العدد 2911 - الأربعاء 25 أغسطس 2010م الموافق 15 رمضان 1431هـ

الشك في كل شيء

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

رَصَدْتُ أحوال العراق يوم 23 من الشهر الجاري فوقفتُ على الأحداث التالية: مقتل سبعة موظفين وسرقة 750 مليون دينار من رواتب منتسبي مصفى بيجي. العثور على جثة امرأة مجهولة الهوية في ديالى. قوات الأمن العراقية تعتقل ثلاثة من تنظيم القاعدة في بيجي. مقتل ضابط بمديرية التحقيقات الجنائية. خلايا القاعدة تنتقل إلى جنوب العراق.

وتستمر أحداث ذلك اليوم. تفكيك عبوة لاصقة قرب نادي الزوراء. وزارة العدل تعترف بهروب المتهم بقتل الناشطة البريطانية مارغريت حسن. انفجار عبوة ناسفة جنوب النجف. اغتيال شرطي في حماية المنشآت بانفجار عبوة لاصقة كانت موضوعة بسيارته في الرحمانية. اغتيال احد الموظفين العاملين بمستشفى الحكيم أمام منزله في الشعلة.

بالتأكيد فإن أحداث ذلك اليوم (الثالث والعشرين من أغسطس/ آب) لم تنحصر فيما ذكرت. فلو أنني أطلقت القلم لتسجيل أحداثه فإنني سأخرج بمحضر جنائي لا يحمله سوى سِفر ثقيل. وفي بعض الأحداث فإن ظروفها تدفعها لأن تستولد أحداثاً أخرى على هامشها، مُرشّحة لأن تتضخّم لتصبح حدثاً مستقلاً بذاته.

ما يُلفِت في الأمر أن هذه الأحداث جميعها وقعت في يوم مُفرَد مقطوع في اتصاله الزّمني. ولأن الأحداث هناك باتت متلاحقة وبشكل يومي، فقد تُنسيك أحداث اليوم ما وَقَعَ بالأمس. بل إن ذلك الحَثّ في الأحداث وتلاحقها قد يُضيع على الأجهزة المعنية متابعة أحداث يوم سابق نتيجة لأحداث يوم لاحق أخذت تفرض نفسها بهالة أشد.

وربما يُتساءَل يوماً بعد يوم عن خاتمة الأمور وكيف ستتشكّل آفاق العراق وسط هذا الزّحام والرّكام. ففي كلّ هدوء يأتي تعقبه أحداث خاصة، تقطع صفاء الشعور بأن العنف إلى زوال. وقد باتت وزارات الدولة المعنيّة كلٌ في اختصاصه تُفاضل بين ضحايا من عيار «200 قتيل» وبين ضحايا قاربت أعدادها «المئة قتيل»، ليكون الرقم الأخير محلّ ترحيب وأن هناك تطوراً في فرض الأمن.

هنا نقطة جوهرية. فالمشكلة هي أن «النَّمْذَجَة التغييرية» تتكرّر إخفاقاتها ليس في العراق فقط وإنما في دول أخرى. فقدرة طالبان على المبادأة والاستتار والقنص في أفغانستان تجعل من السّعي الأميركي لتثبيت الوضع السياسي والأمني هناك أشبه ما يكون بالكسيح.

بل وصل الأمر في باكستان مثلاً لأن يكون الخصم (طالبان) منافساً حتى على مستوى الخدمات المدنية، حين أصبح الطالبانيون يزاحمون حكومة إسلام آباد على تقديم الدعم المادي للمتضرّرين من الفيضانات الرهيبة حين أعلنت الحركة بأنها ستقدّم مبلغ عشرين مليون دولار كوجبة واحدة.

وقبل يومين فقط، هاجم ثلاثة مسلحين ينتمون إلى حركة الشباب المجاهدين في العاصمة الصومالية مقديشو فندق منى المجاور للقصر الرئاسي (يبعد عنه 500 متر) والذي يسكنه عادة نواب البرلمان ومسئولون حكوميون كبار، الأمر الذي أدّى إلى مقتل أكثر من ستين شخصاً بينهم ثمانية نواب، مع الإشارة أيضاً إلى المعارك الطاحنة في سوق بكارة بشمال العاصمة.

هذه الأحداث سواء في العراق أو أفغانستان أو الصومال لا تدفع إلاّ باتجاه التشكيك في قدرة النموذج الجديد على الصّمود. شخصياً تحدثت مع عراقيين عديدين لم يعودوا يملكون بوصلة الحقيقة فيما هم عليه من تجربة سياسية. بل إن بعضهم وبسبب غزارة الدّم المُرَاق بات مهووساً بالتفكير في معادلة بلا ملامح تقوم على «الشّك فيما أنا فيه».

هذه المعادلة وحين يَصِل إليها أصحاب المشروع البديل تُشكّل انتكاسة نفسية، وانهزاماً داخلياً خطيراً، قد يُعيدهم إلى مراتب من التفكير تدفعهم باتجاه الانتقام من واقعهم بشكل مُنفلت. وربما تتكرّر مثل هذا النماذج في دول أخرى. حينها تسقط المشاريع البديلة التي حِيكَت بغباء وتَقوَى الأنظمة غير الديمقراطية وهنا المأساة.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2911 - الأربعاء 25 أغسطس 2010م الموافق 15 رمضان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 8:48 ص

      العراق والعراق

      ماعنده غير العراق والعراق

    • زائر 2 | 7:35 ص

      هل هناك علاقة ما لا ادري

      مقتل سبعة موظفين وسرقة 750 مليون دينار من رواتب منتسبي مصفى بيجي.
      الطالبانيون يزاحمون حكومة إسلام آباد على تقديم الدعم المادي للمتضرّرين من الفيضانات الرهيبة حين أعلنت الحركة بأنها ستقدّم مبلغ عشرين مليون دولار كوجبة واحدة.

    • زائر 1 | 6:18 ص

      لا اعتقد

      هل يعني ذلك القبول بالارهاب ؟ لا اعتقد

اقرأ ايضاً