ليس الكتاب الذي ضم بين دفتيه مذكرات رئيس الوزراء البريطاني السابق طوني بلير من الكتب التي بدأت مبشرة ثم اضطر ناشرها لإنهائها بسرعة بسبب ضغط الوقت.
أوضح بلير منذ بداية كتابه الذي حمل عنوان «رحلة» أنه لم يجد خلال فترة كتابة مذكراته التي امتدت ثلاث سنوات أي رغبة في عمل أي اعتبار لأي شخص تناولته مذكراته. وكان أول من طاله ذلك هو رفيق دربه الذي أصبح منافسه الأول داخل الحزب ثم خليفته في منصب رئيس وزراء بريطانيا، غوردون براون.
وصف بلير الأسكتلندي براون بما لا يدع الكثير من المجال لسوء الفهم بأنه «غير محتمل» ووصف تصور بروان نفسه كرئيس وزراء بريطانيا بأنه «كارثة». وعلقت صحيفة «جارديان» اليسارية الليبرالية على هذا الخلاف الشديد بين بلير وبراون بالقول: «ليس هناك لا في مذكرات بلير ولا في مواقف حياته إجابة على السؤال عن سبب اعتماد كل من بلير وبراون على بعضهما البعض تماماً بهذا الشكل».
تحدث بلير في كتابه الذي يضم 718 صفحة والذي بيع بنصف سعره في اليوم الأول لنشره عن الأميرة ديانا والملكة وأيرلندا الشمالية والولايات المتحدة والأزمة المالية والخصوم السياسيين. ولكن بلير كان صريحاً بشكل مفاجئ عندما تناول مشاعره عندما وجد نفسه رئيساً لوزراء بريطانيا.
علم القارئ من خلال قراءة مذكرات بلير كيف كان بلير متردداً لدى دخوله مقر إقامة رئيس وزراء بريطانيا في رقم عشرة شارع داوننغ ستريت لأول مرة دون أن يكون قد سبق له تقلد منصب وزير وكيف وجد بلير غرف المقر غير مناسبة لإيواء أسرة صغيرة مثل أسرته.
كما تحدث بلير عن مدى الخوف الذي انتابه عندما اتخذ قرار إرسال جنود الجيش البريطاني للعراق وقال مشيراً لمنتقديه الذين يعتبرونه «مجرم حرب» بسبب مشاركته في الحرب على العراق: «أيعتقدون أنني غير آبه أو متعاطف بكل شعرة في جسدي مع الجنود الذين يقتلون في العراق؟».
ويرى بعض المؤرخين أن علامات السن قد ظهرت بسرعة على بلير البالغ من العمر 57 عاماً أثناء توليه منصب رئيس الوزراء مقارنة بغيره من السياسيين. ويرى هؤلاء المؤرخون في حرب العراق بداية لتدني شعبية بلير بعد أن كان نجماً كبيراً في عالم السياسة.
وفجأة - هكذا يرى المؤرخون - ظهر بلير تابعاً للرئيس الأميركي جورج بوش بعد أن كان السياسي الأقوى في بريطانيا الذي فاز في ثلاث انتخابات دون أي عناء يذكر والذي أثر في الديمقراطية الاشتراكية في جميع أنحاء أوروبا والذي كان إحدى أبرز القوى الفاعلة في السياسة الدولية.
وتبع ذلك فضائح وانكشاف أسرار عن بلير ودخوله في نزاعات مع خصومه قبل أن يفسح الطريق لغوردون براون الذي كان ذراعه الأيمن. ولم يستطع بلير الحصول العام 2006 على مهلة أكثر من 12 شهراً لمغادرة منصبه.
أفرد بلير فصلاً خاصاً لمغادرته مقر إقامته في داوننغ ستريت وصف فيه بالتفصيل مشاعره عند انتهاء فترة توليه المنصب وتركه المقر الذي عاش فيه مع أسرته عشر سنوات ولم يغفل بلير ذكر كيف بكى الكثير من طاقم الخدمة في المقر عندما غادر مقر إقامة رئيس الوزراء.
ولم يستطع بلير حتى الآن التغلب على حرب العراق كنقطة تحول في مشواره السياسي الفريد. ويظهر ذلك بوضوح من خلال تبرع بلير بملايين اليورو التي تعود عليه من وراء حقوق تأليفه لمذكراته للجنود البريطانيين الذين أصيبوا في العراق وكذلك من خلال إصراره دائماً على أن هذه الحرب كانت صحيحة من أجل إسقاط الدكتاتور الراحل صدام حسين.
ومبرراً هذه الحرب قال بلير في مذكراته: «إن ترك هذا الدكتاتور في السلطة كان خطراً كبيراً على الأمن الدولي». ووصف بلير الرئيس الأميركي جورج بوش الذي اتهم بلير بالثقة العمياء به بأنه «جدير بالثقة» و«مثالي».
وأقر بلير بأنه كان من الصعب عليه التخلي عن منصبه كرئيس وزراء بريطانيا ولكنه لاحظ بعد ذلك بوقت قصير حسبما قال إن هناك حياة جديدة له.
وأصبح بلير اليوم مليونيراً وأحد أكثر المستفيدين في العالم من وراء محاضراتهم. وحصلت شركته مؤخراً على موافقة بمزاولة أنشطة بنكية استثمارية وهو مجال مربح للغاية. ولكن السياسة لم تتركه على رغم ذلك حيث لم يكن يوم الإعلان عن صدور كتابه موجوداً في بريطانيا بل في واشنطن كمبعوث خاص للرباعية الدولية للتوسط في إحلال السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
وربما اضطر بلير لكتابة جزء ثاني من مذكراته مع استمرار تواجده بهذا الشكل على مسرح الأحداث العالمية. سيطرح هذا الكتاب باللغة الألمانية تحت عنوان «طريقي» في السادس من سبتمبر/ أيلول الجاري.
العدد 2919 - الخميس 02 سبتمبر 2010م الموافق 23 رمضان 1431هـ
بلير
...حاقد على كل مسلم، ولو فيه خير لما تنكر لرفيق دربه، يؤمر بأوامر اللوبي الصهيوني بأمركيا