لسبب غامض يصعب تحديده، سيطرت على تفكيري علامة استفهام مشوبة بشيء من التحدي، وأنا أتنقل بين صفحات كتاب «التفكير خارج الصندوق» لمؤلفيه مايك فانس، وديان ديكون. والأول، وكما جاء على صفحة الغلاف هو مدير جمعية التفكير الإبداعي الأميركية، أما زميلته في التأليف، ديكون، فهي رئيسة الجمعية الأميركية للتفكير الإبداعي، وجمعية أنصاف المثقفين التي تقدم الندوات الخاصة بالتعاون الاستشاري كأحد موارد العمال الإبداعية والخدمات للشركات في جميع أنحاء العالم. علامة السؤال تلك لماذا لم يستطع التفكير العرب أن يتجاوز حدود الصندوق التقليدي الذي حصر نفسه فيه، منذ سقوط الإمبراطوريات الإسلامية، و التراجع الفكري العربي الذي رافقها؟
ربما احتاجت الإجابة على هذا السؤال الغوص عميقاً في بنية التفكير العربي التي سيطرت على الذهنية العربية منذ ما يزيد على نصف قرن من الزمان، لكن من يقرأ الكتاب، وبذهنية مفتوحة يكتشف أن منهج «التفكير خارج الصندوق» أبسط من ذلك بكثير. ومن قاموا بمراجعة الكتاب من العرب والأجانب أوردوا الكثير من الحكايات القصيرة والنوادر التي تؤكد على تلك البساطة في منهج «التفكير خارج الصندوق». فهناك حكاية الفتاة التي أنقذت نفسها وأباها من براثن الإقطاعي الذي وضع حجرين أسودين في جراب، فقامت بإلقاء الحجر الذي اختارته كي يختلط بالأحجار الأخرى، وهناك قصة الشاب الذي كان يقود سيارته التي لاتتسع لأكثر من شخصين، عندما صادفه ثلاثة أشخاص: امرأة عجوز يتطلب نقلها إلى المستشفى، وصديق عزيز يدين له بمعروف لا يملك إلا أن يسدده، وخطيبته الجميلة التي يتلهف للقائها. فأسعفه تفكيره خارج الصندوق، بإعطاء مفتاح السيارة لصديقه، طالبا منه نقل العجوز إلى المستشفى؛ كي يتسنى له البقاء مع خطيبته. لكنها جميعاً من نسج خيال الإنسان باستثاء إجابة الدنماركي الوحيد الفائز بجائزة نوبل في الفيزياء «نيلز بور» الذي كاد أن يسقط في مادة الفيزياء، في الثانوية العامة، عندما جاءت إجابته، التي كانت من «خارج تفكير صندوق أستاذه»، على سؤال يقول: كيف تحدد ارتفاع ناطحة سحاب باستخدام الباروميتر (جهاز قياس الضغط الجوي)؟
يضم الكتاب بين دفتيه الكثير من المداخل التي تعين من يريد أن يتجاوز تفكيره حدود الصندوق الضيقة التي تلجم مخيلتنا جميعاً، وتجعلنا أسرى الذهنية التقليدية البعيدة عن الابتكار والإبداع في الكثير من أنشطتنا بما فيها تلك السياسية. إذ يستهل المؤلفان مادتهما بمناشدة القارئ بالخروج من داخل الصندوق بتوصيل 9 دوائر مرصوصة في ثلاث مصفوفات أفقية وعمودية . لن يستطيع أن ينجح في توصيلها إلا من يبدأ برسم خطه الأول من خارجها (أي خارج إطار الصندوق الذي يحيط بها).
ولمساعدتنا على التخلص من ذهنية حصر تفكيرنا «داخل أي صندوق» ، يطلب منا المؤلفان الكف عن ممارسة «بعض الأفعال التي تجعلك محجوزاً داخل الصندوق»، نختار منها أهمها:
الجهل، الصداقة المزيفة، الاستلام للسيطرة، التعصب، الكذب، الانطوائية، فرض القيم، الهجوم بالألفاظ، وأخرى غيرها، تصل في مجملها إلى 24 فعلاً. ثم يلحقان ذلك بإثارة 9 أسئلة يطالبان من يريد أن يبدأ في التفكير خارج الصندوق» أن يجيب عليها وبصدق مع النفس هي:
«تقييم الأشياء كما هي، والإجابة على سؤال لماذا؛ لمعرفة الأسباب والنتائج، والرد على سؤال كيف؛ لمعرفة كيفية القيام بالأشياء، والسعي إلى التفكير الواقعي لتحاشي التحريف والخداع، والاهتمام بالتغيير لتنقية العقل والاستجابة للحوافز الحيوية، ورؤية التصور بالحلم بالأهداف، والتمتع بالقدرة على إنجاز الأشياء، وامتلاك المهارات الضرورية لتنفيذ الفكر وتحقيق الحلول وتتبع النتائج».
يفرد المؤلفان الفصل الثامن من الكتاب لمناقشة «أساليب تكوين الأفكار»، ومن بين الوسائل التي يقترحانها لتحقيق ذلك هي «عقد المجالس» التي ينبغي ان تهدف «بشكل مبدئي لإذابة الثلج بين الأفراد، (وبالتالي) فهي فرصة لأعضاء الفريق ليتعرفوا على بعضهم البعض». وقد يستغرب القارئ عندما يرى أن تطوير مثل هذه الفكرة جاءت «عندما طلب من (والت ديزني) - إن كان يرغب في ذلك - أن يدير جلسات التفكير الجماعي عن طريق مجموعة التفكير التنظيمي، وقال إنه يفضل عقد ما يشبه المجالس، حيث يجتمع الناس معا، يسمعون الموسيقى، ويشعلون النار، ويدخنون «البايب»... والهدف من المجلس هو أن يبدأ فريقك في العمل، ولكن لا يعني هذا إنتاج أي إنتاج». وهنا يربط المؤلفان بين الوسيلة والهدف، فليس عقد المجالس هدفاً في حد ذاته، ولا من أجل إنتاج أي منتج كان، بل من اجل تكوين فريق يتمتع بذهنية «التفكير من خارج الصندوق».
لهذا لايترك المؤلفان عقد المجالس مسألة مفتوحة بشكل مطلق، فنجدهما يضعان بعض المواصفات التي تضمن نجاح أعضائها في تحقيق «التفكير خارج الصندوق» حيث يجب، حسبما يرى المؤلفان، أن «تنقسم المجالس إلى ثلاثة أجزاء متميزة: قائمة المهارات، وقائمة الاهتمامات، وقائمة إفراغ البيانات». وحينها سيجد أعضاء المجلس المعين «أنهم يبدأون في حل المشكلات بشكل إبداعي، وتبدأ الوحدة المتماسكة في اتخاذ شكل محدد».
يصادف القارئ الكثير من العبارات التي تستحق التوقف عندها، من بينها على سبيل المثال لا الحصر، ما استهل به المؤلفان الفصل الخامس المعنون « تصميم البيئات/ المكان الخصب»، حيث نجدهما يقولان «لاتجعل بيئتك تسيطر عليك، فإن لم تكن مناسبة لك فقم بتغييرها، فنحن إما أن نكون مسئولين عن بيئتنا او ان تكون هي مسئولة عنا».
آمل أن يكون هذا العرض المقتضب لهذا الكتاب القيم قد دفع القارئ، كما دفعني أنا أيضاً، كي يجول بناظريه ويتأمل ما يجري حولهن ثم نسأل أنفسنا جميعاً: هل يوجد بيننا من حاول أن يتحدى تفكيره وينسلخ من جلده التقليدي الذي فاحت ريحته، وسمح لعقله أن يتصدى لكل ما يحيط به داخل الصندوق الذي أسر تفكيره فيه، وأن ينطلق، بعد ذلك، محلقاً وبكل ثقة مصراً، ولو من اجل المحاولة ذاتها كي يفكر خارج الصندوق؟
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2931 - الثلثاء 14 سبتمبر 2010م الموافق 05 شوال 1431هـ
is this book available
thank u Mr. Ubaidly ...with compliment
الغايــــة من ... التفكــــــير ( 2 : 2 )
وأيضاً الشاعر هنا يصقل – وببراعة - الجواب للسؤال عن مدى التخلّف والتقوقع للعرب فيقول:كم نكبةٍ تحطّم الإسلام والعرب و(...) أصلها فتّش تجدهم السبب،،،فكل ما في الأرض من ويلات وحرب هم أشعلوا نيرانها وصيّروا الناس حطب،،، واستخدموا (...) لضربنا و لا عجب فملكهم بفرضهم كان وإلاّ لا نقلب . تفكير صريح ونيّر يفسر لنا محدودية الفهم للعرب وبساطة الإدراك وسطحية النظر تختمه علامة تعجّب كبيرة مفعمة بالدهشة .كل الشكر للكاتب وللوسط ... نهوض
الغايــــة من ... التفكــــــير ( 1 : 2 )
التفكير خارج الصندوق يكشف لنا عن مدى المسافة التي تفصلنا عن العالم،المسافة التي ما زالت تتسع ويتضاعف هذا الاتساع بسرعة واستمرارية،ونحن لا نستطيع إلا أن نعبر عن ألمنا وضعفنا وإحباطنا،لأننا لا نمتلك القدرة على تغيير الوضع،ووقف الانحدار،وتضييق الفجوة التي تفصلنا عن ذلك العالم . بهذا الأفق الحضاري للتفكير الرسول (ص) أشاد به :"عوّدوا قلوبكم الترقّب وأكثروا التفكّر و الاعتبار".فالتفكير يكسبنا القدرة على التعامل بموضوعية خلاّقة،
هل وصلت الفكرة؟؟
هل وصلت الفكرة للمسؤولين في البلد؟ نتمنى ذلك!!
وين اقدر اشتري هالكتاب
وين اقدر اشتري هالكتاب
ممكن واحد من القراء يرشدنا؟