العدد 2936 - الأحد 19 سبتمبر 2010م الموافق 10 شوال 1431هـ

قصّة القتل وبيع الأصابع للذكرى!

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لنقرأ القصّة كما جرت فعلاً. تَشَكَّل الفريق السِّري من 12 رجلاً. أعضاؤه كلّهم من الجنود الأميركيين العاملين في أفغانستان. كانت المُهمّة هي «قتل مدنيين أفغان بهدف التسليّة وبَتْرِ أصابعهم بغرض الذكرى، وبغرض تقديمها كجوائز» بحسب ما جاء في صحيفة «الغارديان» البريطانية.

الاتّهام وُجِّهَ لخمسة جنود أميركيين بمباشرة القتل، وإلى سبعة جنود آخرين بتهمة التستّر على القتل وجميعهم من لواء مشاة عسكري أميركي مقرّه ولاية قندهار الأفغانية. أبرز المتّهمين هو السرجنت كالفن جيبز (25 عاماً) وجيرمي مورلوك (22 عاماً) وآندرو هولمز (19 عاماً).

بدأت الفرقة تحرّكها الأول في قرية محمد قلاي. أوقَفُوا رجلاً أفغانياً مدنياً حِذَاء الجدار. بعدها سَلَّم السرجنت كالفن جيبز زميله جيرمي مورلوك قنبلة يدوية فرماها الأخير على الرّجل الأفغاني فأحرقته على الفور، بينما تولّى زميلهم آندرو هولمز مهمّة إطلاق النار على الرجل الأفغاني وهو يحترق.

في الجريمة الثانية لفرقة الاغتيال فقد أمسك المجرمون رجلاً أفغانياً يُدعَى ماراش آغا، حيث قام كالفن جيبز بتصويب النار عليه فأرداه قتيلاً، ثم وَضَعَ بندقية كلاشنكوف على جثّته بغرض التمويه وتقديمه على أنه كان مقاتلاً مع صفوف حركة طالبان وضد الجيش الأميركي.

في الجريمة الثالثة، قام السّفّاحون باقتياد مدني أفغاني هو الملا عباد داد، صادفوه في الطريق، ثم أبعدوه عنهم مسافة تجعلهم قادرين على لَمْحِه جيداً، ثم رموا عليه قنبلة يدوية حوّلته إلى حُطام من العظام المكسوّة برماد أسْوَد. وفي الحالات الثلاث كان الجناة يبترون أصابع ضحاياهم ويلتقطون صوراً معهم وهم مُسَجَّوْن على الأرض يسبحون في دمهم المُرَاق.

ما يهمّ من هذا الأمر ليس الوقوف أمام «حالة» تمّ رصدها ويتمّ التعامل معها قانونياً، وإنما المهم هو إدراك أن هذه الحالة هي في الحقيقة «ظاهرة» تتحقّق بالفعل العسكري لقوات احتلال، التي تتجاوز في أغلب الأحيان التعليمات السياسية لتجنح صوب تعامل ما تُمليه معارك الأرض عليها وفق نظرية «كسر العظم».

وللتدليل على غياب التعليمات العسكرية والسياسية للثكنات وللضباط وللجنود ما تكشفه يومياً الصحافة الغربية عن تورّط جنود بريطانيين في قضايا تعذيب أو تهريب وبيع الأفيون، وتورّط جنود أميركان في قضايا قتل واغتصاب، أو تجاهل جنود هولنديين تعليمات قادتهم السياسية واتّباعِهِم منهجاً براغماتياً على حدّ وصف المؤرخ الهولندي آرثر تنكاتا.

كما أنه وللتدليل على أن ما يجري بالفعل ليس بمقدار حالة فقط، فإن بداية «الكشف» عن الفريق السّري المزبور والذي تمّ رصده، هو تفاخر السرجنت كالفن جيبز في قاعدة رامرود العسكرية الأميركية بأفغانستان وبأنه أفلت من العقاب عدّة مرات عن أعمال مماثلة قام بها في العراق أثناء خدمته العسكرية هناك.

أيّ أن الموضوع تمّ اكتشافه بالصّدفة، وربما في حضرة رجل مخمور. كما أن مُؤدّى الحديث لذلك الجندي هو أن العديد من حالات القتل المماثلة والتي قام بها هو وزملاؤه جرت في العراق ولم تحظَ بمراقبة عسكرية ولا قانونية. ولا يُعلَم بالتحديد هل كانت بالآحاد أم بالعشرات وربما بالمئات. وهي في حدّ ذاتها فضيحة مُدوِّيَة لا يُمكن أن تُغتَفَر لقوات الاحتلال.

اليوم وبعد أن شاع خبر هذه الفضيحة نسمع أن محاكمة تجري لهؤلاء السَّفَّاحين الاثني عشر في الولايات المتحدة الأميركية. والخوف كلّ الخوف أن تستمع المحكمة «بعطف» لهرطقات هؤلاء المُجنّدين المجرمين كما استمعت من قبل لهراء ستيفن دالي غرين الذي اغتصب الفتاة العراقية عبير الجنابي (15 عاماً) ثم قتلها وأحرق جثّتها عندما أسمَعَ المحكمة من أنه «عاش طفولة صعبة» دفعته لأن يقوم بما قام به من جُرم!

أضِف إلى ذلك (والتي يجب أن تُدرَك) بأن بلداً يُقتل فيه يومياً 65 شخصاً ويُجرَح فيه 6000 شخصاً نتيجة العنف فإن الأكيد أن الجنود الذين ينتمون إلى ذات النسيج الاجتماعي هم مُتورّطون في ذات العنف. وإذا كان 22 في المئة من النساء الأميركيات يذهبن ضحايا عنف الاغتصاب، فإن النتيجة الطبيعية أن شباب ذلك المجتمع والمنتمين للسلك العسكري هم ضمن ذلك السياق الاجتماعي والجنائي الموبوء.

مجتمع ومنذ القرن الثامن عشر كان سبك الحديد فيه مرادفاً لقولبة المدافع (على حدّ تعبير أحد المُؤرّخين)، لا يُمكن إلاّ أن يكون قطاع كبير منه مُتشبّع بالعدوان وغريزة القتل والتدمير. ليست هذه دعاية مُغرضة ولا تحريضية، وإنما هو واقع مرئي، وتاريخ مكتوب، وروايات ودرايات لا يُمكن أن تُحجَب عن أحد.

متى توقّف الغرب عن القتل وشنّ الحروب؟! لم يمضِ على ذلك سوى خمسة وستين عاماً فقط عندما وضعت الحرب الكونية الثانية أوزارها. قرنان من الزمان (الخامس عشر والسادس عشر) استهلكتهما أوروبا فقط في حروب دينية بين الكاثوليك والبروتستانت بسبب رسومات حول المسيح ومريم العذراء، وحول قضايا التثليث التي اتُهِمَ البروتستانت بالتجذيف فيها.

ثم قضت أوروبا قرنان آخرين في ثورات سياسية واجتماعية دامية (الثورة الفرنسية، البلجيكية، الهولندية) وحروب أهلية (الحرب الأهلية السويسرية والإسبانية) وحروب بينية كالتي جرت بين إنجلترا وفرنسا (حروب المئة عام وحرب السنوات السبع).

ثم ومع بداية القرن العشرين خاض الغرب أعنف حروب شهدتها البشرية في تاريخها وأعني بها الحربين العالميتين الأولى والثانية. نتحدث عن قتل من العيار الثقيل. نستذكر معركة ميسين (غرب مقاطعة فلاندر البلجيكية) حين نسف الجيش البريطاني في 7 يونيو/ حزيران من العام 1917 خنادق الألمان فوق الهضبة البلجيكية (جنوب شرق نهر يبريس) فقتل في دقائق 10 آلاف جندي كانوا محصَّنين فيها. هذا ليس هراء، بل هو تاريخ مُدوّن. قُرِأَ وكُتَبَ عنه الكثير.

قُصَارى القول هو أن مثل هذه الجرائم التي تحدث في العراق وأفغانستان لا يُمكن أن يُلام عليها آحاد من الجنود، بل الآمرين من الضباط، وقيادات الارتباط، والإدارة السياسية. كما أنه وزارات العدل في الدول المتضرّرة يجب أن يكون لها حضور ومشاهدة، لا أن تُغلَق الأبواب على هيئات المحلّفين والقضاء والمُتهمين ثم نسمع أن أحكاماً ناعِمة قد صدرت ورُوعي فيها سفاسف الكَلِم.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2936 - الأحد 19 سبتمبر 2010م الموافق 10 شوال 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 10 | 6:19 ص

      جدحفصي

      سرد تاريخي شيق رغم قصرة لمجمل الحروب في أوربا في التاريخ الحديث ,وظاهرت العنف في الغرب تحتاج الى مقالات مطولة أكثر من هذا المقال , وكذالك خبايا الغزوين للعراق ولافغانستان تريد لها دراسات أكثر وبعتقادي أن ماخفي في هذين الغزوين هو أعظم مما ظهر للعيان .
      والله المستعان

    • زائر 9 | 4:50 ص

      اللي ما يعرف للصقر يشويه

      إلى زائر (1) مع التحية والحر بالإشارة يفهم
      وفي مثل ثاني يقول:
      من باع دُراً على فحامٍ ضيعه

    • زائر 8 | 4:48 ص

      تحية إجلال للكاتب القدير محمد عبدالله

      من يقرأ لك يدرك قيمة قلمك ومتانة أسلوبك وأدبك الراقي

      كل التحية والتقدير لمنهجيتك الكتابية القيمة ولمواضيعك المنتقاة بعناية وروعة بيانك

      حفظك الله من كل سوء وإلى الأمام ونشكرك من صميم قلوبنا لما تتحفنا به في مقالاتك المتميزة وإن كنا لا نملك تعليقاً عليها في غالب الأحيان

    • زائر 6 | 2:43 ص

      إلى زائر 1,,,,,,

      أولا أقول لزائر 1 ياليتك ماعلقت ,,,أحترم الأستاذ كاتب المقال .....ثانيا بخصوص الموضوع مرة شفت برنامج عن الجنود الأمريكان المشاركين في الحرب سواء في العراق أو أفغانستان معظمهم مرضى أو عندهم عقد نفسية أو رافضين للحرب و هم مجبورون عليه ,,,,فياما قتلوا بسبب الفراغ أو التسلية بدون تفكير بحال المقتول المسلم أن كان رب أسرة أو حتى كإنسان و هم يعتبرون المسلم شي رخيص و لحد بيحاسبهم ,,,لكن شوف أشلون أمريكا تعادي دوله لها وزنها بسبب مواطن أمريكي واحد لذلك الكل يحلم بالجنسية الأمريكية .

    • زائر 5 | 2:36 ص

      لصاحب المداخلة الأولى أبو علامات الاستفهام المبجل

      (لصاحب المداخلة الأولى أبو علامات الاستفهام المبجل) ذبحنونا بهمكم البحريني الممل خلونا ندري شصاير في الدنيا عاد

    • زائر 4 | 1:18 ص

      60 سنة ولم يروى الصهاينة من دم إخواننا الفلسطينيين

      مرت 60 سنة ولم يروى الصهاينة من دم إخواننا الفلسطينيين ، من صنع الصهاينة ؟ ومن يسندهم ويقويهم؟ ، في لحظات قتلوا 15 تركي بريء على أسطول الحرية هذه مجرد أمثلة قليلة جدا لا تقاس على الولوغ في دماء الأبرياء .

    • زائر 3 | 11:56 م

      زائر

      شكرا استاذ محمد
      مقال حلو ويسلم هالقلم

    • زائر 2 | 11:16 م

      أبن المصلي

      هذه حقيقة أمريكا ولو أخفت وجهها بقناع الديمقراطية وحقوق الأنسان البشر عندهم كالحيوانات الضاله لايقيمون وزنا للأنسانية يشعلون الفتن في كل مكان ولهم اجندتهم يعملون لهم ليل نهار بلا كلل أو ملل مثيرين للحروب لتصريف اسلحتهم وتشغيل مصانعهم الحربية والتي يتكسبون منها من أموال الشعوب المغلوبة على أمرها المستضعفة والفقيرة ينامون ويستيقضون على تغدية الكره والحقد على البشرية وهذا ديدن أبناء المجهولين النسب والدليل على ذلك الكره المستئصل والكامن في قلوبهم على البشرية وهكذا من يعيش وضعا طفوليا صعبا ومعقدا

    • زائر 1 | 11:00 م

      ؟؟؟؟

      انت في وين والناس في وين.

اقرأ ايضاً