الواجب يحتمل معنى «الالتزام» وجمع الالتزام «التزامات»، كما يحتمل معنى «الفرض» وجمع الفرض «فرائض».
والالتزام نوعان: التزام بأداء عمل، والتزام بالامتناع عن أداء عمل، وهذا وذاك يقوم إما بمقتضى حكم القانون، وإما بمقتضى الاتفاق، أو بمقتضى النظام العام والآداب العامة أو العرف الاجتماعي.
أما الفرض «أو الفرائض» فهي واجب الوجوب، ذلك لأنها مقررة بأمر إلهي قدرها الله سبحانه وتعالى وفرضها على عباده، فكانت على وجه الحتمية والقطع ملزمةً عليهم باعتبارها شريعة الله وأحكامه. وأهم هذه الفرائض:
أولاً: الفرائض التعبدية: ومنها على سبيل المثال: الإقرار بالشهادتين، وعدم الشرك أو الكفر بالله، والإيمان بكتب الله وأنبيائه ورسله وملائكته، وأداء الصلاة والصوم والحج، والجهاد في سبيل الله، إلى غير ذلك.
ثانياً: الفرائض الاجتماعية: ومنها على سبيل المثال أيضاً: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإخاء والتآخي والمحبة والإيثار بين المسلمين، وحسن الجوار، وحسن الخلق وحسن المعاملة، والعدل في الحكم، وعدم الإضرار بالناس، والابتعاد عن الظلم والبغي، إلى غير ذلك من الفرائض المقارنة.
هذه الفرائض عبر عنها القرآن الكريم بـ «الأمانة» إذ جاء في سورة الأحزاب، الآية 72 «إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان، إنه كان ظلوماً جهولا».
وهنا يثور السؤال الآتي: لماذا أبت السموات والأرض والجبال أن يحملن هذه الأمانة؟!
قِيل؛ إنه لما أن هذه الأمانة هي في كينونتها واجب وفرض إلهي فإن القبول بها وحملها يعد بمثابة عهد بين من يحملها وبين الله سبحانه، فيصبح بالتالي «أن أي واجب إلهي يفرضه الله هو بمثابة عهد بين الله وبين من يحمل هذا الواجب»، وهو عين الحكم في حالة قيام الالتزام بمقتضى الاتفاق بين الأفراد، أن يعتبر هذا الاتفاق عهداً بين المتعاقدين، بقوله سبحانه «وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً، إن الله يعلم ما تفعلون». (النحل، الآية 91). وبقوله «والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون» (المؤمنون، الآية 8).
ولهذا أبت السموات والأرض والجبال حمل تلك الأمانة خشية ألا يفين بالعهد مع الله فيصبحن خائنة آثمة. علماً أن النص السابق هو على سبيل المثال الإعجازي لإظهار عظمة تلك الأمانات وثقلها المتمثلة بتلك الواجبات الإلهية التي فرضها الله على عباده الذين عبر عنهم النص بـ «الإنسان». إلاّ أن هذا الإنسان قد قَبِل بها وحملها فكان «ظلوماً جهولاً» كما جاء في النص، وربما كان ذلك لعدم إدراكه بمقام ومقدار هذه الأمانة ولجهله بخطورة خيانتها عليه...
ولما أن تلك الواجبات هي من أوجب الوجوب، فإن الإخلال بها أو خيانتها تعتبر ذنباً عظيماً ومعصية لله سبحانه.
بيد أنه رغم إيماننا كمسلمين بأن الله هو الغفور الرحيم وأنه يغفر الذنوب عن عباده، إلاّ أننا في الوقت ذاته على يقين أن غفران الذنب لا يُنال في معصيتين هما: الكفر بالله أو الشرك به، وظلم العباد.
وظلم العباد هو ذلك الذي تجتمع فيه كبائر الموبقات والآثام، وفيه صنوف ومراتب، نذكر منه على سبيل المثال:
ظلم قائم على التهكم والغِيبة والنميمة والبهتان والافتراء وسوء الظن في الآخرين.
وظلم قائم على الغلو في البغضاء والمبالغة في الخصومة دون حق، الذي فيه الظالم لا يتقي الله في من خاصم وأبغض.
وبناء على ما تقدم، وحيث نعترف أننا اليوم أمام واقع أليم قد استشرى فيه ذلك الظلم بيننا نحن كأفراد شعب واحد من أمة واحدة، سواء بالقول المفترى، والألفاظ النابية الشاذة، والشعارات واللافتات المبنية على سوء الظن ولغرض ومآرب شخصية بحتة والتي لا نعدها سوى سلوك ناشز. أو بالغُلو في البغضاء والمبالغة في الخصومة مع بعضنا البعض. وهذا ما برز لنا جلياً بعد واقعة القبض على المتهمين «بالإرهاب ومحاولة قلب نظام الحكم».
وأنا هنا لست في موقع المدافع عن براءة من هم في قفص الاتهام ولن أرضى لنفسي ذلك، لأني لا أجزم ببراءتهم، غير أني في الوقت ذاته لا أجزم بإدانتهم، إنما أقول كما سبق القول: مهلاً مهلاً أيها السادة، فما هذا اليوم هو يومكم، إنما هو يوم القضاء، فدعوه يقول كلمته أولاً. وعليه لا يحق لكم اليوم استباق القضاء بالإدانة أو التسابق عليها. وأعلموا أن الاستباق في ذلك ظلم، والتسابق على الظلم بغي. فلا تضعوا أنفسكم مع من قال عنهم الله سبحانه «يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوماً ثقيلاً».
وللأسف أن ممن استبق وتسابق وشذت ألفاظه بكلمات نابية بذيئة كان فيهم من يحمل حقيبة نائب الشعب، بينما نحن نعلم أن نائب الشعب هو نائب للشعب كله لا نائباً لطائفة بعينها. وعندما نقول «الشعب كله» نعني بذلك «الأمة»، والأمة وطن، والوطن للجميع.
ولا يظن هذا النائب أو ذاك أن استباقه وتسابقه، وشذوذ ألفاظه، هو أمر مفترض وفرض عليه للدفاع عن الوطن لكونه نائباً عنه، فالنائب يجب أن يكون حليماً ذا نظر بعيد، نافذُ البصر والبصيرة، دمث الأخلاق، يحتضن الجميع على قاعدة «حسن الظن» ومبدأ العدالة في القصاص، فإن كان هو غير ذلك فلا يصلح أن يكون حتى حارس أمن، لأن حارس الأمن يجب أن يكون أميناً، والمؤتمن على الشعب ليس هو بذاك.
وحيث أننا نتحدث عن الوطن فمن الحري بنا أن نخاطب ضمير أبناء هذا الوطن بالقول: إنه وحيث إننا أبناء وطن واحد فنحن ملزمون بالمحافظة عليه، ولكي نحافظ عليه علينا قبل كل شيء أن نتعاون سوياً بعمل صالح لأجله ورفعته، وأن نتقي الله في بعضنا البعض، وأن يهب كل منا للآخر حبه وثقته، وأن يعترف كل منا بالآخر، باعتبارنا أبناء وطن واحد شئنا أم أبينا، وأن نحافظ على وحدتنا الوطنية وأن نقوى في نفوسنا الثوابت الوطنية، فذلك هو رأس كل فضيلة وأصل كل نعمة، وهي دعوة طالما دعا إليها صاحب الجلالة عاهد البلاد حفظه الله خاصة في خطابه السامي الأخير.
ومن المعروف أن الوطنية هي اجتماع عنصرين هما الوطن والمواطن، وأن هذين العنصرين يربطهما عاملان مشتركان هما العمل والولاء للوطن، حيث الأول يتمثل في العطاء والتضحية، والثاني يتمثل في الحب والوفاء والولاء.
وبناء عليه فإن العطاء والتضحية والحب والوفاء والولاء هي من الثوابت الوطنية التي تربط المواطن بأخيه المواطن، والمواطن بالوطن أياً كان مذهب هذا المواطن أو فئويته.
فإذا ما توصلنا إلى هذه القناعة وجب علينا أن نؤطر علاقاتنا بتقوى الله وبالمحبة والعفو والتسامح وتجنب الظلم والحيف تجاه بعضنا البعض، وأن نُبوب أوراقنا بعناوين تحمل مبدأ العدل والمساواة والإنصاف على قاعدة إعطاء كل ذي حق حقه، والقصاص في من يستحق القصاص بعيداً عن معيار الانتماء العرقي أو الطائفي أو المذهبي أو الفئوي، وبعيداً عن شيطان العصبية وسرطان الكراهية وشنآن حب الذات، وبعيداً عن الألفاظ النابية وأصوات النشاز التي نسمعها من هنا وهناك، فذلك هو جوهر الفضيلة ومبلغ التقوى.
ولهذا نؤكد ثانية أننا أبناء أمة واحدة شركاء كأغصان في شجرة واحدة، فهكذا نحن نكون ويجب أن نكون. ومن ثم لا مكان لتفضيل أحد على الآخر إلاّ بمقتضى قواعد التفضيل، ولا مكان للتمييز إلا بتوافر الأسس العادلة للتمييز، ولا مكان للعصبية إلاّ في حق من عصى الله، ولا مكان للقصاص إلاّ لمن أذنب وجنى بثبوت ذنبه وجنايته بحكم عادل.
وخلاصة القول نقول: إن الوطن أمانة، حاله حال الفرائض التي هي أمانة الله في أيديكم، وحيث إن الأمانة عهد فارعوا هذا الوطن رعاكم الله.
إقرأ أيضا لـ "علي محسن الورقاء"العدد 2931 - الثلثاء 14 سبتمبر 2010م الموافق 05 شوال 1431هـ
الى زائر رقم (1)
أخي الزائر المحترم أحترمك وأحترم مقالك وأعلم أن لك فكرا نيرا فلماذا تعاكس فكرك فلو قرأت المقال بتجرد تام لم يكن هذا ردك أفترضى أن يفعل هكذا بهؤلاء النفر لو كانوا من ملتك من تشهير وتعذيب ونشر صور وكلام لايقال حتى لحيوانات في الصحف واعلانات الشوارع هذا كله والقضاء الى الآن لم يقل كلمته أهذا هو عدلكم وانصافكم وخليفة المسلمين علي (ع) اذا كنتم ترضون به يقول (لقاتله) ضربة بضربة ولا تمثلوا بالرجل فلقد قال الرسول (ص) اياكم والمثلى ولو بالكلب العقور فاينكم من هذا.
جوريه حزينه
واوفوا بعهد الله اذا عاهدتم ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا
فالنكن كبار فيما نقول ونفعل ....
الكبار هم الذين يسبق قولهم تفكيرهم والعكس بالعكس ، والكبار هم الذين يحدد كلامهم حب وطنهم ، وهنا لنا ان نميز بين العاقل والجاهل ، أوبين الناصح ومثير الفتنة ، وقد كشفت الظروف التي يمر بها الوطن ذلك بشكل واضح حتى بان ما كان مستورا ومخفيا فالتكن استفادتنا مما نحن فيه تعلم ما لم نعلمه .