لا حرج أن يخرج مستأجرو الفرشات والمحلات في السوق الشعبي للتعبير عن الخوف الذي تسلل إلى نفوسهم مع الحديث عن توجه بلدية المنطقة الوسطى للاتفاق مع أحد المستثمرين لتطوير السوق وإعادة تأهيله وفق الطراز المعماري البحريني القديم، على غرار سوق المباركية في الكويت أو ربما سوق واقف في قطر، وهو أسلوب حضاري وحق جوهري كفله الدستور.
وسبق أن شهدنا احتجاجا مشابها عندما تقرّر نقل سوق «الحراج» أو «المقاصيص» من المنامة إلى مدينة عيسى، وكان الباعة في تلك الفترة يرفضون الانتقال من مواقعهم، بذريعة بُعد المنطقة وعدم وجود ما يضمن لهم تحقيق عائد مادي موازٍ، أو يطمئن قلوبهم بتوافد أعداد كافية من المشترين. وما أن باشروا عملهم في محلاتهم الجديدة إلا وثبت لهم عكس ما كانوا يعتقدون، حتى أنهم طالبوا بتوسيع مواقف السيارات وإنشاء أخرى جديدة لاستيعاب الأعداد الكبيرة من مرتادي السوق، خصوصا في عطل نهاية الأسبوع.
الغريب أن استنفار الباعة في الوقت الحالي، جاء من دون الاستناد على إثبات رسمي كوجود إخطار من قبل البلدية يطلب من الباعة الخروج إلى موقع آخر، وبالتالي فإن ما حصل هو استباق للحدث، وإصدار أحكام قد لا تكون صحيحة.
ومن الضرورة إدراك أن اللجوء إلى الشركات الاستثمارية لتطوير المرافق وتحسين الخدمات، ليس اكتشافا توصلت إليه البحرين وحدها على مستوى العالم، فالكثير من الدول المجاورة لديها من المشروعات الضخمة التي أشرف على إقامتها القطاع الخاص والمستثمرون من ألفها إلى يائها، حتى أضحت اليوم علامة بارزة ومعلما يعكس تاريخها وحضارتها.
وإذا كان هناك من يرفض تطوير السوق لتخوفه من ارتفاع أسعار الإيجارات، فإن المجلس البلدي بالمنطقة الوسطى أكّد على لسان رئيسه عبدالرحمن الحسن أنه حريصٌ على عدم الإضرار بأصحاب المحلات في السوق الشعبي، والحفاظ على خصوصية هذا المرفق الحيوي المهم، مع مراعاة ذلك عند التوقيع مع الشركة المنفذة.
ومثلما لدينا النفس الطويل لتحمل التحويلات التي يجريها مقاولو الطرق لإنشاء الأنفاق والجسور العلوية لتسهيل حركة السير، فعلينا أيضا أن نستوعب شيئا من الانتظار إلى حين الانتهاء من إعادة تأهيل السوق وتجهيزه، فالقادم سيكون أفضل مما هو متوافر حاليا، ولنستذكر دائما أن الانتقال إلى السوق الحالي في مدينة عيسى خالف التوقعات وأزال التكهنات، وما يثبت ذلك هو تمسك المستأجرين بمحلاتهم على رغم رفضهم الانتقال إليها قبل سنوات.
ولا ننسى أن المستثمر الذي سيتولى تطوير السوق، سيكون مسئولا عن نقل المحلات ذاتها وتأهيل المكان المناسب لها في موقع آخر في نطاق المحافظة الوسطى، ولن يتغير شئٌ سوى محيط العمل الذي يحتاج إلى بعض الوقت حتى يعتاد عليه الباعة ويستدل على طريقه المشترون. وفي المنطقة الوسطى يكاد يكون الاستدلال على المناطق أمرا يسيرا مع وجود اللافتات المنتشرة على جوانب الطرق وعلى أعمدة الشوارع السريعة.
وفي الوقت الذي نؤكد فيه تقديرنا للظروف المعيشية الصعبة التي يعيشها الباعة في السوق الشعبي، إلا أننا ندعوهم لأن يفسحوا المجال أمام التحرك الرسمي الذي يبتغي توفير الأجواء المناسبة لهم حتى يتمكنوا من ممارسة أعمالهم بكل يسر وسهولة، وذلك لا يتحقق من دون تكاتف وتعاضد مختلف الأطراف المعنية بهذا الموضوع.
إقرأ أيضا لـ "أحمد الصفار"العدد 2412 - الإثنين 13 أبريل 2009م الموافق 17 ربيع الثاني 1430هـ