العدد 2414 - الأربعاء 15 أبريل 2009م الموافق 19 ربيع الثاني 1430هـ

جزيرة أوال عبر التاريخ

الباحث السعودي عبدالخالق الجنبي بجمعية المعاني السامية يرصد:

أقامت جمعية المعاني السامية محاضرة للباحث السعودي في مجال التراث والتاريخ عبدالخالق الجنبي حضرها أعضاء الجمعية ومجموعة من المهتمين والباحثين في مجال التاريخ والتراث، إذ تحدّث الجنبي فيها عن تاريخ جزيرة أوال، وعن أهم تسمياتها، ومعالمها التراثية التي حفظها التاريخ وأهم الجموع البشرية التي نشأت فيها أو استوطنتها أو مرت عليها وتركت أثرا فيها وتأثرت بها وبثقافتها.

في البداية تحدّث الجنبي عن مركزية جزيرة أوال لما حولها، وعبر عنها بأنها كانت دوما في تبادل حضاري، فكل الحضارات التي أخذت منها أوال شيئا ما فإن أوال أعطتها الكثير وتركت بصمتها بمن مر بها في صيغة من صيغ التبادل الحضاري المستمر، تحدّث عن جوانب ما اصطلح عليه بالتاريخ المكتشف وغير المكتشف في جزيرة أوال من العصر الحجري الأدنى وفجر السلالات الأولى، والحقب الدلمونية، وفترة تايلوس، وفترة السيطرة الفارسية، والفترات الإسلامية.

وأشار الجنبي إلى تعدد التسميات لهذه الجزيرة ودلالاتها إذ ترد دلمون في النصوص السومرية وتلمون في غيرها، وتيرم كما هو الاسم القديم لأوال أو تيرم كما سماها المؤرخ استرابو، وأرجع الجنبي إلى أن التباين في ذلك عائد لخلفيات المكتشفين وتغاير ألسنتهم حيث تتميز كل لغة بحروف معينة وتغيب منها حروف أخرى، مما يجعل التسميات تختلف في بعض الحروف أحيانا ثم تتحوّر شيئا فشيئا، مستشهدا باسم الإله أنكي وعنكي فبعض الحروف لا يوجد لها بدائل أو شبيه في اللغات الأخرى، وهذه الظواهر الصوتية عادة ما يكون لها دور في اختلاف المسميات، ورأى أن تلمون الذي هو دلمون استغله البعض ليثبت أنها هي تايلوس.

ثم تحدث عن ورود أوال في الشعر العربي القديم والنصوص التاريخية، فتوقف مع الشاعر النابغة الجعدي في قوله :

مَلَكَ الخَوَرنَقَ والسَدِيرَ ودانَهُ

ما بَينَ حِميَرَ أَهلِها وَأُوالِ

وقول الشاعر المخبل السعدي:

تَحَمَّلنَ مِن ذاتِ الإِزاءِ كَما اِنبَرى

بِبَزَّ التِجارِ مِن أُوالَ سَفائِنُ

وورودها في شعر تميم بن أبيّ: إذ يقول

مَالَ الحُدَاةُ بِهَا لِحَائِشِ قَرْيَةٍ

وكَأَنَّهَا سُفُنٌ بِسِيفِ أَوَالِ

وورودها في شعر الفرزدق:

وَلَقَد هَمَمتَ بِقَتلِ نَفسِكَ خالِيا

أَو بِالفَرارِ إِلى سَفينِ أَوالِ

وما قاله جرير:

مُتَقاذِفٍ تَلِعٍ كَأَنَّ عِنانَهُ

عَلِقٌ بِأَجرَدَ مِن جُذوعِ أَوالِ

وما قاله الأخطل:

خوص كأن شكيمهن معلقٌ

بقنا ردينة أو جذوع أوال

وقوله أيضا

يَمري الجَلاجِلَ مَنكِباهُ كَأَنَّهُ

قُرقورُ أَعجَمَ مِن تِجارِ أُوالِ

وما قاله البحتري:

ما لِلنَوى تَعِسَت وَأُتعِسَ جَدُّها

قَطَعَت رَجايَ وَأَخلَفَت آمالي

شُدَّت عَلى جَمعي الأَحِبَّةِ عَنوَة

يَومَ الخَميسِ ضُحا سَفينَ أُوالِ

وكذلك مع ما قاله أبو العلاء المعري:

ولو كان حقا ما ظننتنّ لاغتدت

مسافة هذا البرّ سِيف أوال

وأشار الجنبي إلى قرى الجزيرة التاريخية والآثارية مثل باربار التي بها المعبد الأثري إذ يعد من أرقى المعابد القديمة، وأضاف أن هذه القرى احتفظت بمسمياتها حتى العصر الراهن مثل الدِّراز وسار والبلاد القديم والدَّير وسماهيج والماحوز وسترة والجنبية والمرخ حيث هناك مرخ في الشمال وأخرى في الجنوب إذ عثر على لقيات صدفية من زمن العصر الحجري لصيادي اللؤلؤ.

وذكّر الجنبي بكتاب نزهة المشتاق للمؤرخ الإدريسي حيث يقول فيه «إن في أوال مدينة قديمة تسمّى البحرين ومن عيونها عذاري وأبو زيدان والمويلغي»، والتي ربمّا هي في القلعة أو غيرها، وشكك الجنبي أن يكون بنو أمية هم من ردموا عين أم السجور في الدراز إذ كانت مبنية من الحجر الذي ترك فترة طويلة وكان من السهل سقوطه في العين وردمها.

ولفت الجنبي إلى ظاهرة العيون في الجزيرة وما حولها فذكر أن الدراسات الجيومورفولوجية أكدت على أنّ ساحل الخليج لم يأخذ شكله الذي هو عليه الآن إلا في حدود الأربعة آلاف سنة قبل الميلاد. وأن عمق هذه العيون، والهيئة الهندسية البديعة التي حُفرت عليها تستلزم دون شك وجود آلات حفر حديدية صلبة كالمِعْوَل والقَدُّوْم وما شابه، وهذه الآلات وجدت في العصر الحديدي الذي يؤرخ الآثاريون بدايته في الشرق بين (4000 – 3500) قبل الميلاد، وعليه فإنه يمكننا القول بكل اطمئنان إنَّ حَفْرَ هذه العيون قد تم بعد العام 4000 قبل الميلاد.

وأكدَّ الجنبي إلى أن التنقيب الآثاري الذي قامت به البعثة الدانمركية في جزيرة أوال، وجزيرة تاروت أثبت أنّ بعض هذه العيون كانت محفورة أو هيئت لطقوس عبادية قبل العام 2000 للميلاد أي أنها كانت موجودة قبل هذا العام، وعليه، فإنّنا نستطيع تحديد العمر المبدئي لأقدم العيون بأنه يقع بين (4000 – 2000) قبل الميلاد. وتابع «وتؤكدُ بعض الألواح المنحوتة في جنوب العراق أنّ (إنكي) إله (اللج) -أي المياه الجوفية العذبة- كان يسكن في دلمون، ويتضح من الألواح أنه هو الذي وهب دلمون المياه العذبة الوفيرة حسب ما يرد في ترتيلة شعرية على لسانه جاء فيها مخاطبا ابنته (نين سيكيلا) حامية دلمون: (ليقم أوتو المستقر في السماء، وليحضر المياه الحلوة من الأرض... دعيه يجعل دلمون تشرب منها المياه الوفيرة...)».

وتابع الجنبي وكما ورد في ترتيلة أخرى حوارٌ جرى بين (إنكي) وابنته (نين سيكيلا) فيه ما يفيد أنّ (إنكي) كان من حافري العُيون في دلمون، فقد جاء فيه على لسانها تخاطب أباها بقولها: «أنت أعطيتني مدينة... مدينة مزودة بالماء في أنهارها...» ويردُّ عليها (إنكي) قائلا: مدينتك سوف يكون لها ماءٌ وفير للشرب من أجلك... وبئرك ذو الماء المالح سوف يصبح بئر ماءٍ عذب... ومن فوّهة الماء الدافق على ضفّة النهر... يأتى الماء الحلو من الأرض... ستكون دلمون أماكن السكنى فيها أمكنة هانئة...» واستنتج الجنبي أن هذه نصوصٌّ واضحة وصريحة لا تدلّ على حفر العُيون في دلمون فحسب، بل تدلُّ على معرفة بمصادر المياه في أرضها أيضا.

ورأى الجنبي أنه بحسب الألواح المكتشفة، فقد كان (إنكي) معاصرا لزمن الطوفان، وقد أنقذ منه البشري الخالد (أوتو نبشتم) الذي أصبح من الخالدين في دلمون، وهو الذي زاره فيها جلجاميش طلبا للخلود العام 2650 قبل الميلاد.

العدد 2414 - الأربعاء 15 أبريل 2009م الموافق 19 ربيع الثاني 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً