العدد 2413 - الثلثاء 14 أبريل 2009م الموافق 18 ربيع الثاني 1430هـ

الجدل القانوني والسياسي بين مصر وحزب الله

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

ملفان أمنيان انفتحا على الساحة اللبنانية في ذكرى 13 أبريل/ نيسان 1975. الأول في البقاع حين أقدمت مجموعة مسلحة على نصب كمين لدورية من الجيش اللبناني وأدى الهجوم إلى مقتل أربعة جنود ما أثار موجة استنكار محلية وإقليمية.

الثاني اتهام النيابة العامة المصرية لحزب الله اللبناني بتنظيم شبكة لتهريب الأسلحة إلى قطاع غزة وهي خطوة اعتبرتها القاهرة محاولة لزعزعة الأمن والاستقرار ما أدى إلى تحريك ردود فعل توزعت بين فريق يعارض الخطوة لأنها تمس السيادة وتتجاوز صلاحيات الدولة وفريق يؤكد مهمة الشبكة لكونها محاولة تستهدف فك الحصار عن القطاع وتعزز إمكانات المقاومة.

الملفان يختلفان في نوعية الأوراق ولكنهما يصبان في إطار مشترك: من هو صاحب القرار على الأرض؟ والسؤال عن صاحب القرار مسألة قانونية تجتمع في جوابه أوراق الملفين. من الناحية السياسية هناك اختلاف بين المسألتين لأن ما حصل في البقاع (منطقة رياق) يطرح إشكالية السلاح في لبنان والطرف المسئول عن أمن البلاد وحقوق المواطنين. وما حصل في القاهرة يطرح إشكالية عابرة للحدود تتحدى مفهوم السيادة وحق الدولة الحصري في مراقبة حدودها ومعابرها.

السؤال القانوني عن صاحب القرار ومدى حق القوى السياسية في التدخل وتجاوز الصلاحيات أثار حزمة من المفاهيم المتداولة والمختلف عليها منذ عقود. فالمجموعات الإيديولوجية التي لا تعترف بالتقسيم والحدود التي تفصل بين الدول تنطلق نظريا من مبدأ أن التجزئة مصطنعة وبالتالي فهي لا تقيم ذاك الاعتبار لكل التدابير والترتيبات الناتجة عن التشطير القسري الذي افتعلته عنوة الدول الاستعمارية (الانتداب الأوروبي) بعد نهاية الحرب العالمية الأولى وكرّسته رسميا عقب الحرب العالمية الثانية من خلال عضوية الأمم المتحدة. والمجموعات التي تعترف بالحدود الراهنة وتتعامل معها كأمر واقع أخذ شرعيته من الدستور الوطني المعطوف على الاعتراف الدولي الذي تأسس على المواثيق والمعاهدات الموقعة في جنيف تلتزم النصوص الحقوقية ودور الدولة الحصري في حماية السيادة وضبط الأمن والاستقرار.

المسألة الخلافية في الملفين تطرح فعلا معضلة قانونية (احترام الدولة) معطوفة على إشكالية سياسية مثل حق طرف أهلي في حمل السلاح أو حق طرف إقليمي في تمرير أسلحة من دون علم المراجع الأمنية الرسمية.

خطاب السيد حسن نصرالله ردا على النيابة العامة المصرية لخّص هذه الإشكالية السياسية حين اعتبر أن ما قام به حزب الله ليس مخالفا للقانون باعتبار أنه يقوم بواجبه لمساعدة إخوانه في حركة «حماس» التي تتعرض للاعتداءات والحصار. وبهذا المعنى رأى السيد نصرالله أنه ليس مذنبا بل أن التهمة تشرفه ولا يخجل منها.

المنطق الذي استخدمه أمين عام حزب الله في التعامل مع مسألة «تهريب السلاح» أثار ردة فعل قوية في الإعلام المصري وتحول إلى موجة عالية من الانتقادات والاتهامات. المنطق المضاد يعكس رؤية مخالفة لأنه يستند إلى مفهوم السيادة وحق الدولة الحصري في ضبط الأمن ومراقبة الحدود (الجمارك). فالمعابر مسألة مهمة قانونيا في التشريعات الدولية والدساتير الوطنية لأنها تتجاوز الإطار الاقتصادي (استيراد وتصدير أو دخول وخروج) والمحصلة المالية (الضرائب والرسوم) وتمس مباشرة مفهوم الدولة وسيادتها. فالمعابر (المطارات، الموانئ، الجسور) مسألة رمزية لا تقل أهمية عن العملة (النقد) وألوان العلم وشاراته والنشيد الوطني وحرس الحدود وغيرها من أدوات مكلفة بحماية أمن الدولة. وتخلي الدولة عن المعابر يوازي في شكل ما تخليها عن موقع سيادي لمصلحة طرف داخلي أو عابر للحدود.


منطقان

اختلاف المنطقين بين أمين عام حزب الله والنيابة العامة المصرية يكشف عن خلل سياسي في التعامل القانوني مع قضايا مشتركة نظريا (قومية أو دينية أو إنسانية) ولكنها متعارضة ميدانيا في مسألة الحقوق والواجبات وما تمليه من موجبات تتصل بالأمر الواقع. وما حصل في البقاع وسيناء يطرح معضلة قانونية حتى لو اختلفت أوراق الملفين سياسيا. ففي لبنان تحركت الدولة للدفاع عن صلاحياتها السيادية. وفي مصر تحركت الدولة لتأكيد حقها الحصري في ضبط الحدود والمعابر.

المشكلة ليست منطقية حصرا، فهي مفتوحة في أسبابها البعيدة على مجموعة معطيات تعكس معضلة مفهوم الدولة الوطنية وتعارضها مع مفاهيم إيديولوجية تكتسب مشروعيتها السياسية من التاريخ والجغرافيا واللغة والدين والقومية والمصير وغيرها من نظريات تقرأ الواقع في سياق إطار لا يعترف بحدوده ومعابره الراهنة ويطالب بتعديلها حتى يتجانس اليوم مع أمس. والإشكالية المنطقية بين السيد نصرالله ومسئول النيابة العامة ليست غريبة في عالم عربي - إسلامي يعيش مرحلة ازدواجية تجمع بين القومية والدين من جهة وبين الوطنية والدولة من جهة أخرى. فهذه الازدواجية تفسر الكثير من اللحظات القلقة أو المؤلمة التي تمر بها الأمة سواء على مستوى مخاطبة العالم موسميا في إطار منظمة الدول الإسلامية أو منظومة جامعة الدول العربية وسواء على مستوى التعامل اليومي مع العالم في إطار فتح قنصليات أوسفارات أو دفع بدل الانتساب إلى عضوية الأمم المتحدة.

هذا التعارض بين الخطاب (اللغة المشتركة) والتعامل (مصالح الدولة) يعطي صورة سياسية عن تلك الإشكالية المنطقية التي ارتسمت معالمها بين خطين أحدهما إيديولوجي يغلب وحدة المصير على الدولة والسيادة والآخر قانوني يغلب مفهوم الدولة على كل الاعتبارات والذرائع والتبريرات.

النيابة العامة اعتبرت خطاب نصرالله يخالف القانون ويشكل ورقة اعتراف تضاف إلى ملف التحقيق الجنائي. ونصرالله اعتبر التهمة لا تدينه قانونيا وهو يتفاخر بها سياسيا. وبين الإطار الأول (القانوني) والإطار الثاني (الإيديولوجي) يمكن رسم خريطة طريق لا تنتهي بين منطق المفهومين. صدام حسين دخل الكويت في العام 1990 لأنه لا يعترف بها ولا بالشرعية الدولية ولا بالأمم المتحدة التي أعطتها عضوية كاملة فهي برأيه وبحسب الأعراف الجغرافية والتاريخية مجرد محافظة عراقية. دمشق بعد 60 سنة من الاستقلال والمناكفة وافقت على فكرة فتح سفارة في بيروت وهي حتى الآن تتردد في ترسيم الحدود أو إعطاء ورقة تؤكد لبنانية مزارع شبعا.

بين القومي والقطري (الكياني) يمكن قراءة الكثير من التفصيلات والتصريحات التي تصدر تباعا من طهران إلى طرابلس (ليبيا) وكلها تؤشر على تلك المشكلة الكامنة في تعارض إيديولوجية الخطاب العام مع مصالح التعامل اليومي. فهذه المشكلة تعكس تلك اللغة المزدوجة بين السياسة والقانون وخصوصا حين تتداخل الرؤيا بالمعاملات في قضايا ممتدة وعابرة للحدود كالقضية الفلسطينية (المركزية) مثلا أو تلك الجزئيات المتفرعة منها (احتلال الجولان، المقاومة، قرار السلم والحرب، دور الدولة، حصرية حمل السلاح، الإشراف على المعابر).

كل هذه النقاط تتشكل منها عناصر موضوع تصعب السيطرة عليه من جوانبه المختلفة. فهناك معضلة بنيوية تأسست خلال عقود من الزمن ولم تتوصل السجالات الحاصلة بشأنها إلى توافقات تؤسس ذاك الجواب القانوني - السياسي عن سؤال: من هو صاحب القرار على الأرض؟ الإيديولوجي يرفض الاعتراف بالواقع ويتجاوزه معتبرا أن الخطوات مشروعة جغرافيا وتاريخيا ولا تخالف السيادة. والقانوني يتعامل مع الوقائع بصفتها مضمونة دستوريا ودوليا وكل مخالفة لها تعتبر انتهاكا للسيادة وصلاحياتها وحصرية احتكار الدولة للسلاح.

ملفان أمنيان انفتحا على الساحة اللبنانية في أسبوع واحد وهما على رغم اختلاف أوراقهما السياسية يطرحان إشكالية قانونية كبيرة بين الحق التاريخي ومسئولية السيادة. الأول إيديولوجي (الحق العام) والثاني قانوني (الحق الخاص).

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2413 - الثلثاء 14 أبريل 2009م الموافق 18 ربيع الثاني 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً