مع انتهاء أجواء العيد، تتسارع التطورات على الساحة الإقليمية والعالمية، ويدخل الواقع الإسلامي في مرحلة حرجة بدأت معالمها تظهر على أكثر من صعيد.
ففي فلسطين المحتلة، يسارع الصهاينة، ومعهم الأميركيون، إلى جولة جديدة من المفاوضات مع السلطة الفلسطينية في قلب القدس المحتلة، لتكون الرسالة السياسية الحاسمة قد وصلت إلى العالمين العربي والإسلامي، بأن المصادقة المبدئية على تهويد القدس قد بدأت فعلاً، وخصوصاً مع إعلان العدو، أن خطة تشمل بناء 1300 وحدة سكنية استيطانية في القدس المحتلة أوشكت أن تبدأ، إلى جانب إعلان رئيس حكومة العدو بأن الزحف الاستيطاني سيستمر، وسيأخذ أبعاداً جديدةً مع استمرار المفاوضات، فيما تتحدث أوساط متعددة عن رضوخ السلطة الفلسطينية لهذا المنطق، بعد سلسلة من الضغوط الأميركية، التي انضمت إليها ضغوط عربية موازية، وخصوصاً لجهة التسليم بيهودية الكيان التي أعلن المبعوث الأميركي عن تبنّيها، ليشير إلى الفلسطينيين بضرورة ترتيب أوضاعهم وفق مقتضيات الوضع الصهيوني، ونزولاً عند شروط العدو المذلة...
إنّ ذلك كلّه يوحي بأنّ الإدارة الأميركية تعمل لإقفال الملف الفلسطيني بمشروع حرب واسعة النطاق في المنطقة، يدخل فيها العنوان المذهبي على الخط، مشفوعاً بحملات التخويف من الجمهورية الإسلامية في إيران وبرنامجها النووي السلمي، والذي أثارته مجدّداً وكالة الطاقة الذرية بطريقة مريبة، ما يدفع المنطقة إلى عقد صفقات تسلح جديدة مع الإدارة الأميركية، بحجّة التصدي للخطر الإيراني، وهو الأمر الذي أعلن العدو موافقته عليه، وعمل على الترويج له في وسائل إعلامه، لأنّ الخطة هي تخويف المسلمين بالمسلمين، واستثارة الأوضاع بحملات أخرى إعلامية وسياسية ودينية، يدخل فيها بعض الموتورين على الخط، في سياق حملة شتائم تهدف إلى إيقاد نيران الفتنة المذهبية في الواقع الإسلامي لحساب العدو الذي بدأ يمنّي النفس إلى أنّ خطّته الجهنمية تأخذ طريقها إلى النجاح.
إننا ندعو الشعوب العربية والإسلامية، إلى تلمّس مواقع الخطر في الهجوم الدولي والصهيوني على فلسطين وقضيتها، وفي السعي لإثارة الفتنة في الواقع الإسلامي، لتنطلق طلائع الوعي في الأمّة، فتقطع الطريق على محور الاستكبار العالمي، وعلى كلِّ من يعمل لخدمته بشكل مباشر أو غير مباشر، ولتعمل على صون وحدة الأمة، ومنع اللاعبين الكبار وعملائهم الصغار من العبث بهذه الوحدة أو تعريضها للخطر.
وإلى جانب ذلك، تبرز الهجمة الدولية على الكيان الإسلامي كله في دعوى حرق القرآن، وفي القوانين التي بدأت تطل برأسها في بعض الدول الأوروبية، لجهة منع النِّقاب، وهي القوانين التي تمثِّل المقدِّمات الطبيعية لحملات أخرى قادمة تستهدف الشخصية الإسلامية في عناوين ومعطيات جديدة... وصولاً إلى الاستهداف المباشر للوجود الإسلامي على الأرض الإسلامية، كما يحصل في كشمير التي لا تزال تنزف دماءً، وتئنُّ تحت وطأة حملات القمع التي استهدفت أهلها الذين هبّوا للتظاهر دفاعاً عن القرآن الكريم، في مشهد يشبه المشهد الأفغاني بمعطياته القديمة والجديدة، وفي دلالات جديدة على أنّ اعتراف المسلمين بالآخرين، وسعيهم للتعايش معهم، لم يمنع هؤلاء من اضطهادهم أكثر، واحتلال بلادهم، ونهب خيراتهم وثرواتهم...
أمّا في لبنان، فهناك من ينفخ ببوق الفتنة، مدفوعاً إلى ذلك بتأثيرات خارجية، وبعصبية سياسية وحزبية، ما يُعرِّض الوحدة الوطنية لمزيد من الأخطار، ويضع البلد على أبواب مرحلة معقّدة وخطيرة...
إننا نحذر من شغف البعض بافتعال المشاكل، ومن تحضير الأجواء سياسياً وإعلامياً لأزمات وفتن قادمة، لأنّ من شأن ذلك العبث بمسيرة السلم الأهلي كلها، وتهيئة الأرض الداخلية لعدوان صهيوني قادم، أو لفتن تصيب تعايش أبناء الوطن الواحد في الصميم...
هذا، ويجب أن لا يغيب عن بال المسئولين صعوبة الوضع المعيشي والاقتصادي الذي يرزح تحت وطأته المواطن اللبناني، خصوصاً وأننا على أبواب عام دراسي جديد يجهد فيه الأهل للحصول على ما يقيهم الغرق أكثر في التزامات لا يقدرون على تأمينها إلا بشق الأنفس.
وأخيراً، لا بد لنا مع ازدياد حوادث السير، بحيث بلغ عدد ضحاياها من القتلى والجرحى والمعوقين أكثر من ألف هذا العام، وأمام هذا الواقع الذي نفقد من خلاله الكثير من الأحبة، ومن الطاقات الحيّة من أبناء هذا البلد، لا بد أن ندعو الدولة في البداية إلى التشدد في القيام بمسئولياتها، وذلك بالتشدد في منح رخص القيادة، فلا تُعطى كيفما كان، إلى جانب التشدد في وضع قوانين حازمة للسير والرقابة على تطبيقها، وأيضاً في إزالة كل ما يعيق حركة السير ويؤدي إلى حصول تلك الحوادث، والعمل على استصدار تنظيم فعّال لحركة السيارات والشاحنات في الطرق الدولية والأوتوسترادات.
كما ندعو كل أحبائنا من المواطنين الى التقيد بأنظمة السير، وعدم تجاوز السرعة القانونية، وهذا حكم شرعي، فلا يجوز شرعاً تجاوز أنظمة السير، ولا يجوز مخالفة السرعة المحددة، كما لا يجوز عدم استعمال كل وسائل الأمان في السيارة... فالذي يقود السيارة هو مسئول عن حياته، ولا حق له أن يغامر بها، كما هو مسئول عن حياة الذين معه في السيارة، ومن حوله ممن يسيرون في الطريق، ولتكن القاعدة في قيادة السيارة هي حماية النفس وكل الآخرين.
وهنا لا بد من الالتفات الى المسئولية الشرعية التي يتحمّلها الإنسان عند قيادته السيارة تجاه كل الذين وضعوا أنفسهم وحياتهم تحت سلطة قيادته، فلا ينبغي للمزاج ولا الرغبة في السرعة أن يكونا الحاكمَين في ذلك.
أيها الأحبة: إن حياتكم غالية على قلوبنا وقلوب كل المحبين لكم، وهي غالية قبل ذلك عند ربكم، ولاسيما عندما تكون في خط طاعة الله وخط رضاه، فلا تضيّعوها.
إقرأ أيضا لـ "علي محمد حسين فضل الله"العدد 2934 - الجمعة 17 سبتمبر 2010م الموافق 08 شوال 1431هـ