مجموعة من الملائكة يأتون لإنفاذ حكم الله سبحانه وتعالى في قوم لوط وإنزال العذاب بهم، لكنهم يحلون ضيوفاً ببيت نبي الله إبراهيم، ويبشرونه بإسحاق ومن بعده يعقوب، وبعد هذه البشرى المفرحة يخبرونه عن مسارهم لقوم لوط وإهلاكهم بالعذاب، وحينها لا يسكت نبي الله إبراهيم أو يترك الأمر دون نقاش وحوار، لا يعتبر الأمر منتهياً فيصمت، بل يحاول ما أمكنه منع العذاب عن قوم لوط، وقد عبر القرآن عن ذلك بقوله «يجادلونا في قوم لوط» والمجادلة في الأصل «الإلحاح في البحث والمساءلة للغلبة في الرأي، كما يقول صاحب تفسير الميزان».
وفي كيفية المجادلة ينقل صاحب الميزان رواية في الكافي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال لماذا جئتم؟ فقالوا في إهلاك قوم لوط. قال: إن كان فيها مئة من المؤمنين أتهلكونها؟ قال جبرئيل: لا. قال: وإن كان فيهم خمسون؟ قال: لا. قال: وإن كان فيهم ثلاثون؟ قال: لا. قال: وإن كان فيهم عشرون؟ قال: لا. قال: وإن كان فيهم عشرة؟ قال: لا. قال: وإن كان فيهم خمسة؟ قال: لا. قال: وإن كان فيهم واحد؟ قال: لا. قال: فإن فيها لوطاً. قالوا: نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين.
• كان يرى أن النقاش والجدال حق من حقوقه، فلم تمنعه مسمياتهم (ملائكة) ولم توقفه مكانتهم، ولم تستبطئه هيأتهم التي جاؤوا بها، فبالرغم من أنهم ملائكة لا ينطقون عن الهوى، وليست لهم رغبات، ولا نزوات ولا حسد ولا مصالح شخصية، ولا يمكن أن يكونوا على خطأ، على رغم ذلك كله انطلق يجادلهم في قوم لوط.
• ويضرب لنا القرآن نموذجاً آخر، امرأة من المسلمين تأتي رسول الله (ص) بعد أن قال لها زوجها «أنت عليَّ كظهر أمي»، وكان هذا نوع من الظهار، حيث تحرم المرأة على زوجها بهذا القول قبل الإسلام وإلى حين اشتداد الجدال بينها وبين رسول الله، وتسأل الرسول الكريم أن يعالج مشكلتها هذه، وهنا رواية عن تفسير القمي أن الرسول قال لها ما أنزل الله تبارك وتعالى كتاباً أقضي فيه بينك وبين زوجك وأنا أكره أن أكون من المتكلفين، فجعلت تبكي وتشتكي ما بها إلى الله عز وجلّ وإلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وانصرفت. قال: فسمع الله تبارك وتعالى مجادلتها لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في زوجها وما شكت إليه، وأنزل الله في ذلك قرآناً.
والقرآن يخلد ذلك بآياته «قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ» (المجادلة: 1).
يمكننا الحديث عن ثلاثة معطيات تدعونا للتعاطي بنمط مختلف عن السابق مع أبناء هذا الجيل.
1 - لدينا جيل من الشباب أصبحوا حاضرين في كل النقاشات والمحاورات التي تدور في مواقع النت وفي الفضائيات، وهؤلاء جيل جديد لن يقبل أسلوبنا في فرض الرأي دون دليل ودون توضيح، لأنه جيل سؤال وبحث ومعرفة واطلاع.
2 - ولدينا مجاميع من الشباب يشقون طريق العلم والمعرفة خارج أسوار دولهم ومحرماتها، وقد ألفوا حياة أخرى ملؤها الحرية والنقد والتعبير عن القناعات في كل أمر، ومقابل أي أحد، وهؤلاء لن يسيروا ضمن قاعدتنا الشعبية المعروفة «لعن الله الشاك» فاسكت ولا تسأل أو تناقش وتحاور.
3 - ولدينا حراك متعدد ومتكاثر من الأقلام والآراء الحرة التي ولدت وعياً كبيراً في نفوس الناس وهؤلاء لا يعجبهم الكلام الفضفاض ولا الشعارات الرنانة، في مختلف المسائل والقضايا، إنهم يطلبون الدليل والمستند، والتفاصيل والجزئيات ليعوا الأمور بطريقة لا لبس فيها.
لا يقبل هذا الجيل أن تقول له هذا ليس من اختصاصك، ولا أن تسمه بالجهل وعدم المعرفة، وتتعالى عليه.
لا بد من نمط وأسلوب جديد يمكننا من استيعاب الناس وقبول حواراتهم ونقاشاتهم وأسئلتهم مهما كانت ودون انزعاج أو تضجر.
إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"العدد 2915 - الأحد 29 أغسطس 2010م الموافق 19 رمضان 1431هـ
بوركت يا شيخ مقال ممتاز ........ نحن في زمن الحوار العقلاني المنطقي المبني على الأدلة والبراهين والأمثلة .. هنيئا للجيل الجديد........ ام محمود
ضوابط للحوار
- تقبل الآخر الاعتراف به و احترام حقه في الاختلاف و التعبير
- حسن القول حسن الكلام بتجنب الألفاظ الجارحة و عبارات السخرية
-العلم و صحة الدليل اعتماد البرهان في الدفاع و التفنيد
- الإنصاف و الموضوعية الاعتراف بصحة رأي المحاور و الإذعان للحق عند تبين صدق حججه
أنواع للحوار في القرآن والسنة منها:
- الأسلوب الوصفي التصويري يعرض قصصا و مشاهد حوارية واقعية
-الأسلوب الحجاجي البرهاني
- الأسلوب الوصفي
-الحوار الاستدلالي الاستقرائي
-الحوار التشخيصي الاستنتاجي
جيل متعلم يؤمن بلغة العلم ولغة العصر وأدواته_ وليس على طريقةكتاب القصص العجيبة والانوار النعمانية ومدينة المعاجز
بارك الله فيك يا شيخ ,,, لامقدسات في الحوار والحقية بنت الحوار هكذا يجب أن نكون ,,,ويجب على من تربعوا على عروش القداسة المصطنعة,, أن يكون الحوار هو الاساس لديهم وليس توظيف حديث الراد على الفقيه كالراد على الله ليكمموا افواه من خالفهم في شتى المجالات,, واصبحت المقولة الشعبية لعن الله الشك حديث ومسلمة لاتقبل الجدال ,,,,, وهناك ولاية الفقيه المطلقة التي لاتسمح لأحد أن يفكر ,,,,,,,, وهناك من يتربع على عقول الناس حتى في الموضوعات التي يشخصها المكلف ,,,,