العدد 2920 - الجمعة 03 سبتمبر 2010م الموافق 24 رمضان 1431هـ

5 ملاحظات على هامش الانسحاب الأميركي من العراق

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

بنهاية شهر أغسطس/ آب المنصرف كان العراق، أو لنقُل بغداد، أو جزءاً منها تحتفل. مناسبة الحفل هو سحب الولايات المتحدة الأميركية لكافة قواتها «المقاتلة» من المدن وإبقاؤها على خمسين ألف جندي بغرض تدريب القوات الأمنية والعسكرية العراقية في عملية أطلِقَ عليها رسمياً اسم «الفجر الجديد» حضرها قادة الأحزاب العراقية ونائب الرئيس الأميركي جو بايدن.

وما بين 3 أبريل/ نيسان 2003 وهو يوم سقوط بغداد وبين 1 سبتمبر/ أيلول 2010 يوجد 7.5 من السنين. و90 من الأشهر. و390.5 من الأسابيع. و2734 من الأيام. وإذا ما اعتمدنا رواية الأميركيين من أنهم فقدوا 4419 من جنودهم طيلة هذه الفترة فهذا يعني أنهم كانوا يفقدون 1.6 من جنودهم في اليوم. و11.3 في الأسبوع. و49.1 في الشهر. و589.2 في السنة.

هذا فيما خصّ جردة الموتى. أما بخصوص «ذات» الانسحاب فإن قراءته متعددة. ففي التقليبات التحليلية له يظهر كيف أنه (الانسحاب) وُضِعَ في خطاب إعلامي معقول وغير تهويلي من الجانب الأميركي، لدرجة أن البعض اجتهد في تسميته بـ «الهمسة» في قبال التهريج الذي رافق بداية الغزو الأميركي للعراق. فكُلفته العالية، ونتائجة المُخَيِّبَة فرضت ذلك وبقوّة. لكن ذلك لا يمنع من قراءته كما أسلفت وفقاً للملاحظات التالية:

(1) إذا أردنا الإنصاف، فإنه لا يُمكن أن يُقال عن هذا الانسحاب، إلاّ أنه خطوة باتّجاه إنهاء الاحتلال الأميركي «المباشر» للعراق. ورغم بقاء خمسين ألف جندي أميركي بداعي التدريب (كما يُقال) أي بحدود ستة ألوية من الجيش الأميركي وهي أكثر من الجنود الموجودين في كوريا الجنوبية إلاّ أن العمليات القتالية في المدن لم تعُد في الحساب اليومي. لكن وما يُمكن أن يُشار إليه هنا أيضاً هو الخطأ في التقدير والاستنتاج. فالانسحاب لم يكُن وليدة «التزام» أميركي نتيجة عمل سياسي عراقي ضاغط خلال الاتفاقية الأمنية؛ وإنما بفعل خسائر الجيش الأميركي. طيلة السنوات السبع الماضية. وباعتماد الرّسم البياني للتصريحات الأميركية طيلة تلك الفترة، فإن قلّة الخسائر في أوساط الجيش الأميركي كان يعقبه تصريح «اختباري» من أحد القادة العسكريين يُقرّ فيه بأن بقاء القوات الأميركية قد يطول إلى خمسين سنة مقبلة والعكس صحيح.

(2) إن هذا الانسحاب يأتي بعد تجربة عام كامل من تسلّم القوات العراقية لبعض مهمّات الأمن. وبحساب الأرقام، فإن أداء القوات الأمنية العراقية طيلة هذا العام كان متواضعاً جداً. ورغم الحديث عن إنهاء حالات السيطرة على البلدات والأحياء من قِبَل «القاعدة» (كما أشار المالكي في خطابه) إلاّ أن موضوع الأمن غير معني بزوال ذلك المنسوب المرتفع من غياب الأمن، بقدر ما هو معنِي بتوفير أقصى درجات الأمان للناس. بالتأكيد يجب الحديث عن إنجازات أمنية، لكن اليقين يقول بأن تلك الإنجازات تُصبح في مهبّ الريح عندما تُقارَن مع الإخفاقات الأمنية الكبرى. وهنا تصبح المسئولية مباشرة على القوّة العسكرية الأميركية في معاجلة هذا الإخفاق.

(3) حسب تصريح القادة العسكريين فإنه «سيتم اختزال السيطرات الأمنية في داخل المدن لحين إلغاء تلك السيطرات وحصرها في مداخل المدن ومخارجها، كما سيتم رفع الحواجز الكونكريتية تدريجياً من الشوارع». والقضية التي يجب أن تُفهَم أن الثغرات الأمنية ليس بالضرورة تأتي من خارج أسوار المُدن العراقية، وإنما بات الحديث ينصبّ على موضوع الاستيلاد المتوالي للخلايا «المسلّحة» داخل المدن والأحياء والشوارع، كما هو الحال بالنسبة إلى مدينة كربلاء المقدسة، التي باتت تشهد بعض أحيائها أعمالاً عسكرية شبه كاملة من الجماعات المسلّحة دون وجود أي قدرة من وزارة الداخلية العراقية للتعامل معها. وهو أيضاً مدعاة لأن تُراجَع أي خطط أمنية وعسكرية تواكب موضوع الانسحاب الأميركي من العراق.

(4) تنسحب القوات الأميركية من العراق دون الإجابة عن هذا السؤال المحوري: كيف ستنتهي الأوضاع في العراق؟ حسب قول بيتر بيرغمان من مؤسسة أميركا الجديدة، والاكتفاء بإنهاء المهمّات القتالية. وضمن هذا المفهوم فإن الحال يقتضي أحد أمريْن: إما زيادة في عدد القوات كما جرى في العام 2007 لتقليل حدّة الهشاشة الأمنية (وهو ما يُنافي أصل الانسحاب) أو إقامة تسوية سياسية في الداخل العراقي، وهو باعتقادي العامل الأهم للاستقرار. فانسحاب أميركي في ظلّ وجود فراغ سياسي عراقي، وحكومة تصريف أعمال، ومحاصصات وعدم إشراك الجميع هو «وضع مثالي» للهجمات ضد قوات الأمن والمراكز الحكومية، وبالتالي وجب حلها.

(5) بالرجوع إلى تصريح الكولونيل روجر كلوتيير قائد اللواء الأول المُرابط في العراق يُصبح موضوع تضخيم عدد القوات العراقية (الأمنية) بلا فائدة تذكر إذا لم يُوجد نظام استخباراتي عراقي قوي يلاحق المعلومة بهدف إقامة سواتر وقائية افتراضية أمامها. لأنه وبدون ذلك النظام ستصبح هذه القوات في مواجهة مفتوحة مع المدنيين الذين قد يُوضعون في دائرة الاتهام لعدم وجود مؤشّر الإدانة الحقيقي، الذي يُفرّق بينهم وبين المدانين الحقيقيين. وكما ذكر الجنرال رالف بيكر قائد القوات الأميركية في وسط العراق فإن «نسبة نجاح المداهمات الأمنية التي تقوم بها القوات العراقية لمكافحة التمرد على مخابئ للمسلحين بلغت 20 في المئة فقط» وهو ما يعني تأليب السكّان على القوات العراقية، كما يجري بالضبط في أفغانستان.

في كلّ الأحوال، فإن ما يتمناه أيّ عربي هو أن يرى العراق سيّداً على أرضه وثرواته. وإذا كان هذا الانسحاب، مع إجراء المعالجات المواكبة له سيمنح العراق مزيداً من سيادته وحرّيته، فما المانع من تأييده. لكن الحقيقة أن ما جرى ويجري ما هو إلاّ مفردة من مفردات التواجد الأميركي «غير المباشر» في بلاد الرافدين على المستوى الاستراتيجي والاقتصادي، لذا فإن المشوار يبقى طويلاً أمام العراقيين.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2920 - الجمعة 03 سبتمبر 2010م الموافق 24 رمضان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 6:01 ص

      كنز

      من قال ان الامريكان طالعين من العراق !!! هذا مستحيل لانهمطاحوا على كنز عجيب

    • زائر 1 | 5:56 ص

      سؤال مهم

      سؤال مهم اطرحه على الكاتب باعتباره متخصصا في التحليل السياسي : لو افترضنا ان الاحتلال الامريكي للعراق لم يحصل وعادت الامور الى سابق عهدها وبقيت بغداد محكومة من حزب البعث فما هو الحل للعراق حينها ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

اقرأ ايضاً