواية القديمة استدعى دمه لها فكادت أن تصدقه لكنها رأت كيف يفيض حبا بانشغالات غير ليلى) وهنا ينطرح إشكال مركزية المرأة في علاقتها بالرجل، في حين أن الرجل يبتعد قليلا أو كثير عن هذه المركزية في انشغالاته بغير ليلى».

وأكد الهاشمي على أن نص «الاشتهاءات» ظفيرة من السرد القصصي والبوح الشعري يتطور عن طريق آلية الكشف عن أدق الأسرار «أشتهي أن أراك كي أفتح الجنائن السرية وأدخل إليك من عوالم تهيأت لك سريعا» هكذا يجترح النص نقلة واسعة ليذكر خصوصيات وشعور المرأة الداخلي بأناها، مما لا يعرفه الآخرون، خاصة الرجال عن المرأة، وهذه واحدة من الإشكالات المطروحة في إظهار خصوصية المرأة، وانشغالها بأناها لكي تكون مركزا قويا لهذه العلاقة ولها أن تعتز بذلك على الأقل من وجهة نظرها: إذ يقول النص «مثل النساء اللاتي يحببن أول مرة لم تغسل ليلى، جسدها كان طيبا حتى النقاء، فراشات عبقت جسدها عفت عن الماء بمائه، هكذا تهواه، ولا يعرف لأشجاره ثمر، عنه لا تعرف، ولا تقرب تغافل في السؤال عنه، وتنظر لمائه الذي ترك ولدمه الذي اتبع» وعلق الهاشمي ذلك كان السرد، أما البوح الشعري فهو «أشتهي رائحته تعلق في ثيابي» دائما البوح يبدأ بفعل الاشتهاء «أنا والثياب نقيم حفلة عرس ونعلق ذرة ذرة من الرائحة على جدار القلب»

وأوضح الهاشمي أنه عندما دخل إلى النص في المرة الثالثة بدأت تتبلور لديه خطّة لدخول النص تتمثل في عنوان أسماه «بنية التحولات وتوالدها الدلالي والصوري» في نص «اشتهاءات» عبر استقراء الصور الجميلة لبنية التحولات وتوالدها الدلالي وأكد على أن المرأة تهرب من الجسد إلى الكتابة لأن الجسد لديها هي حالة تثمر شعرا وحياة.

وقرأ الهاشمي من النص «أشتهي مطرا يداهمني كي أرفع طرف ثوبي، ويراني، ما أجمل ثوبي محملا، ببرتقال ندي يلمس جسدي، أظنني إن داهمني مطر سيرتوي البرتقال وأعبق بالأريج وحينها سيراني» هذه من الصور المتميزة في النص والتي تشير إلى التحولات، بين الجسد والكتابة ثم بين الطبيعة والمرأة في إطار البرتقال الذي يزين ما تلبسه ثم يتحول هذا البرتقال إلى اكتشاف بالنسبة للرجل.

وانتقل الهاشمي ليبين أن التحول في الحالات الداخلية خفي خشية اللقاء، بينها وبين الخارج وتساوي هذه الحالات بين الجسد أو الحزن والكتابة للرجل، والتي تبدو وكأنها كبسولة زمنية يحقق فيها غروره وحلمه بالخلود.

وقرأ «وهكذا وضعت اشتهاءاتها في الحقيبة وأودعتها ببابه كالذي أصابها ما لا تعرف فارتدى دمه بسرعة والتقط الهاتف العزيز وترك لها الحقيبة، اشتهته يرشقها بقصائد فاتحة لمجرى الهوى قصائد تنضو عنها ثوبها ليلسع بنارها، تطوقه لعله يدرك أنها دمه»، وعلق الهاشمي حين تتزامن اللحظتان لحظة الكتابة ولحظة الجسد أو الحالتان الداخلية والخارجية أو تتواجهان وربما تتصارعان، حينها تفزع الذات الذكورية الشاعرة نحو الجسد ليهيئ منه صفحة بيضاء صافية تصلح للكتابة، فالجسد هو المحرك الأعظم للكتابة هذا ما يدركه الرجل، ويؤمن به في لحظة التجاسد «اشتهاها صافية تدنو بلا خجل يطوقها في غفلة يهيج في غفلة، يغفو»

وأضاف علوي «أما المرأة - ولأن الجسد جسدها وهو صفحة الكتابة، ونزفها هو المداد- فإن رؤيتها تختلف ورأيها يتباين لأنها تذهب أبعد من الجسد في اشتهاءاتها»، ويقرأ «اشتهت صدقه نساء كثيرات يطللن من ثوبه اقتربت منه خلعت الثوب عنه وجدته يفترش القراطيس، ولا يعرفها» وعلق، المرأة هنا صورة رمزية للحياة و اشتهاءاتها، والرجل صورة مباشرة لحب الأنا، الجسد نقطة التقاطع بينهما كل منهما في اتجاه مثل سهمين متعاكسين، حين يلتقيان للحظة « اشتهي افتتانك بي أبعد القلق عني ثمة مطر قادم وثمة زهرة منسية في الحديقة» وعلق الهاشمي هذه عودة الرجل أو العاشق الضال إلى حضن أنثاه حين لا يبقى له سواها، ولا يبقى لها سواه، «اشتهته، هذا العاشق الذي ما كل من ترتيب الأسرة غادرته النساء لما رأين النهار تسرب خلسة إلى شعره، لم تعرف ما تركن لها فضة شعره، وذهب العشق» لذلك كان الاسم «ليلى اسما للبنية» لأن هذا الاسم رمز تاريخي لتوحد العاشق بمعشوقه منذ اللحظة الأولى فالمرأة هي المرأة واحدة والرجال كثيرون.

وأكد الهاشمي أن الشواهد شعرية كثيرة، ودالة على حالة التوحد بين العاشقين عبر عملية التبادل في الدور، أو الجلوس في كرسي الآخر، هكذا يكون الكشف، والانكشاف بالنسبة إلى سيرورة هذا النص «اشتهت عذوبته لما قال أحبك بطريقتي، عشقت فتاها، حملت إليه الحلوى، ونبتة الهوى» وعلق هكذا يبدو الخروج من الصمت عبر تبادل الأدوار، ويتحول الرجل إلى راوية، فيعذب الحب، وحواء تسمع ما يقول «تشتهي انعتاق القفل في صمته، قناديل الحديث، تضيء عتمة البحر، وتطيب الهوى، في مبسمه» ومن الصور العميقة لحالة التبادل والتوحد في العشق التي تتم من خلالها بنية التحولات بين العاشق والمعشوق قول الشاعرة «اشتهت فراشاته التي يرسلها لتشرب الضوء عندها تتعجل القيام إليه عندها تتناثر الفراشات يهمس أحبك» المرأة هنا تدرك بقلبها منذ اللحظة الأولى للحب أن فيها يختزل عمرها كله وأن بداية الطريق هي نهايته وأن الربيع والخريف، ما هما إلا فصل واحد، له طرفان كالقوس والوتر المشدود بين طرفي «أشتهي رغبتي فمن غيره يستحقها».

وأضاف الهاشمي أما التوحد المشتهى عند المرأة فهو في لحظة تقاطعها معه معكوسا في مرآتها ويظهر عبر قول الشاعرة «اشتهيتنا مثل اثنين، تلاقيا بيسر، تحققا، وبيسر لم يفترقا» إذن إشكالية التوحد بين «البِنَيَّة وليلى» أي بين المرأة وسواها من المعشوقات عند الرجل، تتمثل في تحولات القراءة من ليلى إلى البنية « اشتهته يفك وشاحها كلما تقدم تعثرت بالبنفسج يا لهذه اللمسة التي كلما اغتسلت زاد العبق».

وأضاف الهاشمي، وفي واحدة من أطول الاشتهاءات في النص التي تلعب دور الرمز لعالم الرحم المظلم وغموض الرغبات المشتهية حين يكون الرجل طفل المرأة هذه الولادة الجديدة من رح بين الرجل والمرأة «اشتهي هدهدات، بين النهد والنهد، أتمرغ في رجرجة النهرين، أغيب اسقني يا ليل، وخبريني كيف الجراح، تلتئم، وكيف الكون في كرومك ينبسط، وكيف أغيب عني اسقني، يا ليل وخبريني، لمَ أغف بين النهد والنهد» تحولات الرجل في وعي المرأة وتجربتها الممتدة عبر الواحد المتعدد القريب الذي يبتعد والواحد الذي يتكاثر تظهر من خلال قولها «أشتهي امتدادك يا صديقي» فنرى كيف بدأ النداء يتلون تلونا جديدا وقبله قالت «يا مولاي لك عالم يهرول، يا أشتهي امتدادك، يا صديقي، كسل المسافات في لقائك، بحار واسعة اللظى، بنشيد، هواك ليس لي»، وهكذا تتشظي تجربة الرجل، بين المرأة والمرأة، بين ليلى التي نسي اسمها، والبنية التي يقبلها، فيلاعب أطفالها، ويفكر في غناء ليلى، وتظهر صورة ليلى في تجربة الرجل متشظية بين ليلى التي يغنيها، وليلى التي يعايشها، وليلى التي يتذكرها، أو يعشقها، ويشتاق إلى وجهها، «فتح شرفات الضوء عليّ، أعاد ما كتب، ورسم ثانية اسم امرأته، أطفاله، دمه بين الكتب، ونسي اسم ليلى «ثم يقول في الاشتهاء» أشتهي صحبة وجهك، تضيق كلماتي حين لا تتسع لتفسيرك، أضيق فافتح المدى لأسمعك، تغنين، مجنون ليلى جن بوجهه، وهنا تجربته بين المرأة والكلمة والكتابة تتشظى لتصبح المرأة كتابة والكتابة امرأة، أما من منظور المرأة فالرجل واحد هكذا تراه دائما يمثل مركز اشتهاءاتها «أشتهي سعادتك، وأغار إذ لا أجرؤ إلا الوقوف ببابك، أريدك في الفرح سأهنئك بي، أهديك قرنفلا، والكرز الذي تحب، وأعلق فستاني الأبيض في سمائك، آه كم أحبك»

وختم الهاشمي قراءته معلقا: هذا هو توحد العاشقين وتحولهما إلى حالة كونية عبر مظاهر الطبيعة حيث يتحقق التحول الفني من موضوع أو معطى واقعي إلى رمز فيه ينصهر العاشقان في لحظة التوحد والانكشاف، وتلتقي القصيدة أو الحالة التعبيرية إلى ذروتها العليا حين تقول على لسان الرجل «أشتهي تحولك اصفرار التفاح في خريف وردك، ضوء جسدك في دورة الفصول ألتذ بمرآك لا أحفل بأسئلتك وأقترب لأهمس لك عن أسفي يوم لم أعرفك»

العدد 2414 - الأربعاء 15 أبريل 2009م الموافق 19 ربيع الثاني 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 2:58 ص

      ليلى

      واااااااااااااااو.....أتمنى ان أقرأ هذا الديوان

اقرأ ايضاً