شهد الأسبوع الماضي ازدحاماً في مسارات «الشرق الأوسط» سواءً على مستوى اللقاءات والاجتماعات أو على مستوى الرسائل التي حملها مبعوثون من واشنطن والعواصم الأوروبية.

بدأ الأسبوع بقمة شرم الشيخ بحضور وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون التي أعربت عن احتمال توصل الفرقاء إلى تسوية شاملة في نهاية السنة المقبلة في حال كانت النوايا حسنة. وجاءت قمة شرم الشيخ في إطار استكمال الجولة الثانية من المفاوضات المباشرة التي أطلقت في واشنطن بإشراف الرئيس باراك أوباما. وانتهى افتتاح القمة بتتابع اللقاءات الثنائية والثلاثية في رام الله والقدس المحتلة وعمان على وعد بمواصلة الجهود لتخطي عقبات تتصل بمعضلة المستوطنات وعدم وضوح خطوط الانسحاب والدولة الفلسطينية وهوية «الدولة الإسرائيلية» وموضوع الأمن وعلاقته السياسية بالحدود.

على المسار نفسه تفرعت الاتصالات من خلال قيام المبعوث الأميركي جورج ميتشل بزيارتين الأولى إلى بيروت والثانية إلى دمشق حاول فيهما تأكيد عزم إدارة أوباما على فتح أبواب التفاوض المباشر في كل الاتجاهات ومن دون شروط تعزل العواصم الإقليمية عن بعضها. فالمبعوث الأميركي نقل وجهات نظر تؤكد أن السلام في المنطقة لابد أن يكون شاملاً حتى ينجح ويستقر «الشرق الأوسط».

جاءت رسالة التطمين الأميركية لبيروت ودمشق في سياق متوازٍ قررته باريس على المسار السوري حين حمل المبعوث الفرنسي جان كلود كوسران رسالة من الرئيس نيكولا ساركوزي إلى الرئيس بشار الأسد تشجع على إعادة تعويم خط الاتصال مع تل أبيب الذي أصيب بالعطب السياسي بعد العدوان العسكري على غزة في نهاية 2008 ومطلع 2009.

بعد اللقاءات والرسائل والتطمينات عقدت وزيرة الخارجية اجتماعات في الأردن واصلت خلالها البحث عن منفذ يعطي الأنشطة الدبلوماسية جرعة ترفع من نسبة التفاؤل باتجاه تحقيق اختراق معنوي لتلك الجدران الإسمنتية التي تتمسك بها تل أبيب على مختلف المسارات.

النتيجة حتى الآن لم تتجاوز المربع صفر. فالمبعوث الأميركي عاد من بيروت ودمشق من دون أن يدلي بتصريح واضح بشأن احتمال معاودة التفاوض المباشر الذي افتتح واقفل مراراً خلال العقدين الماضيين. والمبعوث الفرنسي عاد من دمشق من دون أن يحمل معه خطة عمل ميدانية ترسم خريطة طريق واضحة المعالم بشأن تنشيط المسار الثنائي السوري - الإسرائيلي.والوزيرة الأميركية قفلت عائدة إلى واشنطن من دون أن تنجح في فتح ثغرة في الجدار الإسرائيلي الذي لا يزال يصر على مواصلة برنامج الاستيطان وتوسيع المستوطنات وهدم الأحياء السكنية في القدس ومصادرة الأراضي في الضفة.

تصلب الاحتلال الإسرائيلي الذي تمت مناقشة حيثياته ومعطياته في اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب في القاهرة عزز موجة عدم الارتياح في جامعة الدول العربية من دون أن يؤدي إلى سحب الغطاء الرسمي عن المفاوضات المباشرة. فالأمين العام عمرو موسى لمح إلى وجود ضعف في المراهنة العربية على احتمال نجاح الولايات المتحدة في التوصل إلى مشروع حل عادل للتسوية، ولكنه أوضح أن القوى المعنية لا تمتلك سوى خيار إعطاء فرصة للمفاوضات ولأنها لم تتوصل إلى صوغ البديل الموضوعي عن تلك المبادرة التي تم التوافق عليها في قمة بيروت العام 2002.

الضوء الأحمر

إذاً لا مجال سوى مواصلة السير لأن التوقف يعني الانهيار أو السقوط في هاوية الانتظار الطويل كما هو حال جبهة الجولان منذ العام 1974. ومواصلة الدوس على دولاب دراجة هوائية لا يعني بالضرورة أن الحركة تسير وتنتقل من الأدنى إلى الأعلى وإنما قد تكون مجرد الدوران في حلقة مقفلة في كل الاتجاهات.

السير في المربع صفر يعني التحرك في لحظة والثبات في المكان في لحظة أخرى. وخط التوازن الذي يربط اللحظتين يمنع السقوط على الأرض ويترك المجال مفتوحاً للدوس على دولاب تسوية لا مجال له للتقدم ما دام الجدار الإسرائيلي يطوق كل الاقتراحات والحلول سواءً على صعيد الجبهة السورية أو على صعيد الجبهة الفلسطينية.

في الجانب الدمشقي تبدو احتمالات التسوية مؤجلة لأن حكومة تل أبيب تشترط مجموعة بنود تقارب الاحتلال ولا تؤشر إلى وجود نية للانسحاب. وفي الجانب الفلسطيني تبدو المفاوضات المباشرة متجهة نحو الاصطدام بجدار الفصل العنصري ونمو بؤر الاستيطان في نهاية سبتمبر/ أيلول الجاري. وفي الجانب العربي تبدو مؤشرات المراهنة على تحقيق اختراق جزئي أخذت بالتراجع من دون أن تظهر بوادر نمو بديل عن مبادرة السلام المطروحة على ساحة «الشرق الأوسط» منذ أكثر من ثماني سنوات.

اتجاهات السير تبدو أنها متوقفة أمام الضوء الأحمر على مختلف التقاطعات. فالمسار السوري يفضل أن يستمر الاستقرار كما هو الآن على جبهة الجولان لأن البدائل الأسوأ تعني فتح معركة سياسية - دبلوماسية قد تزعزع أمن حدود لم تشهد مواجهة عسكرية منذ حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973.

المسار اللبناني يبدو أنه الأكثر سخونة ولكنه أيضاً يميل إلى استلهام النموذج السوري (لا حرب ولاسلام) بانتظار أن تتوضح معالم النشاط الأميركي على خط التفاوض الفلسطيني - الإسرائيلي.

المسار الفلسطيني هو الطرف الأضعف في معادلة التفاوض أو الحرب. فالسلطة تدرك ميدانياً أن الجانب الإسرائيلي يسرق الأرض والمياه ويماطل لكسب الوقت وتثبيت وقائع ميدانية تغير المعالم الجغرافية والتاريخية والبشرية، ولكن السلطة في الآن غير قادرة على الحد من النمو الاستيطاني في الأراضي المحتلة سوى الاستنجاد بالضغوط الدولية لمنع الاخطبوط الإسرائيلي من التمدد في المجال الحيوي للدولة الفلسطينية الموعودة في المستقبل البعيد.

الفشل كما هو ظاهر في الصورة يشكل الاحتمال المرجح على كل الخطوط والمسارات والجبهات والتقاطعات. وهذا الاحتمال المرجح الذي أخذ يتطور سياسياً خلال مشاهد اللقاءات والاتصالات والاجتماعات التي ظهرت على الشاشات المرئية في الأسبوع الماضي ليس جديداً في مساحة «الشرق الأوسط». فالمشاهد كما تبدو في الصور المنقولة فضائياً هي عبارة عن نسخ مكررة تم عرضها في سياقات مختلفة في أسابيع سابقة وسنوات مضت.

الازدحام الذي شهده «الشرق الأوسط» في مساراته المتعددة في الأسبوع الماضي يرجح أن تتراجع حدته خلال الفترة الزمنية المتبقية للفصل بين عودة المفاوضات في جولة ثالثة من دون أن تجمد تل أبيب مشروع الاستيطان أو عودة الجانب الفلسطيني للتفاوض في ضوء صدور وعد بالتجميد إلى فترة وجيزة. العودة للتفاوض تبقى الأقوى وهذا الخيار يبدو أنه المرجح عربياً وإقليمياً ودولياً؛ ولكن المشكلة ستبقى تدور في مكانها في حال فشل الوسطاء في توضيح صورة الخريطة الفلسطينية في المستقبل القريب إذا استمر التوطين يتمدد كالاخطبوط على أرض دولة يراد لها أن تكون مستقرة وقابلة للحياة.