جميع منتجي الدارما في هذه الفترة يأملون أن تلفت أعمالهم الأنظار، وأن تستقطب الجمهور والمتابعين، وكل ذالك لكي تنال استحسان النقاد والباحثين، سواء أكان هذا الجذب من خلال ضخامة إنتاج العمل، أو تواجد وجوه ممثلين مهمين ومعروفين لدى المشاهد العربي، أو من خلال القصة المميزة القوية، إلا أن المسلسل السوري«وراء الشمس» لم يلفت انتباه وسائل الإعلام من خلال أداء ممثليه المتميز فقط، والذي يأتي في صدارتهم المبدع السوري الممثل بسام كوسا الذي أتقن دوره وتقمصه بطريقة مبدعة وفريدة... ولا من خلال القصة المؤثرة والأحداث الدرامية التي تتنقل ما بين شخصيات العمل، فمن أبرز معالم هذا العمل والتي جعلت محط إعجاب الكثير ممن يكتبون في دراما العربية على شاشات رمضان اليوم، أنه يحاول تقريب المشاهد من عالم فئة في المجتمع لطالما غابت عن وسائل الإعلام، ولطالما سعت لأن تسجل لها حضور إلا أن زحمة الأعمال ضيعت في كثير من الأحيان التركيز على قضايا هذه الفئة.
فمسلسل«وراء الشمس»، من إخراج سمير حسين، وتأليف محمد العاص، وبطولة: صبا مبارك وباسل خياط، ومشاركة الفنان القديرة منى واصف، بالإضافة لمجموعة من الفنانين السوريين، يحاول أن يقارب ويستعرض حياة أشخاص من فئات خاصة، تعاني من إعاقات عقلية بالتحديد، وكيف يتعامل المجتمع مع هذه الفئات خصوصاً من ناحية التهميش، أو الاستهجان، والتندر بهم، دون مراعاة آثار هذه التصرفات عليهم، بالإضافة لاستعراض نماذج أكثر نجاحاً لدمج هؤلاء الأشخاص في الحياة الطبيعية العادية التي قد يعيشها أي شخص سليم.
وتأتي كل هذه الأفكار من خلال مجموعة من العلاقات الاجتماعية ما بين أم فقيرة منى واصف تسعى بجد لكسب لقمة عيشاها، وابنها بسام كوسا المصاب بمرض التوحد والذي يعيش حياة بائسة مليئة بالمشاكل والهموم خصوصاً بعد تعرض أمه لحادث وبقائه بمفرده من دون شخص يرعاه ويحميه، في مقابل عائلة أخرى هي عائلة الفنانة نادين والممثل رضوان عقيلي، وابنهما المصاب بمتلازمة داون الشاب علاء الدين الزيبق، الذي شد المشاهدين باندماجه مع العمل وتفاعله مع تجربة التمثيل بطريقة مميزة، والزوجين منى (صبا مبارك)، وعبادة (باسل الخياط) الذي لا يستطيع تقبل فكرة إنجابه لطفل من ذوي الاحتياجات الخاصة، خصوصاً طفل لديه مشكلة مرض (التوحد)، مما يدخله في صراع وجدل مع زوجته وأمه، وهو صراع ما بين المنطق بالنسبة لشخصية (الخياط) والتعاطف والحس الإنساني العالي لدى الطرف الآخر زوجته (منى)، وإن كانت الأحداث تفرد جزءاً كبيراً من القصة لعلاقة الأهالي بأبنائهم ما بين النجاح والتقدم في دمج هؤلاء الأبناء في الحياة، في مقابل الخوف من تجربة قاسية تحتاج لشخصية قوية ومتفهمة بدرجه عالية، فنجد أن العمل يقدم أكثر من نموذج، منهم من ينجح في التعايش ومنهم من يسلِّم أمره، ويعيش اليأس ويُعيِّش ابنه اليأس معه، ومنهم من يهرب من المسألة ويستنكرها جملة وتفصيلاً، وفي مقابل جزء الأهالي من القصة، هناك الجزء الأعقد والأكثر تفرداً، وهو تفاعل وإمكانات هذه الفئات، والتي قد تدهش الكثيرين كما أدهش الشاب علاء الدين الزيبق المشاهدين بدوره في المسلسل.
العدد 2913 - الجمعة 27 أغسطس 2010م الموافق 17 رمضان 1431هـ